حين يكون الموت خياراً رابحاً

الحرمان والحل الديني

 الثقافة الدينية التقليدية في بلادنا تمتلك قنوات ولغة استثمار نشطة لكثير من الاحباطات التي يعيشها الافراد، فضحايا الدولة يحملون أكفانهم إستعداداً للانخراط في مشاريع تضحوية ينهون فيها حساباً عسيراً مع الواقع البائس الذي يعيشونه. فالشعور باليأس الذي ينتجه تردي الوضع الاقتصادي والمعيشي والاجتماعي يخضع للاستغلال من جانب الجماعات الدينية المتشددة التي تتعامل مع هذه المشاعر بطريقة تؤدي الى إفراغها بطريقة راديكالية من خلال توثيق الصلة مع العالم الأخروي والتعويض المنتظر للملتصقين به ممثلاً في جنات النعيم والحور العين والقصور الموعودة وهي بلا شك تغري جيل المحبطين في الدنيا من أجل الانخراط في مسار الخلاص من بؤس العيش وتعاسة الحياة التي يعيشون فيها.

فانسداد الأفق الدنيوي تفتحه الجماعات الدينية عن طريق خطاب أخروي شديد الاغراء وتبني ايديولوجية الموت بوصفها الخلاص المريح والباعث على الاطمئنان لخاتمة محمودة وردت فيها نصوص مقدسة دينية في الكتاب والسنة. فالانتقال بين العوالم يحقق غايات دينية ودنيوية، فأهل الدين يحققون فيه رضا الرب بإعداد كتائب الموت من أجل مقاتلة العاصين من عباد الله أو المنحرفين عن جادته، فيما يحقق أهل الدنيا، الحكام، الاطمئنان الى أن أخطاءهم السياسية قابلة للغفران والصفح دنيوياًً حين ينثال المحرومون في الدنيا للانضمام الى طوابير الموت وتتشرب الأفئدة بعقيدة الشهادة، حيث يبدأ خطاب أخروي يغمر قلوب المحرومين وينسيهم إرتباكات السياسة والسياسيين.

لقد تقاسم الحاكم والشيخ مهمة التعامل الضال مع الضحايا، فاذا فشل الأول في تأمين حق الحياة لضحاياه إنبرى الثاني كيما يقنعهم بجدوى وجدارة الموت. هذا التواطىء غير المعلن بين الحاكم والشيخ يتعزز كلما ضاقت سبل العيش وحار الحاكم في الاجابة عن أسئلة الضحايا المنتظمين في طوابير الصباح أمام مكاتب العمل ينشدون فرصة العمر غير القابلة للتعويض فضلاً عن التكرار.

أمام تبدد الخيارات تصبح لغة الوعظ التيئيسية مرتعاً خصباً لذاكرة منهكة فقدت لم تعد تملك سوى التسليم بخيار مريح يمتلىء بكل المحرّضات على نسف الجسد في معركة حاسمة. فحين يفقد أهل الدنيا الجدارة في الاستجابة لنداءات المحبطين يتولى الواعظ المؤدلج مهمة سرد رواية النحر والتي تبدأ بالتزهيد في الدنيا ثم ترتقي للتحذير من الركون الى الظلمة والظالمين باعتباره موجباً لمسيس النار خاتماً رسالته بدعوة لبذل المهج في طريق الحق الذي حرم منه في الدنيا.