الجذور السياسية للأزمة الطائفية في المملكة

 حوار المذاهب ليس بديلاً عن الحوار الوطني

 

 مرتضى السيد

 

اللقاء ذي الصبغة الدينية الذي حمل إسم (الحوار الوطني) والذي عقد في مكتبة الملك عبد العزيز بالرياض بدعوة وإشراف من الأمير عبد الله بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي، يعتبر لقاءً ذا أهمية، كونه يشكّل سابقة لم تحدث من قبل في تاريخ المملكة. ذلك أن ممثلين عن المذاهب الإسلامية اجتمعوا من مختلف مناطق المملكة ولأول مرة لمناقشة هموم وطنية وتحديات تواجهها الدولة.

 اللقاء في حدّ ذاته خطوة مهمّة، وإن كان إسم (الحوار الوطني) أوسع بكثير مما جرى، بحيث لا ينطبق عليه بالشكل الحرفي، ولكنه خطوة مهمة في طريق تحقيق الحوار الوطني الشامل الذي دعت إليه وثيقة الرؤية وقدّمت لولي العهد السعودي قبل بضعة أشهر، والذي يستهدف منه خلق إجماع حول الثوابت الوطنية، وتأكيد أهمية الإصلاح السياسي وتوضيح معالمه وكيفية الشروع فيه.

ورغم أن الحوار الوطني (الأساس) لم يتم حتى الآن، فإن ما جرى من لقاء بين المشايخ والمثقفين الإسلاميين الذي يمثلون مذاهب وتيارات في الساحة الإسلامية السعودية أمرٌ بالغ الأهمية. كما قلنا فإنه كان اللقاء الأول، ومثل هذا اللقاء كان يجب أن يحدث منذ زمن، وعدم حدوثه اعتبر مظهراً لجوهر الأزمة الطائفية والسياسية التي تعيشها المملكة منذ تأسيسها.

 صراع طائفي مفتوح

 بلا شك، فإن الخلاف الطائفي ليس جديداً في التاريخ الإسلامي، ويكاد يكون موجوداً في كل قطر عربي وإسلامي، ولكن الطائفية المذهبية ـ السياسية في المملكة تختلف عن غيرها فهي طائفية متميّزة عمّا هو موجود في بعض البلدان العربية والإسلامية التي تثار فيها هذه المسألة. هي هنا في المملكة أكثر تعقيداً وأشدّ حدّة وأعظم خطراً.. ويمكننا ملاحظة بعض جوانب الإختلاف مع غيرها من خلال استعراض النقاط التالية:

أولاً ـ من حيث الخطر، فإن الطائفية في المملكة تجعل من المستحيل تحقيق وحدة إجتماعية ينصهر فيها مجمل السكان الذين تضمهم. إن الوحدة في المملكة وحدة إكراهية، لم تصل بعد بالمجتمع الى حالة من الإندماج، وخلق الهوية الوطنية الواحدة القائمة على الشعور الموحد. لذا فإن وجود الطرح الطائفي القوي، لا يعيق تحقق تلك الوحدة المنشودة.. وحدة الشعور والهدف والمصير فحسب، بل يجعله مستحيلاً، بعكس دول أخرى تعاني من مشاكل طائفية ولكن وحدتها غير مهددة، لأنها دول قديمة (بمعنى تاريخية) تجانس شعبها وانصهر، ومهما قيل عن الإنقسام الطائفي فيها، فإن من الصعب تقسيمها على أساس ذلك. ولذا فإن المملكة أكثر تعرضاً للشرخ من غيرها لهذا السبب ولأسباب أخرى تأتي لاحقاً.

ثانياً ـ إن حدّة الطائفية في المملكة أكبر بكثير مما هي عليه في البلدان الأخرى. هناك الطائفية تأتي مغلّفة بألف رداء ورداء، لأن ليس من مصلحة الطبقة الحاكمة (أقليّة كانت أو أكثرية) إثارة الموضوع خاصة في حال كونها أقلية تحكم أكثرية (البحرين وعراق صدام مثلاً). في حين أن الطائفية في المملكة ليست سياسية فحسب، بل هي طائفية متعددة الجوانب، إنها سلسلة من الأغلال تكبل المواطن، وتجعل من حياته جحيماً لا يطاق، يتعلق بها معاش الإنسان وكرامته وحريته.

في المملكة.. لا يكفي أن توالي النظام، ولا يكفي أن تستسلم للطغيان السياسي والأمني والإعلامي. بل أن لا حقوق مدنية لك ما دمت مختلفاً في المذهب، بل أنك لستَ مسلماً ولستَ مواطناً بالمرة، عند البعض. أما عند الطائفي المعتدل!!، فإنك مواطن من الدرجة الثالثة أو الرابعة حسب القرب والبعد.

