ينتقد ولي العهد بشكل مبطّن

الأمير نايف يدعو المعارضين للعودة ويرفض الإصلاح السياسي

  

في لقاء صحافي لوزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، أكّد فيه اختلاف وجهات النظر بين أمراء العائلة المالكة فيما يتعلق بالإصلاحات السياسية والمسار الذي يجب على المملكة السير فيه في سياستها الداخلية والخارجية. في اللقاء الذي شمل مواضيع مختلفة: المعارضة السياسية، المعتقلون السياسيون، التغييرات الوزارية المقبلة، البطالة وسوق العمل، الإعلام والحج والقضاء وغيرها، بدا وكأن وزير الداخلية هو الملك غير المتوّج للمملكة، وأنه صاحب الكلمة الفصل في القضايا المحلية، حيث بات واضحاً أن مهام وزارة الداخلية باتت تتسع لتشمل كل شؤون الحياة الداخلية، وتهمّش دور الوزراء والمسؤولين الآخرين.

هذه المقالة تسلّط الأضواء على جوانب من مواقف وزير الداخلية الذي يمثل ما يسمّى بالصقور، ودلالات تلك المواقف وآثارها المستقبلية على الأوضاع الحالية في المملكة.

 

قبل نحو أسبوع من لقاء وزير الداخلية مع عكاظ، والذي نحن بصدده، نشرت الجريدة آنفة الذكر تصريحاً قالت إنه لـ "مصدر مسؤول" شدد فيه على أن الحكومة السعودية لن تقبل بأيّ ضغوط داخلية أو خارجية من أجل الإصلاحات، وقد توجهت الأنظار مباشرة الى وزير الداخلية لأنه هو المصدر المسؤول، وأنه أراد القول بأن عريضة الإصلاحات غير مقبولة من أمراء العائلة المالكة وإن قبل بها الأمير عبد الله. وفي الحقيقة فإن الأخير تعرّض لحملة إعلامية تشهيرية قاسية من قبل الأمراء الثلاثة: سلطان ونايف وسلمان، حيث روجوا في المجالس بأن ولي العهد حديث عهد في السياسة (بمعنى أنه كان على حاشيتها ولم يمارسها مثلهم) وأنه لا يفقه فيها وأنه "سيضيّع ملك عبد العزيز" وأن الإصلاحات "المزعومة" لن يسمح له بتحقيقها "ماداموا أحياء"!

على هذه الخلفية عاد الأمير نايف وأكد أنه هو "المصدر المسؤول" وشدد على ذات المقولات المعارضة للإصلاح، وزعم أنه لا يعارض ولي العهد. تحت عنوان "لم أعارض ولي العهد" سئل نايف عن الحديث الذي كثر في "المجالس السعودية" وفي القنوات الفضائية والإنترنت عن الاصلاحات في المملكة على ضوء العريضة التي رُفعت لولي العهد "وقيل ان لسموكم موقفا معارضا من الاصلاحات وتوجهات سمو الامير عبدالله.. فهلا وضعتم الرأي العام السعودي في صورة هذه الاصلاحات"؟

نفى الامير نايف معارضته لولي العهد، وإن لم ينف معارضته للعريضة ودعوة الإصلاح السياسي. قال: "من المستحيل ان أعارض شيئاً تكلّم به سيدي ولي العهد" وشكك في الآخرين الذين فهموا مبادرته الإصلاحية العربية عبر المشاركة السياسية خطأ! وأضاف بأن البلاد ليست بحاجة الى إصلاح خاص: "أعتقد أن سيدي ولي العهد يقصد اصلاح علاقات العالم العربي بعضه ببعض وان تهتم كل دولة باصلاح أوضاعها الداخلية.. والحمد لله نحن صالحون في كثير من أمورنا ولم يتوقف الاصلاح في بلادنا وفي كل شأن وفق ثوابت الامة وثوابت القيادة"! إذن، كما يفهم من كلام الأمير، فلا حاجة الى إصلاحات، لأن كل شيء صالح والحمد لله!

