الأمير نايف ينفي خلافه مع ولي العهد

من وراء الإلتفاف على مشاريع الأمير عبد الله وتفريغها من محتواها؟!

مخاوف على حركة الاصلاح من (التهميش) بيد أطراف متنفذة

 

الرياض (شؤون سعودية)

أعطى الأمير نايف بن عبد العزيز، وزير الداخلية، صورتين متناقضتين للعلاقة بينه وبين أخيه الأكبر (غير الشقيق) ولي العهد الأمير عبد الله بن عبد العزيز، الرجل الأكثر نفوذاً في العائلة، والملك غير المتوج، فقد صرح الأمير نايف لصحيفة (عكاظ) السعودية يوم الثلاثاء 18 فبراير 2003 أن من الـ(مستحيل ان اعارض شيئاً تكلم به سيدي سمو ولي العهد)، وكان الأمير نايف يرد بذلك على تعليقات الصحف الأميركية وآخرها ما نشرته صحيفة (نيويورك تايمز) في شهر فبراير ، بخصوص الصراع بين ولي العهد ووزير الداخلية، وجهود الأمير نايف في إعاقة مشاريع وأعمال أخيه المسؤول الأول في الدولة، وقالت الصحيفة أن الأمير نايف (يعارض توجهات ولي العهد الاصلاحية).

 

مبادرة الإصلاح

بالرغم من النفي الذي أطلقه الأمير نايف، فإنه بادر فوراً وعبر (عكاظ) الى تفريغ المبادرة الإصلاحية التي أطلقها ولي العهد السعودي وقال  عنها مستشاروه والمعلقون السعوديون أنها تهدف الى ترويج مشروع للإصلاح العربي ينطلق أساساً من الداخل ويعمل على تدعيم دولة المؤسسات وإطلاق الحريات وإجراء مصالحات بين الحكومات وشعوبها، كمقدمة لرؤية عربية شاملة. الصورة المتفائلة التي سوّق بها المستشارون مبادرة ولي العهد، وأجواء التفاؤل التي أحدثتها في الشارع المحلي، عززت مساعي المثقفين الإصلاحيين في تقديم عريضة هي الأولى من نوعها للمطالبة بوضع حد لغياب دولة القانون، وإجراء إنتخابات تشريعية، ووقف التمييز الطائفي، والكف عن هدر المال العام.

وفي محاولة لتثبيط الآمال قال الأمير نايف (ان الآخرين فهموا مقصد سمو ولي العهد خطأ اذ ان سموه يقصد "اصلاح علاقات العالم العربي واوضاع كل دولة"، مضيفاً أن "اي مطالب في الداخل سيؤخذ بها عندما تكون حقاً وان المملكة لا يمكن ان تقبل أن يُملي عليها احد كيف تكون".

مجاملة التيار السلفي

ويقول محللون أن هذه ليست المرة الأولى التي يتصدى فيها وزير الداخلية لجهود الأمير عبد الله المتعثرة أصلاً من أجل تحقيق قدر ما من الاصلاح الداخلي، فحين أصدر ولي العهد قراراً بدمج الرئاسة العامة لتعليم البنات مع وزارة المعارف كخطوة لتحجيم المد (السلفي) في البلاد، والاستجابة للمطالب الغربية (الاميركية تحديداً) بالتصدي للنفوذ المتزايد للجماعات الدينية المسيسة في السعودية ووقف هيمنتها على المؤسسات الدينية والتعليمية، بعد الحريق المفجع الذي أودى بحياة أحد عشر فتاة في إحدى مدارس البنات في مكة المكرمة، قام الأمير نايف بجهود حثيثة للتقرب من التيار الديني واجتمع بزعماء التيار السلفي، ورموزه المسيسين في القصيم والرياض، وأعطاهم تطمينات بأن أحداً لن (يجرؤ) على الحد من نفوذهم، كما (برأ) ساحتهم من كل التهم التي علقت بها جراء حادثة الحريق.

