شعب مسعود حسب الطلب

 

هناك قناعة متأصّلة لدى الشارع السعودي، وإن لم يعرها أقطاب النظام أهمية حتى الآن، تقول أن الديكتاتورية والتفرّد بالرأي وعدم سماع صوت المصلحين عوامل تهدد الأوطان، وأن إنقلاب مزاج الشارع ضد نظام الحكم وعدم الإلتحام معه ودعمه أمام الأخطار التي تهدده لا يحله سوى الإصلاح السياسي الذي يعد بحق اللاحم بين السلطة والمجتمع.

هؤلاء الذين يصرخون في الصحافة من كتاب أو مسؤولين (الأمير نايف على سبيل المثال) حول أهمية وضرورة الإلتحام بين القيادة والقاعدة في هذه الظروف العصيبة، والذين يطالبون بأن يؤجّل المواطنون مطالبهم بالإصلاح بحجة تأجيل الإختلافات الى أن تنجلي الغمّة ويبتعد الخطر عن الوطن.

هؤلاء.. لا يريدون تنازلاً من الحكومة وعلى رأسها العائلة المالكة، بحيث تقترب الى شعبها وتحسّن من مسلكها، وتعيد النظر في سياساتها. بل يريدون من الشعب نفسه أن لا يطالب بحقوقه وأن يقترب هو الى العائلة المالكة وأن يبتلع موسى سياساتها على مضض، وكلّ ذلك حرصاً على الوطن! لماذا لا يحرص الأمراء على الوطن إذن؟

لماذا في هذا الوقت العصيب، يستثمر الأمراء الحرب، من اجل مزيد من النهب كما فعلوا من قبل؟ لماذا في هذا الوقت بالذات تمنع صلاة الجماعة في مدارس يتعلم فيها مواطنون لأنهم شيعة فحسب؟ لماذا في هذا الوقت يأمر وزير الدفاع بطبع كتاب التوحيد للشيخ الفوزان على نفقته (الشرق الأوسط 17/3) مع أن هذا الكتاب يكفر المواطنين ويتعرض لعقائدهم وقد سبب قبل عقد من الزمن في أزمة في كل مناطق المملكة؟ ولماذا في هذا الوقت يصادر الأمير نايف أراضٍ يمتلكها تجار من الدمام وغيرها في مدينة عنك؟ ولماذا في هذا الوقت تنتشر فتاوى ومنشورات التكفير ضد الآخر بدعم رسمي دون أن يقبل الأمراء اعتراض الناس؟

مطلوب من كل هؤلاء أن يصمتوا، ويقتربوا من الحكم، حفاظاً على الوحدة الوطنية!

من يقول أن المواطن المهان في حقوقه وفي مشاعره يمكنه أو يستطيع أن يلتحم مع العائلة المالكة؟ كيف يكون الإلتحام؟ بالتنازل والصمت والسكوت حتى يخرج الأمراء من مأزقهم ويستمروا في سيرتهم غير الطيبة وممارساتهم التي تكاد تضيع الوطن وخيراته وأهله.

أهذا هو معنى الإلتحام؟ وهل مادة الإلتحام تنازل من المواطن فحسب، وليس من الطرف الآخر القابض على السلطة والذي لا يريد أن يعدّل من سلوكه حتى في هذا الظرف؟

من المؤكد.. أن المواطن المهان في وطنه لا يدافع عن حكامه. بل قد يجد وسيلة للإنتقام بالتحالف مع كل من يرفع راية إزالة أولئك الحكام. لا تقوم وحدة وطنية ولا لحمة بين القيادة والجمهور بدون تنازل من القيادة، فهي التي تمتلك مفاتيح الحب والبغض، مفاتيح الكرامة والثروة الوطنية وإهدارهما، وهي في النهاية من سيتحمل النتائج الكارثية في أي تطور سيء للأحداث.

الشعارات والإعلام لا تفيد في صنع وحدة بين المواطن وقيادته، ما لم تكن هناك أدوات التوحد نفسها.. الشعور بالخطر المشترك، والمصلحة المشتركة، والمصير المشترك. ولا نظن أن مصير الشعب مرتبط بشكل عضوي بمصير العائلة، ولا نعتقد بأن تصرفات الأمراء يمكن أن تخلق نظرة تفيد بأن مصالح العائلة المالكة هي مصالح المواطن، ربما على العكس من ذلك: فمصالح الأمراء المادية (والسياسية أحياناً) لا تكون إلا على حساب المواطن. كما لا نعتقد أن المخاطر التي يتعرض لها الأمراء هي ذات المخاطر التي يتعرض لها المواطن بالضرورة. ويكفي أن نذكّر الأمراء ومن يعزف على أنغام وحدة القيادة والشعب، بأن هناك مشاعر شعبية متصاعدة في كل المناطق تتمنّى وقوع النظام في أزمة سياسية مع حلفائه الأميركيين لعلّ مخرجاً من الإنسدادات السياسية والإقتصادية والأمنية يحدث.

ليكن الأمراء قيادة بحقّ تراعي شؤون شعبها، لا تهرب أثناء الموجهة والحروب.. وليقنعوا المواطنين بأنهم يهتمون بهم وبالمخاطر المحدقة بهم وبوطنهم، وأنهم على استعداد للتنازل عن الأفعال التي تثير نقمتهم من نهب للثروات واستبداد بالحكم. حينها سيجد الأمراء شعباً يصطفّ معهم، وفي غير هذه الحالة لن يجدوا سوى أصوات قليلة تزعم ولاءها للنظام مادامت منتفعة منه.