أخلاقية المواجهة

 تواصلت خلال الشهر الماضي حوادث العنف في جنوب المملكة ووسطها وشمالها ولاتزال الأجهزة الأمنية في حالة استنفار دائم تحسّباً لردود فعل وانتقام من قبل جماعات العنف السلفي أو من يوصفون بأنهم أتباع القاعدة أو أتباع (السلفية الجهادية).

المفاجأة التي حدثت هي أن أحد المتهمين وهو علي بن عبد الرحمن الفقعسي الغامدي قد سلّم نفسه لأجهزة الأمن عبر أحد رجالات الدين السلفيين من الجنوب، وهو سفر الحوالي. وهذه الطريقة (التسليم لأجهزة الأمن) هي الطريقة المثلى التي تأمل الحكومة أن تقنع دعاة العنف باتباعها، وذلك توفيراً للدماء، وخشية من أن تؤدي المواجهات القادمة الى تعزيز دورة العنف والفعل ورد الفعل.

لكن ما أثاره موضوع التسليم شيء مخيف. فمحاصرة العنف ومواجهته دفعت بأجهزة الأمن الى اعتقال عوائل المطلوبين: زوجاتهم وآبائهم وإخوانهم وأبناء عمومتهم. ومثل هذا الفعل وإن اعتبر وسيلة ضغط على المطلوبين، فإنها وسيلة لا أخلاقية من جهة، ولا يعضدها شرع سماوي ولا أرضي، وفيه مخالفة لأبسط حقوق الإنسان التي يحاول المواطنون تشكيل لجنة باسمها للدفاع عن انفسهم امام تغول اجهزة الأمن.

إن مواجهة العنف ومصادره أمرٌ.. أما التجاوزات التي لم تعرفها المملكة إلا في السنوات الأخيرة ضد عوائل المطلوبين على خلفية سياسية باعتقالهم واستخدامهم وسائل ضغط فلا يمكن القبول بها، فضلاً عن أن آثارها لن تكون في المدى الإستراتيجي لصالح تعزيز الأمن والإستقرار.

لتكن المواجهة شريفة وأخلاقية، وإن حرفها عن وجهتها يشرعن المزيد من العنف ضد السلطة وأجهزتها، كما أنه قد يستفزّ آخرين أو المطلوبين أنفسهم ـ كما هدد أحدهم عبر الإنترنت ـ بالموت دون أهليهم وأعراضهم. المواجهة التي تستخدم فيها أجهزة الأمن كل وسائلها المشروعة وغير المشروعة لا يمكن ان تكون مقبولة، وهي خارجة عن إطار القانون والشرع. لقد اعتقل عدد من أبناء عمومة الفقعسي، وكذلك عمّه وزوجته، وإذا كان مثل هذا الضغط قد نجح هذه المرة، فإنه قد يأتي بنتائج عكسية بالنسبة لآخرين، لهذا يجب إطلاق سراح الأبرياء، وأن لا يستخدموا كدروع بشرية في المواجهة بين أجهزة الأمن ودعاة العنف.