وحين سئل الأمير نايف عن طبيعة الوثيقة الوطنية للإصلاح ولقاء ولي العهد بالمثقفين، قال بشكل غامض وغير مؤيد بأنه مثل الآخرين قرأ الوثيقة ولم يستشر بشأنها، وكل ما جرى لا يعدو اجتهاداً لا يلزم، ثم إنه ضدها فالظروف غير موائمة من جهة والأولوية للإلتفاف الشعبي حول القيادة وليس للإصلاحات. وأخيراً، فإن لقاء ولي العهد بالمثقفين من وجهة نظر وزير الداخلية لا تحمل ميزة من نوع ما، فهو ـ أي ولي العهد ـ قابل ويقابل كثيرين من المواطنين ويسمع آراءهم. يقول وزير الداخلية: "بالنسبة لما ذكرت أعتقد أنه نشر وقرأناه مثلما نُشر وهذا إجتهاد بلا شك ولكنني أرى أن الظروف التي يعيشها العالم وبلادنا جزء من هذا العالم أن تجتمع كلمة الأمة ويكونوا وحدة متكاملة وراء قيادتهم لتجنيب بلادنا أية مخاطر تنتج عن الوضع القائم حاليا وهذا يأتي قبل كل شيء وهو لا يخفى على عاقل ولا على انسان يرى ان بلاده قبل كل شيء.. أما بالنسبة لمقابلة ولي العهد لهؤلاء فاعتقد أن ذلك ليس غريبا فسمو سيدي ولي العهد قابل ويقابل كل إنسان ويسمع من كل إنسان وهذا طبيعة واسلوب قيادتنا في التعامل مع مواطنيها".

وسُئل وزير الداخلية عن "مزاعم!" غياب الحريات وحقوق المرأة وحرية الصحافة والاعلام في المملكة، فأجاب مستنكراً: "لكل مجتمع قراره بالنسبة لكيفية معيشته وليس من الضروري ان نشبه في بلادنا الآخرين ولا أعتقد أن أحداً يملي على هذه البلاد كيف تكون". الرسالة واضحة: سواء كان ما قاله الآخرون صحيحاً أم لا، فالمملكة سائرة في طريقها القديم، حتى وإن تعرضت لضغوط داخلية أو خارجية من أجل الإصلاحات. ووضع الأمير نايف كالعادة الإسلام مقابل الإصلاحات، فكلما يذكر الإسلام ـ في المملكة ـ فإنه يؤتى به ـ وفق التفسير الرسمي ـ كمبرر للإستبداد. يضيف الأمير نايف: "اذا كنا سنضع دولاً معينة قدوة لنا فأعتقد أنه أمر خاطئ.. نحن قادرون وفي ظل الشريعة الاسلامية أن نوجد أي تنظيم فيه صلاح للبلاد والعباد". ما هو الإصلاح الذي يقصده الأمير ضمن الشريعة الإسلامية، ولماذا لم يأت حتى الآن، رغم أن الإسلام ثورة على الطغاة والمستبدين.

أما مطالب الداخل، يقول الأمير الوزير، فإن "من قال حقا فبالتأكيد سيؤخذ به ومن قال خطأ فسيُعرّف أنه خطأ". أي نستمع للآراء بغير إلزام او التزام.

حول موضوع المعارضة، لم يكن جديداً تحقيرها من قبل وزير الداخلية، فخلال الأشهر الماضية تكررت عبارات التوهين، لكن الجديد هذه المرة هو أن الأمير عرض بصورة مبطّنة على المعارضين أن يعودوا الى المملكة ويتخلّوا عن نشاطاتهم، وأن يمارسوا معارضتهم ضمن السقف الداخلي المتوفر من (القول)، ولن يعاقبوا "إذا ما أُتبع اسلوب القول الذي قرره الإسلام" حسب تعبير وزير الداخلية! إنهم لن يعاقبوا إذا ما تراجعوا عن خطئهم! فالأمير لازال يعيش بعقلية الماضي البعيد، فالمعارضة ليست في أزمة، إنما العائلة المالكة ونظام الحكم. يقول وزير الداخلية: "بالنسبة لما يقال أنهم معارضة فلا أعتبرهم كذلك ولا أرى ان لهم اية قيمة. وهم مع هذا نعتقد انهم لم يُمنَعوا أن يأتوا الى بلدهم وإذا كان لديهم ما يودون قوله فليقولوه كما غيرهم من المواطنين. ليس هنالك أحد رجع إلى بلده وحتى لو كان مخطئاً وتراجع عن الخطأ فليس هنالك أي مانع.. طبعاً تعرف أنت ونعرف كلنا أن قيادتنا وبلادنا تقبل المواطن وترحب به أياً كان حتى لو كان على خطأ فهو يظل مواطناً".

تكشف تصريحات الأمير هذه عن ميل حاد نحو تأكيد لغة تقليدية في الحكم تعتبر من خصائص الحكم الثيوقراطي، حيث ينظر الى السلطة باعتبارها هبة إلهية وامتياز خاص لا يجوز ان ينازع أصحابها أحد، ولذلك فإن تطوير السلطة وإصلاحها إنما يأتي حصرياً من المالكين لها، وأن أولئك الداعين الى تغيير شكل السلطة أو تطويرها هم آثمون إبتداءً، فإذا تابوا تاب الحاكم عليهم، وعادوا الى معدن رحمته بآمان. ولكن هل ندرك دروس التاريخ؟