إنهدام شبكة التحالفات القديمة

  قرار القوات الأميركية الانتقال من السعودية الى قطر يتجاوز الاطار الاجرائي كما حاول وزير الدفاع السعودي الأمير سلطان تصويره خلال المقابلة الصحافية التي جمعته بنظيره الأميركي دونالد رامسفيلد خلال زيارته للرياض في أواخر أبريل الماضي.

القرار جاء في جو من التصريحات ذات الدلالة القوية من قبل مسئولين في وزارة الدفاع الأميركية والتي تجتمع على موضوع أن الخروج من السعودية يحمل في طياته تبدّلاً في المواقف السياسية لدى الطرفين، وتحديداً لدى الجانب الأميركي الذي يرى بأن ثمة ترتيبات إقليمية يعتزم إدارتها وستشمل البلد الذي كان يحتضن قواته قبل خروجه منها.

الولايات المتحدة لم تعد تنظر الى السعودية باعتبارها حليفاً استراتيجياً بعد أن دفعت بمراكز الثقل الاستراتيجي من الجزء السلفي من الخليج نحو الشمال الشرقي. خروجها من الاراضي السعودية سينهي تناقضاً طالما كانت المصالح الاقتصادية والاستراتيجية تبرره وتؤجل البحث عن إجابات عملية عليه. فالسعودية التي ينظر اليها في الغرب بوصفها من أكثر الدول ديكتاتورية تمثل النقيض للقيم الديمقراطية الأميركية.  وكان ذلك يمثل أحد المؤاخدات على إزدواجية المعايير لدى الادارة الاميركية الحليف الاستراتيجي للحكومة السعودية.

وفيما يبدو فإن سقوط النظام العراقي قد خلق فرصاً إستراتيجية جديدة حرر معها الادارة الاميركية من التحفظ أو الدفاع عن "إزدواجية الموقف" إزاء الحكومة السعودية. فالأخيرة ستقع بلاشك داخل المخطط "الديمقراطي" الأميركي الذي ينظر الى السعودية كأحد أبرز الأوكار الراديكالية في المنطقة والتي ستكون هدفاً لمشروع دمقرطة يقوّض تأسيسات النشاطات الراديكالية بما تحمل من تهديدات مباشرة أو محتملة الآن وفي المستقبل ضد الولايات المتحدة.

قرار الخروج من الأراضي السعودية يعني بداية نهاية التحالف الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والسعودية، فمبررات التحالف لم تعد قائمة أو لنقل ضعيفة الى حد كبير بحيث يمكن تعويضها بخيارات أخرى أشد تأثيراً وقوة. فالعامل النفطي السعودي بات الآن قابلاً للاستبدال بعامل نفطي ليس عراقي فحسب بل وكويتي وقطري وإماراتي أيضاً، كما أن القواعد العسكرية السعودية باتت غير ذات أهمية إستراتيجية مع سقوط الاتحاد السوفيتي عام 1989 ثم إسقاط حكومة طالبان وإقامة قواعد عسكرية دائمة في أفغانستان وحكومة موالية لواشنطن، وأخيراً بسقوط بغداد والسيطرة شبه التامة على مصادره الحيوية والاستراتيجية. فالتحالف الاستراتيجي الاميركي السعودي كان يتزوّد من مبرر الصراع الدولي في ظل نظام قطبي ثنائي، أما وقد إنهار أحد القطبين وتمزّقت شبكه تحالفاته الاقليمية فلم يعد هذا التحالف مبرراً وخصوصاً بين نقيضين ليس أيديولوجيين فقط بل وسياسيين، فالمملكة السعودية في كل الأحوال هي أحد أشكال الحكم الشمولي المناهض تكويناً للسيادة الشعبية وقيم التعددية الحزبية والمشاركة العامة في إختيار شكل الحكم كما هو عليه الحال في الولايات المتحدة.

 لكل ذلك لم تعد السعودية موقعاً مطلوباً في التخطيط الاستراتيجي الأميركي، بل ما هو مطلوب هو تفكيك النبى التحتية للتطرف فيها والموجّه في جزء كبير منه للمصالح الأميركية في الخارج.

ما يتوقع حصوله بعد خروج القوات الأميركية من السعودية أن تعيش الاخير أوضاعاً حذرة متقلبة وقد تؤدي في ظل خيبات أمل متواصلة في الداخل في مجال الاصلاح السياسي الشامل، وإحياء نزعات التشدد بتشجيع من وزارة الداخلية السعودية الى مزيد من التدهور في الوضع الداخلي وقد يسمح بتدخلات خارجية سواء مباشرة أو غير مباشرة.