تفجيرات الرياض
نبتة شيطانية أم حصاد؟

عبد الله الطائي

تفجيرات 12 مايو في الرياض والتي استهدفت عدة مجمعات سكنية هي بدون أدنى شك عمليات إرهابية معادية ليس فقط للغرب كما يدعي بل هي معادية وبالأساس لوطننا وشعبنا لأنها:

أولا: تشوّه صورة الإسلام ومنطق التسامح وصورة شعبنا الذي يرفض بأغلبيته العظمى الإرهاب والأعمال الإرهابية.

ثانيا: أن هذه العمليات تعطي فرصة أكبر وأوسع للتدخل الغربي في شؤوننا الداخلية لا من أجل إصلاح الأوضاع وإشاعة الديمقراطية كما يدعي ـ أي الغرب بل من أجل فرض هيمنته بالكامل على مقدرات شعبنا، وهؤلاء الإرهابيون يتطابقون تماما مع النظام البائد في العراق وعلى رأسه صدام حسين الذي قدم بفعل همجيته وعلى طبق من ذهب العراق بأكمله للولايات المتحدة والقوى الليبرالية الجديدة المحافظة والمتطرفة. إن هذا التطرف لا يقطع دابر التطرف المقابل بل على العكس تماما كلا التطرفين يدفع بالآخر ولكن تبقى الهيمنة في الأخير للأقوى والضحية هنا بالإضافة للأبرياء الذين تزهق أرواحهم في هذه العمليات هي شعبنا ووطننا حيث أن مزيداً من التدخل الأمريكي يعني مزيداً من الإرهاب والعكس صحيح. ورغم وضوح الرؤيا لكل من له بصيرة إلا أن السلطة في بلادنا وعلى رأسها وزارة الداخلية بدأت بالتهديد والوعيد وبدأت حملة اعتقالات وزادت من عمليات التفتيش في كل المناطق وأخذت اسطوانة "الضرب بيد من حديد" تعود إلى المقدمة، وهذا يعني أن رؤيتها لظاهرة الإرهاب تقتصر فقط على جانبها الأمني ناسية أو متناسية أن هذه الظاهرة هي حصاد لما فعلته ودعمته وبنته يداها طوال السنين الماضية. إنها بالتأكيد ليست نبته شيطانية خرجت من الأرض بلا إرادة من أحد ـ، إن بروز هذه الظاهرة التي هي بالأساس ليست جديدة على بلادنا، حيث حدثت أعمال تفجيرات مماثلة سبقت أحداث الحادي عشر من سبتمبر "تفجيرات العليا_الخبر...الخ" والتي كان منفذوها من السعوديين أيضاً ـ يعود إلى العديد من المسببات البنيوية لسلطة بلادنا مرتبطة بكافة جوانب الحياة.

فللتصدي لمعالجة إشكالية الإرهاب يجب النظر وبعمق:

أولا: في الحالة الاقتصادية التي تعيشها بلادنا حيث انتشار العطالة وتزايدها وانسداد الآفاق للأجيال الشابة في التعليم والتوظيف وبناء حياة كريمة، بالإضافة إلى استشراء الفساد والنهب المنظم من قبل الأمراء لمقدرات وثروات الوطن، وكل ذلك لا يمكن ـ كما كان سابقا ـ إخفاءه بل أصبح حديث الشارع والناس اليومي في الوقت الذي تصل فيه نسبة البطالة إلى 32% بحسب إحصائيات السلطة ذاتها هذا عدا النساء المحرومات أصلا من العمل وارتفاع مستوى المعيشة وثبات الرواتب لمن يعملون لأكثر من 25 عاما وانخفاضها للعاملين الجدد إلى غير  ذلك من المشاكل الاقتصادية التي يعاني منها شبابنا، هذا بالإضافة إلى عجز الموازنة الذي ستدفع ثمنه أجيال قادمة ورغم ذلك يستمر النهب والسرقة واللامبالاة تجاه كل تلك القضايا.

ثانيا: يجب النظر للحالة السياسية حيث يمثل غياب الديمقراطية وحرية التعبير وحرية التجمع والتشكل السياسي والثقافي والمهني وتشكيل برلمان منتخب يمثل الشعب ويدافع عن مصالحه وانتهاج سياسة وطنية تعمل على حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها مجتمعنا.

