بعد الاحتلال الأميركي للعراق

 هل يتعظ حكامنا؟!

 عبدالله الطائي

بعد أن ضربت الولايات المتحدة بعرض الحائط كافة الاعتراضات الدولية على الحرب، سواء تلك التي عبرت  عنها شعوب الأرض قاطبةً متمثلة في مظاهرات الخامس عشر من فبراير أو اعتراضات الدول الكبرى والصغرى، وتهميش بل وإلغاء دور مجلس الأمن؛ اجتاحت القوات الأمريكية الغازية الأراضي العراقية، ودفاعًا عن شرف العراق سطّرت قرى ومدن جنوبية صمودًا أسطوريًا غير متوقع، ولكن بغداد التي كان من المفترض(أن يموت مغول العصر على أسوارها) استسلمت بغموض ستكشف الأيام ما خلفه، وسقط الطاغية صدام ولكن الحقيقة التي بقت بعد ذلك هي أن الاحتلال الإنجلوأمريكي للعراق قد بدأ وبدأت معه الحبائل الاستعمارية تتجلى يومًا بعد الآخر.

 ما إن سقط تمثال الطاغية حتى بدأت عمليات النهب والسلب لكل البنى الأساسية متمثلة في الوزارات والدوائر الحكومية، وبدأت عمليات الحرق غير المبرر بأي شكل من الأشكال لها وبصورة متعمدة وذلك تحت سمع وبصر بل وتشجيع ودعم القوات الغازية، حيث تم فتح الأبواب وأمر العابثون بالحرق وذلك أولاً من قبل حفنة من العصابات التي جلبتها القوات الغازية معها على أبواب كل مدينة، والتي عندما حصلت أثارت هستيريا السرق والنهب عند الجميع وذلك بهدف تدميري واضح يرمي إلى أكثر من هدف، وأهم تلك الأهداف:

أ ـ إثبات أن الشعب العراقي ناقم على سلطته، وهذا صحيح ولكن الأهم أنه غير مؤهل للعملية الديمقراطية وبأنه شعب غير حضاري.

ب ـ عملية إعادة الإعمار التي تجهزت لها الشركات الأمريكية الكبرى، حيث حصلت ومنذ الآن شركة بكتل الأمريكية على عقود إعادة الإعمار والصيانة للبنى التحتية والوزارات في العراق وبملايين الدولارات والتي بالتاكيد ستواصل عملها وعقودها لاحقًا!

لقد تم تدمير ونهب المتحف العراقي والتراث العراقي أولاً على يد القوات الغازية ذاتها ثم على يد المافيا الدولية التي أوصلت القطع الأثرية إلى أوروبا خلال أيام معدودة وهذا لا يمكن أن يتم على يد الشعب العراقي المقهور والجائع والذي لا يجد ما يقوت به نفسه فما بالك بالسفر إلى باريس ولندن.

لقد ارتُكبت (جريمة العصر) وذلك بهدف: إلغاء وتدمير التراث الحضاري العريق لهذا البلد المحتل وتحويله في نظر الجميع إلى بلد لشعبٍ همجي لا يعرف قيمة لتراثه وحضارته وبالتالي فإنه لا بد أن يحكم من الخارج وبقوة (الحضارة) الأمريكية التي تفتقر إلى أي تراث أو حضارة بل هي مكونة فعلاً وأساسًا من مجرمي أوروبا المهاجرين. إضافة الى ذلك: استثمار تلك القطع الأثرية النادرة وتكوين الثروات الطائلة  لقادة الجيش الغازي وهذا دائمًا وأبدًا هدف المحتلين.

