(نحن) و (هم) والقطيع المتمرّد

 

سيّء جدّاً رسم الحدود مع الآخر والعمل على ترسيخها، خاصة بين شرائح المجتمع الواحد.

وربما قد لا تكون الصورة مثلى حين يوضع نظام حكمٍ ما مقابل طموحات وتطلعات شعبه؛ فالجدل قد يقوم حول ما إذا كان ذلك النظام (نتاجاً) طبيعياً لبيئته السياسية والإجتماعية، حتى وإن فرض نفسه بسلطان القهر والغلَبَة على إرادة الجمهور المحكوم والخاضع رغماً عنه.

الفاصلة قد تقترب أو تبتعد لظروف مختلفة بين الشعب (نحن) وبين (هم) أي الطبقة الحاكمة سواء كانت حزباً أو عائلة مالكة أو حتى عصابة عسكر. إذا توسعت الفاصلة، وتضاربت المصالح، وفشلت النخبة الحاكمة في تحقيق تطلعات شعبها ـ وقد تكون تطلعات محدودة ـ حدث صراع علني بين (الدولة) و (المجتمع) أي بين (هم) و (نحن) ككينونتين منفصلتين لهما تصورات ومصالح وتطلعات متناقضة، تقود في النهاية الى تفجّر العنف الأهلي، والثورات، وفي غالب الأحيان يكون المنتصر (نحن) ولكن بعد دفع ثمن عالٍ للغاية.

في حال اقترب الطرفان، يصبح (هم) أقرب الى تمثيل (نحن) بشكل تصبح معه الإختلافات قابلة للتجسير عبر (التسويات) وتحويل بعض أو المزيد من السلطات من (هم) الى (نحن) في عملية تحوّل تدريجي لتحقيق سيادة إرادة الشعب.

الحدود في السعودية بين (نحن) و (هم) تترسّخ، والفاصلة تتسع بسبب الفشل المتواصل في الميادين الإقتصادية والإجتماعية والسياسية. هناك (مشفقون) وطنيّون صادقون يسعون جهدهم لتقريب الشقّة خشية وقوع الأسوأ. وهناك (مغامرون) وطنيّون صادقون أيضاً يريدون المزيد من اتساعها لتحقيق تطلعات الجمهور وانتزاع حقوقه. وهناك (مقامرون) استئثاريون إقصائيون في الطبقة الحاكمة يلعبون على كلّ الحبال، إلاّ حبل الإصلاح والإقتراب من الشعب.

هؤلاء المقامرين هم اللاعب الأساس ـ نظراً لحجم السلطة التي بيدهم ـ وهم من يحدّد طبيعة العلاقة بين (نحن) و (هم).

(نحن) حتى الآن ـ في عرف هؤلاء المقامرين (هم) ـ مجرد قطيع كان يتمتع في يومٍ ما بحقوق (القطيع): الغذاء، والرعاية الصحية، والمأوى، والحماية من اعتداء الذئاب، وعليه في المقابل تقع تبعات القطيع: الطاعة، والإستسلام لحدّ السيّاف، وعدم التأوّه عند الذبح. حتى شروط القطيع غير العادلة هذه اختلّت، فمطالب (الراعي) تضاعفت، وتنصّل من أية واجبات تجاه قطيعه، فاختلّ بذلك التوازن (غير المتوازن) بين واجبات القطيع وحقوقه!

أمّا (هم) فمخلوقات (فوق العادة) خلقها الله واختارها دون غيرها لتحكم، ومنحها مواصفات لا تتوفّر في غيرها: فالدماء التي تجري في عروقها مختلفة، وأحجام أدمغتها مضاعفة الوزن والأهمية؛ هي الأكثر وعياً وعلماً والأجدر بتمثيل إرادة السماء، وبتحقيق سياسة القطيع في الأرض. باختصار: (هم) يرون أنفسهم (شعب الله المختار).

القطيع الذي لم يعد أعضاؤه يتمتعون بحقوقهم، لا يريدون أن يبقوا كذلك.. يريدون صعود السلّم الإجتماعي، ويريدون حقوقاً إضافية توصلهم الى مرتبة (الإنسانيّة) شأنهم شأن نظرائهم في الدول المجاورة وفي كل دول العالم.

بيد أنّ (الراعي) يصرّ على أن الله خلق القطيع بلا خيار أو قرار ليُساق بالعصا، وليس له إلاّ الإنصياع لإرادة السماء ويقبل بالأمر الواقع، لا أن يتطاول ويقتحم الفضاء غير الخاص به.

وهكذا، فـ (نحن) و (هم) في موقف متضادّ شديد الحديّة. وفي موقف كهذا، ليس أمام (نحن) سوى إثبات جدارتنا بتطلعاتنا وإن تطلّب الأمر، ليّاً للأذرع، أو أي تمظهرات أخرى للقوّة. حينها نثبت لـ (هم) بأننا حقيقون بما ندعو إليه، وأنه آن لهم أن ينزلوا ـ غير مختارين ـ من أعلى السلّم.