الحكومة السعودية الجديدة:

مواجهة المستقبل بأدوات الماضي

 عبد العزيز الخميس*

 ضجت الساحة السعودية بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 بالحديث عن التغيير والتطور ومواجهة التحديات المستقبلية التي أهمها ارتفاع نبرة المطالبة الشعبية بالمشاركة السياسية، وإيقاف مسلسل النهب والتسلط المستمر على رقاب ومقدرات الشعب. وزاد من حدة هذه النبرة الالتفاتة الاميركية القوية تجاه الوضع السعودي، حيث تخلت عن سياسة غض الطرف عما يحدث في بلادنا، وبدأت اصوات قوية داخل الادارة الاميركية تصرخ ان على بلادنا ان تتغير. ورغم ان شعبنا ينظر الى هذه الاصوات الاميركية بالحذر والتوجس الا انه لم يتوقف عن الحلم بحريات مدنية، ودولة قوامها العدل لا القمع، خاصة وان ما حدث في سبتمبر 2001 كان قاسيا ليس على الاميركان وحدهم، بل وعلى الشعب السعودي الذي واجه نفسه جيدا وبدأ يتحرك مطالبا بالإصلاح؛ ذلك أن مصير البلاد لا تقرره العائلة المالكة فحسب، إذ أن نتائج تخبطات هذه الاسرة تشمل شعبنا. وسياسة الاسرة في دعمها لبذور الارهاب عاد على الشعب بنتائج قاسية، فصار الجميع ينتظر تطورات مستقبلية قد يتضرر منها جميع الاطراف القامع والمقموع.

كل هذا حدا بالأصوات الوطنية ان تتحرك وتطالب بالإصلاح والتغيير.. ووسط هذا التحرك واجهت الاسرة المالكة هذه الضغوط المحلية والخارجية بأن افرجت قليلا عن اصوات عاقلة تتحدث عن ضرورة مواجهة المستقبل. وبدأ الجميع يتحدثون عن أن بلادنا في طريقها لوضع اقدامها على طريق التطوير السياسي، وماجت الساحة بالآمال والتطلعات والأحلام الذهبية في بلاد يكون فيها للشعب الكلمة وليست لمصالح فئة قليلة تتبختر وكأنها تنوب عن الخالق على أرضه.

غرق الجميع وسط جنائن آلموت* يبحثون وسط عبق مخدر قوي عن لذة العدل وسلطة الشعب، ولكن الاسرة الحاكمة آلت على نفسها ان تفيق الشعب من حلمه وخاصة مثقفيه ونخبته التي تراءى لها ان الصراخ الشعبي والسيف الاميركي قد يقنع الاسرة على ان تتخلى عن نظرتها للحكم بأنه حق أبدي وبأن ثروات الوطن حق لها، تنثر فتاته على الشعب من شرفات قصورها العالية، وتتقاتل الأمة من اجل نيل نصيبها القليل من هذا الفتات.

لقد وجهت السلطة الحاكمة طعنة نجلاء في ظهر هذا الشعب المسكين الذي حلم كثيرا بان العالم تغير فاظهر من في يديه النهي في بلادنا لسانه لهذا الشعب قائلا: ان هذا الحلم المتمثل بالعدالة والمشاركة السياسية لا يعني شيئاً بالنسبة لها، وزادت السلطة على ذلك بان اوضحت خطتها للمستقبل والتي تتمثل في مواجهة تحدياته بأدوات قديمة.

قدم الملك وأخوته للشعب حكومة أقل ما يقال عنها انها  حكومة الأمر الواقع وما يطلق عليه شعبيا: "حكومة سم طال عمرك".