الطائفية في المملكة لا تسعى الى تفضيل جماعة على اخرى، بناءاً على التفضيل المذهبي، بحيث تنال مجموعة من السكان الحظ الأوفر من الخيرات وتسعى الى التمويه على الطرف المذهبي الأضعف في السلطة ليقتنع بالفتات الذي بين يديه. كلا.. ليس هذا فحسب ما تريده. بل هي تريد سحق الطرف المذهبي الآخر وحرمانه حتى من حق التنفس (حق الحياة). وهي لهذا طائفية متطرفة الى أبعد الحدود.

ثالثاً ـ عدم وجود أية حوار بين القيادات الدينية والمذهبية. لأن المنتصر قام في البداية بتصفية القيادات السياسية في المناطق والأمارات التي احتلها بالقتل أو بالتهجير، ورفض أن يسمح للقيادات الدينية بحرية الحركة أو يعترف بها، وهو دائب المضايقة لها. بل وقد أفتى الطائفيون بكفر القيادات الدينية الأخرى التي لم تمثل يوماً في المؤسسة الدينية حتى السنيّة منها (نموذج ذلك السيد محمد علوي المالكي).. ولهذا فإن قادة المذهب السلفي يرفضون مجرد اللقاء مع القيادات الدينية غير السلفية في المملكة، لأن اللقاء: اعتراف من وجهة نظرهم، فضلاً عن أن يقبلوا بنقاش الأمور وحلحلة المشاكل وتصفية الخواطر.

مثل هذا لم يحدث في أي بلد متطيّف آخر..

في البحرين وجدنا قيادات سنية وشيعية تتعاون على الدوام.

وفي بلد مثل لبنان الذي نخرته حرب طائفية، لم يلغ أحد الآخر، ولم يرفض أحد الإجتماع مع الآخر، وفي غالب الأمور تتصدر القيادات الدينية وتتصدى في الآن نفسه للشأن السياسي وغيره.

والأمر كذلك في العراق كما نلاحظه هذه الأيام، وفي إيران نفسها.

ومن البديهي أن عدم وجود حوار يفاقم من الأزمة الطائفية، خاصة وأن معظم القيادات الدينية السلفية تعلّم أتباعها على التنابذ وتغرس فيهم الأحقاد. إن لديهم تعليمات وفتاوى واضحة ومعلنة بأن لا يصادقوا ولا يتعاونوا ولا يزاملوا ولا يتحدثوا ولا يسلموا على المختلف معهم في المذهب!. إن وجود حوار بين القيادات الدينية في المملكة، يعتبر في سلّم الأولويات إذا ما أُريد للشعب بكل فئاته أن يتلاحم وفق أسس أوسع، ومعطيات أوضح من المسائل الطائفية. ومن هنا نتفهم أهميّة الخطوة التي دعا اليها ولي العهد، وإن بدت في ظاهرها وكأنها ضئيلة أو عديمة القيمة.

رابعاً ـ إن المملكة، ومن بين كل الدول التي تعاني من أزمات طائفية، قامت على أساس دعوة مذهبية، وتغليب فكر معين على أفكار أخرى. لذا كان من الطبيعي أن يكون لرجال المذهب فيها كلمة ذات أثر كبير، ولأن هؤلاء يقدمون المذهبية على المواطنة، ولأن الأجهزة الحكومية تنفذ فتاواهم، فقد اتخذت السياسة الطائفية طابعاً رسمياً.

في البلدان الأخرى، الطائفية يقودها سياسيون، والخلافات الطائفية على الصعيد الفكري والعقائدي يناقشها الأتباع والمشايخ على الأرض ـ وضمن حدود لعبة محسوبة ـ بحيث لا يتحول صراع الصغار الى قوانين رسمية ومكتوبة في أدق التفاصيل والأمور. حسب السياسيين أن تكون دفة الحكم بهذا الإتجاه المذهبي أو ذاك.

في المملكة يختلف الحال، فالسياسيون لم يضعوا حدوداً للعبة الطائفية، فكان أن دخلت في كل حقل. وكان التمييع مقصوداً لأسباب آنية سياسية محلية وإقليمية، نظن أنها اليوم أدت الى غير المقصود. لأن عدم ضبط اللعبة بمحددات، لم يترك محرمات لأحد، فبالنسبة لمشايخ السلفية، تصل الحدود بالمتطرفين منهم الى الدعوة العلنية بالقتل للمختلف مثل الشيعة. وبالنسبة لعدد من الشيعة ـ يقلّون ويكثرون حسب أجواء الصراع! ـ فإنهم يعتقدون بأن النظام الطائفي يجب أن يهدّ من أساسه على رؤوس أصحابه، ولأن الضابط غير موجود لأنه مشغول بممارسة تفاصيل اللعبة الطائفية بنفسه ويشرعها علناً، لهذا لم يبق احترام لا للنظام ولا للحكومة، بل أن هناك من لا يحترم كيان المملكة من أساسه، باعتباره مخلوقا مذهبيا، لم يرد أصحابه أن يخرجوه من إطاره الطائفي، أو يخففوا من مدلولاته ومؤثراته الطائفية!