ثالثا: إن من يريد أن يستأصل شأفة الإرهاب عليه ألا يرتكز أساسا على القوى الدينية المتطرفة في منهجها التي تتبنى إقصاء الآخر أياً كان وإن كان مسلماً، ويبدو أن الدولة نسيت أنها هي من دعم ووجه شباب بلادنا وتحت شعار الإسلام والدفاع عنه إلى الذهاب إلى أفغانستان تنفيذا للمخططات الأمريكية الرامية إلى محاربة الشيوعية ونسيت أن هؤلاء الشباب آمنوا "بالجهاد" الذي هي دعتهم إليه و"الجهاد" ليس مربوطا بأفغانستان!!

وبالتالي على الدولة أن تكون لجميع الطوائف والمذاهب وممثلة لها لا أن ترتكز على مذهب واحد وتنفي و تنبذ الآخرين.

رابعا: تبدو الأوضاع الاجتماعية المتردّية بدءا بالعملية التعليمية السائدة والمرتكزة على تعليم المواد الدينية "الوهابية بالتحديد" بدءا من الأول الابتدائي حتى آخر المراحل الجامعية والتي تعمق التطرف و الإرهاب و الإقصاء و الإبعاد البعيدة كل البعد عن التسامح الديني والأخلاقي وقبول الرأي والرأي الآخر مع العلم أن تراثنا الديني يفيض بكل ذلك ولكن ما ينهل منه النظام التعليمي يخدم حاله واحدة فقط هي الإرهاب والتعصب الذي يرفض صورة في كتاب باعتبارها تشبها للخالق في الوقت الذي يعيش فيه شبابنا عالم اليوم، عالم الاتصالات والفضائيات التي يروج بعضها النظام ذاته والمليئة بكل أنواع الإغراء والتفسخ.

وتأتي الأوضاع الصحية المتردية لتزيد الطين بلة حيث أنه وفي بلد النفط والذي "يحسد " قاطنوه تتردى يوما بعد يوم الخدمات الصحية وتخلو صيدليات المستشفيات حتى من الأدوية الضرورية اللازمة وتفتقر معظم المستشفيات إلى الأجهزة الحديثة بحيث أصبحت تعتمد على "رجال الخير والمتبرعين" لمدّها ببعض الأجهزة والأسرة والمكيفات.   ويكمل كل ذلك وضع المرأة الفريد من نوعه في العالم حيث تنعدم أبسط الحقوق الآدمية لها كل ذلك يجري باسم الإسلام وتحت حجته في الوقت الذي يعرف الجميع ومنهم شبابنا أوضاعهم الحقيقية وأوضاع بلادنا و المتناقضة كل التناقض مع شكليات النظام الذي لا يؤمن مسؤولوه أساسا بها ولكن ليبقى النظام "إسلاميا" في نظر الآخرين وإن كانت تنخره كل ألوان الفجور والفسق والدجل. ما نريد طرحه هنا أن التركيز على الجانب الأمني للمشكلة لن يحل ظاهرة الإرهاب بل على العكس سيخلق كل يوم إرهابياً جديداً .

إن الحل الحقيقي يكمن في إجراء إصلاحات حقيقية وبنيوية تمس الاقتصاد والسياسة والمجتمع وتجعل شعبنا جميعا يشعر بالمسؤولية في التصدي للعمليات الإرهابية، فدعوة البعض إلى شعبنا أن يتصدوا مع الدولة للإرهاب تتطلب أولا شعورهم بالمواطنة وحقوقها حتى تطالبهم بواجباتها.

إن سياسة بلادنا التي تعيش الآن إشكالية الإرهاب الداخلي والولايات المتحدة، أي العكاز الخارجي الذي اعتمدت عليه السلطة منذ نشأتها تقريبا في الاعتماد على الولايات المتحدة في دعمها والحفاظ عليها والعكاز الديني الذي رعته دائما ليكون حليفها الداخلي على الضد من أغلبية شعبن، أصبحا الآن في تناقض وهما دائماً كانا كذلك في السابق ولكن الحرب الباردة والصراع مع الاتحاد السوفيتي والشيوعية جعلت من كل منهما يستخدم الآخر ولكن الحرب الباردة انتهت الآن وأصبحا أمام بعضهما في تناقضهما الصارخ الأمر الذي لم تفكر فيه سلطة بلادنا. إن سلطة الاستبداد تنسى دائمًا أن هناك خياراً ثالثاً غير هذا وذاك غير الإرهاب وأمريكا هو خيار الاعتماد على شعبنا الذي هو بالتأكيد على استعداد لمواجهة التطرف والإرهاب داخليا والدفاع عن مصالح بلادنا أمام أي قوى خارجية هدفها الهيمنة على مقدراتنا ونهب ثروات بلادنا وذلك يأتي فقط عبر إصلاحات حقيقية لا مناص منها فهل تفعل؟