حكومة لن تقدم شيئا للشعب سوى ان كل وزير فيها سيتنازعه همان: اولهما، ان لا يغضب الحاكم. وثانيهما، ان تظهر الحكومة أمام الشعب في حلة زاهية. هذه الازداوجية عانى منها الكثير من الوزراء الذين جيئ بهم يحدوهم الأمل بالتغيير وتقديم شيئ لوطنهم، لكن ما ان تستريح اجسادهم فوق مقاعد المجلس حتى يرون انهم ليسوا سوى منفذين لرغبات الحاكم، وأنهم لا يتمكنون من رسم سياسات طويلة المدى بل ان عليهم ان يواجهوا مطالب الحكام قبل مطالب الناس. كما يغرق الوزارء في حروب غير معلنة بين اجنحة الحكم ودسائس البلاط ويصبح الوزير موزعا بين تسيير امور وزارته وما تنقله له الاذان الصديقة عن رضا هذا الامير او ذاك عنه. ولعل المحنة الحقيقية التي تواجه الوزير منهم هو حين يشب صراع اميري على مشروع حكومي.. حينها يلجأ الى الزعيم الذي دائما ما يتخلى عنه اذا كان الصراع بين اميرين من الكبار.

التغيير الوزراي الاخير ليس سوى تبديل اقنعة، فالعقول هي نفسها لم تتغير، اما الاجساد فتذهب وتأتي غيرها، فلا مكان للعقل المتطور في حكومات عديدة، ومن يريد التغيير فعليه ان يبذل جهده في التفاصيل، اما الامور الكبيرة ومواجهة المستقبل والتحديات السياسية فلا مكان لها في هذا المجلس، اذ يتم اقرارها في مجلس قيادة مختصر تغلق ابوابه على ستة امراء هم من يرسم ويقرر ويصنع القرار، وما على المجلس الكبير الذي يتهم ظلما بأنه مجلس وزراء مشارك في صناعة القرار.. إلاّ التنفيذ.

يجتمع مجلس القيادة للحزب الحاكم كل ما جد جديد، ولكل فرد منه حصة في مجلس الوزراء.. كل يأتي برجاله، ولكل منهم وزاراته.. اما مواجهة المستقبل فلا تعني مواجهة وطن لتحدياته، بل مواجهة اسرة مالكة لمطالب واستحقاقات عديدة.

كانت الآمال الشعبية تتمثل في ان يكون هناك مجلس وزراء حقيقي يبدأ في رسم ملامح التغيير والتطوير، وزراء لديهم من الشخصية والمكانة الشعبية ما تمكنهم من التأثير على القرار.. لكن صدمة التغيير المعتادة حملت معها ترسيخ مفهوم الولاء قبل الكفاءة. فقد شارك في اختيار الوزراء لجنة مصغرة من الامراء، وناب فيها عبد العزيز التويجري عن الامير عبد الله، وأضيف الى طاولتها الفريق طه خصيفان مدير المباحث العامة السابق الذي حمل معه ملفات امنية عن من يتم ترشيحهم، وبعد اختيار اسم شخص ما كانت الاعناق تلتف اليه لترى في أي فئة تصنف الشخصية المختارة، ولم يكن هم الأمراء كفاءة الشخصية بل خلو ملفها من الملاحظات الأمنية. ويعرف الشعب جيدا ان من كان ملفه خاليا من ملاحظات أمنية فلن ينوب عن الشعب في تقرير مصيره.

ولا يحسبنا أحد ما ان ولي الأمر يشعر مثلنا انه لم يغير بل انه يعتقد انه اقدم على تغييرات خطيرة لم يجرأ حاكم قبله عليها!، وفيها تنازلات خطيرة اهمها انه قد اعترف بان للثقافة اهمية في مجتمعنا، فأضافها في قاموسه الوزاري، ولأنه يشعر بحذر منها ـ أي الثقافة ـ اجبرته الظروف على الاعتراف بمسؤوليته عن هذا الشيء المسمى ثقافة، فقام بوضعها تحت سيطرة وزير الاعلام الذي اعلمنا جميعا بأنه في واد، والأحداث من حولنا في واد اخر، ولن ينتظر شعبنا من هذه الوزارة الجديدة (الاعلام والثقافة) سوى ان الثقافة ستصبح موجهة وسيكون لها حضور قوي. ولكن أي ثقافة يقصدون، يبدو انهم يسيرون على طريق حزب البعث، ويستخدمون ادواته بعد ان اندثر فرعه الشرقي، ولنتصور ماذا ستقدم لنا وزارة الثقافة الجديدة: معرضا تشكيليا للامير الفلاني حيث يجب ان تكون الصور محتشمة، ودار نشر لن تتوقف عن نشر كتيبات كيف تكره نفسك في سبعة ايام بدون معلم، واخرى عن ابداعات ولي الأمر في الشعر النبطي وغيرها من الابداعات التي ستدور في حلقة ارضاء الحاكم. وسينسى الوزير انه يخدم ثقافة أمة، وسينزوي في مكتبه الفخم وبجواره خزانته المترعة بالملايين مديرا عملياته الشرائية لضمير هذا وعقل ذاك.. اما قلوب شعبه فمتجهة الى الفضاء تستقبل ما ينهال عليها من الاقمار الصناعية بكل ترحاب غير مكترثة لغصب 1 وغصب 2 وغيرهما من ادوات اعلامية.