وجاءت السيطرة المفضوحة على النفط وكل ما يمت إليه بصلة. وقد تجلى ذلك منذ الوهلة الأولى لاجتياح القوات الغازية حيث كان الاهتمام الأول والأخير منصبًّا على الحفاظ على آبار النفط حتى قبل سقوط بغداد وبعد سقوطها أصبحت مصافي النفط ووزارة  النفط هي المقدس الوحيد لدى المحتلين الغزاة الذين لم يسمحوا لأي كان أن يأتي صوبه فما بالك لسرقته وحرقه أما بقية المؤسسات والبنى التحتية بل والشعب العراقي فلا ضير أن ينهب ويسرق ويحرق. وقد امتدت مسألة السيطرة على النفط إلى الحد الذي منع فيه موظفو وزارة النفط ذاتهم من دخولها ومن عودتهم إلى العمل.

المؤامرات التي تحيكها الولايات المتحدة ضد الشعب العراقي والشعوب العربية والإسلامية أوسع من أن تتحملها هذه الصفحات.. ورغم ذلك فنحن واثقون أن الشعب العراقي بقواه الحية سيجهض كل تلك المؤامرات على صخرة صموده ووعيه ورفضه للمحتل مهما حاك من مؤامرات. وما مظاهرات 18 أبريل الماضي إلا علامة بارزة على ذلك الطريق النضالي الذي دعا إلى الوحدة والتلاحم بين الشيعة والسنة ونبذ التفرقة الطائفية ورفض الاحتلال وألاعيبه.

 ما هو المطلوب عربياً وسعودياً؟

 لكن السؤال الذي يبقى مطروحًا هو: ما هو موقف الحكام العرب وخصوصًا حكامنا في السعودية مما يجري؟ فرغم البيان المهم الذي خرجت به قمة الدول المحيطة بالعراق بالإضافة إلى مصر والبحرين والذي اعتبر بكل وضوح التواجد الأمريكي في العراق احتلالاً وطالب بسرعة خروج القوات الأمريكية من العراق وبدور رئيسي للأمم المتحدة وبحق الشعب العراقي في اختيار سلطته الشرعية، إلا أن ذلك وحده لا يكفي.

فالمطلوب الآن وقبل أي شيءٍ هو تدعيم الجبهة الداخلية لبلادنا وتدعيم الوحدة الوطنية ورصّ صفوف شعبنا في مواجهة الغزاة القادمين وذلك من خلال إزالة الظلم الواقع على الطوائف والمناطق المختلفة كالطائفة الشيعية والإسماعيلية والزيدية وحتى بقية المذاهب الإسلامية السنية الأخرى غير الوهابية.

المطلوب الآن إزالة الضيم والإجحاف عن المناطق الأخرى ـ وبالذات المنطقة الجنوبية والشمالية والشرقية ـ والتي  تعاني الكثير.  المطلوب الآن إشاعة روح التسامح ومعاملة المواطنين في كافة المناطق كمواطنين لا كرعاع. المطلوب الآن إشاعة الديمقراطية وحرية التعبير وبناء مؤسسات المجتمع المدني بشكل حقيقي وفعال لا على طريقة وزارة الداخلية، وزارة القمع والإرهاب، التي تحاول خلق حتى منظمات حقوق إنسان منبثقة عنها. المطلوب الآن تشغيل 35% من اليد العاطلة عن العمل، وكل ذلك ممكن ومن خلال السلطة ذاتها هذا إذا أرادت أن تبقى وتسد كل الثغرات التي إن تنصلت من واجبها تجاهها فسيأتي ولشديد الأسف – المحتلون الأمريكيون – ليلعبوا من خلالها على تقسيم وتدمير هذا البلد ونهب ثرواته والتحكم فيه ووضع عملاء ـ لا حلفاء ـ ينفذون وبالحرف سياستهم أو تقسيم هذا الوطن وتمزيقه نتيجة ذلك الظلم الواقع على مناطقنا وطوائفنا من حكامنا.

فهل يتعظ حكامنا؟! سؤالٌ إن لم يجيبوا عليه بإيجابية فهم مجرمون بحق هذا الوطن ومشاركون مع المحتلين في كل المآسي القادمة، ولا فرق بينهم وبين طاغية العراق الذي مهد السبيل لقدوم الإمبرياليين إليه.