وأصيبت جهود الأمير عبد الله بخيبة الأمل، في تحقيق توازن بين الجماعات الدينية المتطرفة، وتلك التي تسعى لتعديل مناهجها وتحقيق مساحة من التقارب مع التيارات الأخرى في البلاد، وساد الى حد كبير صوت التطرف من جديد، بالرغم من ذلك، رفض الامير نايف مراراً مطالبات متكررة من ولي العهد بالافراج عن عدد من المتعقلين السياسيين بينهم السجين الشيخ (سعيد بن زعير) كما أبدى الامير عبد الله مراراً عجزه من تحقيق أي إنفراج في الوضع الداخلي المتعلق بالمواطنين الشيعة في شرق المملكة ملقياً باللوم على أطراف أخرى في إشارة الى الجهات الامنية التي يرأسها الامير نايف.

 

العلاقة مع المواطنين الشيعة

وقد وصلت العلاقة بين الشيعة في المنطقة الشرقية والحكومة إلى أدنى مستوياتها منذ المصالحة التاريخية التي أبرمها الطرفان في العام 1993 وعاد بموجبها المنفيون والمعارضون الشيعة الى بلادهم وأوقفوا كلياً جميع الأعمال المعارضة وتلك المطالبة باصلاح اوضاعهم أو الدفاع عن حقوق الانسان في بلادهم، كما انخرطوا في مشاريع وطنية للإصلاح الداخلي.. لكن هيمنة الجهات الأمنية ممثلة بالمباحث العامة، والجهود التي قام بها وزير الداخلية ومن تحته أمير المنطقة الشرقية، الأمير محمد بن فهد (إبن الملك) أعاقت كل عمليات التوفيق بين المعارضين السابقين والحكومة، حيث أخضع المعارضون الى رقابة لصيقة، واستدعاءات متكررة من قبل المباحث العامة، وسحب جوازات السفر، والتوقيف المتكرر في الحدود، بل أن الوعود السابقة بضمان حرية المعتقد والدين وتحقيق قدر من التنمية في المناطق الشيعية قد أحبطت وباءت بالفشل، فبالرغم من قرارات سابقة بالسماح للمواطنين الشيعة ببناء المساجد والتي حصلوا عليها بمطالبات مضنية، قررت امارة المنطقة الشرقية، التي تعود ادارياً للأمير نايف، وجهاز المباحث العامة في القطيف والدمام، وقف العمل بهذا القرار واقتصار الامر على مجرد مسجد واحد أو مسجدين في عموم مناطق الشيعة.

هذا الوضع بالاضافة الى التحرشات المستمرة، من الاستيلاء على الاراضي ومنع توظيف الخريجين الشيعة، ووقف المساعدات للجمعيات الخيرية الشيعية، واطلاق حملات التكفير والتحريض، (وآخرها قرار وزارة المعارف بمنع الطلاب الشيعة من أداء صلاة الجماعة في مساجد  المدارس الحكومية) كل ذلك دفع الأمور الى حافة الهاوية، أسفر عن ذلك عودة التنظيمات السياسية الى التشكل بأسماء جديدة وشخصيات ووجوه جديدة، وتنامت الى حد كبير حركة الاحتجاج والإحتقان الداخلي التي عبرت عن نفسها في المظاهرات العارمة التي انطلقت للتعاطف مع الانتفاضة الفلسطينية طيلة شهر، بالرغم من أساليب القمع الدامية التي لجأت لها قوات الطوارئ، وكانت خلالها هذه المظاهرات تنفس عن إحتقان داخلي، وجد القضية الفلسطينية شعاراً له، وهو ما عبر عنه أكثر من مسؤول بينهم محافظ القطيف، فهد السكران.