لقد فصل ولي الأمر التلفزيون والإذاعة عن الوزارة من الباب، لكنه اعادهما اليها من النافذة حين وضع وزيرها مسئولا عنها، وفي هذا عبقرية لا يجاريها احد، رغم ان صاحب القرار نسي ان المشكلة ليست في نوع كاميرات التلفزيون، ولا حساسية ميكرفونات الاذاعة بل هي في السوط التي تمسكه يد الوزير وتسوم به الاعلاميين عذابا. هذا الوزير الذي يسهم يوميا في قتل حرية الاعلام وحق شعبنا في الحصول على المعلومات الصادقة.. يكرم اليوم بتسليمه ثقافتنا وهو ينتشي ملوحا بسوطه في الهواء متوعدا ان تصبح ثقافتنا لا طعم لها ولا رائحة مثلما هو اعلامنا، ولن نستغرب يوما حين نجد طوابير المثقفين تنتظر على باب مدير مكتبه راجية ان يسمح لها بالتثاقف.

الاف من المواطنين السعوديين الذي يعملون في وزارة الاشغال العامة والإسكان فوجئوا وهم على مكاتبهم بإلغاء وزارتهم في مكافأة لهم على مواطنتهم، وحتى كتابة هذا المقال لا يعرفون مصيرهم. مهندسون وخبراء ومهنيون محترفون وموظفون بسطاء لا يعلمون مصيرهم، ولم تتم طمأنتهم، وكأنهم ليسوا بشرا لهم الحق في معرفة مستقبلهم المهني.

هذه الحكومة الجديدة لم يختلف فيها شيئ سوى ان التجارة عادت الى الصناعة، والكهرباء التصقت بالماء، وتقنية المعلومات اعترف بها بشكل اخر.. فبدلا من ان تكون تقنية الحصول على المعلومات، بدأ (الربع) يفكرون بان هناك معلومات اخرى غير التصنت والتجسس. اما ما يتحدث عنه البعض من أن هؤلاء الوزراء، الذين كرروا علينا بالقوة، حصلوا على ثقة متكررة التي أولاهم إياها ولي الأمر تعني الكثير، وهذا يتحول إلى حافز قوي لديهم لمزيد من الإبداع والإخلاص والتفاني.. فأنني اتفق مع هذا القول في جزئية منه، وهي انهم سيبدعون ويتفانون ويخلصون في خدمة ولي أمرهم، اما الشعب فلا ولي له ولا خدم.

حكومة جديدة مثلها مثل عيد المتنبي لم تأت بجديد سوى انها صدمت الشعب الذي علق امالا بان تتغير الحال، وان تكون هناك اصلاحات كبيرة لعل اهمها في مشاركته السياسية وفي ادارته اموره بنفسه وفي تقرير مصيره.

حكومة جديدة ليس لها من الجدة سوى صور قلقة من شخصياتها، وبقت تلك الشخصيات التي يحملها الشعب مسؤولية الاخفاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

حكومة جديدة سوف يسجل لها تاريخنا السعودي الحديث انها قابلت عصر هندسة الجينات الوراثية بمومياءات فرعونية لا تزال ترى في اوراق البردى حلولا اسرع من خلايا أنتل.

-----------

* آلموت: قلعة في ايران كان الحسن الصباح زعيم الاسماعيليين يخدر اصحابه فيها ويطلقهم في مهام انتحارية.

* المشرف العام على المركز السعودي لدراسات حقوق الإنسان.