 

مشاريع الأمير عبد الله

وخلال الاعوام القليلة الماضية أطلق الامير عبد الله عدداً من المشاريع الكبيرة، التي صدر بعضها بصفته نائب رئيس مجلس الوزراء، والبعض الآخر باعتباره نائب الملك، والبعض الآخر باعتباره الملك الفعلي للبلاد، لكن وجدت هذه القرارات من يحتويها ويفرغها من محتواها، بل أن البعض الآخر من هذه القرارات إرتد بالفعل ضد المصلحة والهدف الذي قصده ولي العهد. فخطابه المعروف لرجال الدولة ورؤساء الأجهزة الحكومية بتيسير شؤون المواطنين وتحديد فترة زمنية لا تتعدى يومين لإنهاء المعاملات، هذا التوجيه (القرار) الذي علق على كل الدوائر الرسمية لم يتجاوز الحبر الذي كتب به، بينما قرار آخر للأمير نايف يمنع من خلاله إنجاز معاملة أي مواطن يدخل الدوائر الرسمية دون الزي الوطني، أو يرتدي لباساً غير لائق، أصبحت له القوة القانونية والنظامية التي تفرضه على المراجعين.

ومن القرارات المعطلة، ما سمي بالمشروع (الوطني) لتوفير أجهزة الحاسب الآلي للطلاب في المدارس الحكومية والذي اعتمد في تمويله بيع بطاقات مدفوعة تستهدف توفير نحو ملياري ريال. الأموال جمعت وأجهزة الحاسب لم تأتِ بعد! أيضاً مشروع (الملك عبد العزيز ورجاله) لتشجيع الموهوبين.. أصبح هو الآخر حلماً .. كذلك المشاريع الاقتصادية الكبيرة مثل التفاوض مع شركات الغاز العالمية للإستثمار في حقول الغاز، والتي وعد فيها الامير بضخ أكثر من مائة مليار دولار في السوق السعودية وتوفير فرص عمل لخمسة ملايين مواطن .. أين هي؟! لا الشركات جاءت ولا الوظائف وفرت! بالطبع هناك ثمة أسباب سياسية لا يمكن إغفالها.. ولكن هل يمكن إغفال أن المفاوضين الغربيين رفضوا المجازفة في الاستثمار في بلد لا يملك نظاماً قضائياً مدنياً، ولا تتيح أنظمته للأجنبي حق المقاضاة المتساوية، ولا يوجد فيه قوانين قضائية متخصصة، ومن أجل ذلك أرسلت منظمة التجارة العالمية خبراء قانونيين لفحص الانظمة القضائية السعودية لضمان توفيرها العدالة الكافية والمرونة للشركاء الأجانب وكان الوجه الممثل للدولة في هذه المفاوضات هو وزيرالداخلية والعقبة الأكبر في وجه الاصلاح القضائي.

ثم أين ذهب مشروع مجلس العائلة، الذي لم يجتمع منذ ستة شهور وكان قد أعلن حين تأسسه أنه يجتمع شهرياً.. والامير نايف ليس عضواً في هذا المجلس؟ لقد كان آخر مشروع اقتصادي أطلقه الأمير عبد الله، هو مشروع سعودة سائقي سيارة الأجرة والليموزين، والذي حدد الأمير عبد الله فرصة تطبيقة في فترة ثلاثة اشهر الى ستة كحد أعلى، لكن فريقاً برئاسة الأمير نايف توصل الى ان فترة ثلاث سنوات كحد أدنى من شأنها ان تفي بالغرض، وكان واضحاً ان ضغط لوبي الامراء والاميرات اللواتي يمتلكن مؤسسات تشغل أكثر من ثلاثين الف سائق سيارة ليموزين أجنبي قد نجح في تفريغ قرار الامير عبد الله من محتواه، وفترة الثلاث سنوات في عرف الأمير نايف كفترة العشر سنوات التي طالب بها جحا لتعليم الحمار، فخلال العشر سنوات إما يموت الحمار أو يموت جحا أو يموت مولانا السلطان.

كذلك الحال بالنسبة لمشروع إقراض السعوديين قبل عامين من أجل توفير سائقي أجرة سعوديين.. و هناك مشاريع كانت في وقتها تضع علامة تعجب كبيرة من قبيل زيارة ولي العهد التاريخية للأحياء الفقيرة في الرياض، وما توقعته وسائل الاعلام من حملة وطنية للقضاء على الفقر.. ووعود دعائية بعشرة الاف بيت للفقراء سنوياً(!!) .. وكلها مشاريع بقيت في الهواء الطلق..  يضاف لذلك مشاريع مثل تنقيح المناهج التعليمية، التي راح مستشارو الامير عبد الله يتحدثون عنها في الولايات المتحدة وأمام وسائل الاعلام الاميركية. وكذلك مشروع الامير عبد الله لضبط حركة المال عبر الجمعيات الخيرية من خلال (ملتقى الجمعيات الخيرية) الذي عقد في الرياض قبل شهرين، وروج له رجال الامير عبد الله ومستشاروه بأنه سيضع حداً للتسريب المالي الذي يصل للمنظمات المتطرفة، ويهدد العلاقة مع الامريكان .. ومشاريع اخرى مماثلة ذهبت كلها أدراج الرياح، بعضها بفعل سوء المتابعة، ولكن الكثير بفعل قوة متنفذة يهمها ان (تُصّغر) ولي العهد أمام شعبه.

في المقابل.. تتفنن جهات أخرى في تمرير قرارات (عجيبة) يطلقها ولي العهد كمشاريع (هوائية) من قبيل اعلان تحويل كلية في أبها الى جامعة ثامنة بإسم (جامعة الملك خالد) وتحويل فروع جامعات وكليات الى جامعات جديدة، ليس في المحتوي ولكن في الاسم والميزانيات والنفقات فحسب.

في لقائه بالمثقفين والمفكرين الموقعين على عريضة الاصلاح، أكّد ولي العهد مراراً أنه ليس الوحيد في هذه الحكومة، وأنه جزء، وأنه لا يملك كل الخيوط في يده، وأنه لا يستطيع أن يفعل كل شيء لوحده، وأنه جزء منهم و.. لكن .. وهو إسلوب فهم منه المجتمعون أن الأمير يتعذر بسطوة أجنحة متنفذة داخل العائلة وفي أجهزة الدولة.

حين يحرص الأمير نايف على نفي الخلاف مع أخيه ولي العهد فإنه لا يفسر لنا كيف تحولت قرارات ومبادرات ومشاريع ولي العهد الى حبر على ورق ووزارته كانت الجهة الأكثر إرتباطاً بمثل هذه القرارات.

 

لماذا لا تطبق الأنظمة؟

 

صاحب السمو الملكي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام

نسخة لكل وزارة ومصلحة حكومية وعلى كل جهة إبلاغ الجهات التابعة لها أو المرتبطة بها.

نظراً لما للوائح التنفيذية للانظمة من أهمية بالغة في قيام الجهات المختصة بشكل فوري ومباشر بتطبيق ما تقضي به الأنظمة الصادرة لتنظيم أي أمر من الأمور..،

وحيث لاحظنا أن الأنظمة تصدر وتبقى اللوائح معلقة بين اللجان، ويتأخر إصدارها، وهذا أمر غير مقبول، وتعطيل لمصالح الوطن والمواطنين..،

وحيث صدر أمرنا رقم 584/م وتاريخ 2/8/1423هـ المتضمن تكليف صاحب السمو الملكي رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء بمتابعة إصدار اللوائح التنفيذية للانظمة بشكل دقيق وفعال، والتأكد من تنفيذها..،

نرغب إليكم إعتماد ما يلي:

1) التأكيد على إنفاذ ما قضى به أمرنا رقم 584/م وتاريخ 2/8/1423هـ المشار إليه آنفاً.

2) الاستعجال في إعداد وإصدار اللوائح التنفيذية في الفترة التي يحددها النظام، والرفع لنا بصفة عاجلة عما يستوجب التأخير من هذه اللوائح.

3) تزويد ديوان رئاسة مجلس الوزراء بنسخ من اللوائح التنفيذية التي صدرت، مع توضيح الأنظمة التي لم تصدر لوائحها التنفيذية بعد، والأسباب التي دعت إلى عدم إصدارها في وقتها.

فأكملوا ما يلزم بموجبه.. وقد زودنا كافة الجهات والمصالح الحكومية بنسخة من أمرنا هذا للاعتماد.

عبدالله بن عبدالعزيز، نائب رئيس مجلس الوزراء

(نشرت الرسالة في الصحف السعودية في الثلاثاء 23/8/1423هـ ).