خامساً ـ كان الوهابيون الأوائل يرون العالم فريقين: فريق المسلمين الصادقين الذي يمثلونه، والآخر فريق الكفار وهو غيرهم، ويشمل كل المسلمين بمخلتف طوائفهم ومذاهبهم وتوجهاتهم. يبدو الآن ان العقلية تطورت وتغيرت!، فهي ترى الحرب في العالم بين فريقين أيضاً، أهل السنة والجماعة، ويعتبرون أنفسهم ممثلين لهذا التيار وناطقين بإسمه، أي أنهم يمثلون كل المسلمين السنّة، حتى وإن لم يعترفوا بإسلام الكثير منهم، والفريق الآخر كفار، ويشمل كل فرق الشيعة، وكل فرق الصوفية والأباضية وغيرهم، ويضاف الى هذا الفريق حسب رأيهم وفي بعض الأحيان لأغراض دعائية أو حقيقية لا نعلم: الأميركان واليهود والشيوعيين والبهائيين.

ولأن السلفية في المملكة ترى أنها تخوض صراعاً كونياً بالنيابة عن كل المسلمين الصادقين، ولأنها ترى أن مذهبها أُممي، لم تتح له الظروف الدولية كما لم يتح له رجال الحكم الذين خضعوا لتلك الظروف الفرصة للتوسع والسيطرة.. لهذا هم يرون اليوم أن لديهم رسالة على مستوى العالم، يجب أن يبلغوها، والمال متوفر، وقد توافق هذا الى حد ما مع سياسة النظام الخارجية، حيث أن وجود الحرمين فرض عليه تبني خطاب ورسالة دينية.

وقد عملت المملكة طيلة عقد الستينات وحتى بداية السبعينات على نشر رسالة الإسلام في كل أنحاء العالم، وقد وفقت في ذلك أيما توفيق، وكان دعاة الإسلام في مجملهم من الإسلاميين المعتدلين من مختلف بلدان العالم العربي والإسلامي، وكانت مساهمة أتباع المذهب الرسمي في هذا المجال محدودة. غير أن هذه الرسالة الإسلامية، تحولت الى رسالة طائفية صارخة بعيد سقوط الشاه، وتحولت المؤسسات الإسلامية التي لعبت دوراً مهماً في نشر الإسلام ومكافحة التنصير الى التبشير الطائفي، وإعلان الحرب على الشيعة، نكاية بالنظام في إيران. وإذا ما رأينا الفتن الطائفية في أكثر من بلد إسلامي وعربي بل وأوروبي وفي اميركا واستراليا، أي بين الجاليات الإسلامية، والتي لم تعرف إلا في الثمانينات الميلادية، فإن المدقق سيكتشف أن الطائفية القادمة من المملكة وراء ذلك.

إن المسؤولين هم أكثر من روج للفتن في هذا المجال، في حين لا يعتقد الطائفيون السلفيون ذلك فتنة، بل يرونه عملاً من صميم العمل الإسلامي! فالصراع العقائدي ـ المذهبي ـ هو أرقى أنواع الصراع وأهمها على الأطلاق من وجهة نظرهم. ولهذا السبب أصبحوا أداة بيد السياسيين الذين لا يهمهم أمر المذهب إلا بقدر ما يدر عليهم من ربح أو مصلحة.

لهذه الأسباب وغيرها.. فإن الطائفية خطيرة للغاية في المملكة أكثر من خطرها في البلدان الأخرى..

ـ هي في المملكة تهدد الكيان من أساسه بالتفتيت، وهو كيان وليد سهل تفتيته إذا لم توجد أواصر الوحدة الحقيقية غير القوة والعنف.

ـ ولأنها أشد بشاعة من غيرها، ولم تضبط ضمن حدود، بحيث يمكن للسلفيين أنفسهم أن يبقوا سادة مع تخفيف غلوائهم.

ـ ولأنها لم تعد تحمل اليوم فائدة للحاكم أو رجل الدين السلفي، بل هي تسير تماماً في عكس الإتجاه الذي يتوقعانه. إنها طائفية لا تنذر المضطهَد بل والمضطهِد أيضاً بأنه سيكون خاسراً في النهاية، وإن بدا له أن اتجاه الريح يفيده.

ـ ولأن الطائفية في المملكة مدعومة بالمال للتوسع والإنتشار. إنها طائفية تؤمن بالتصدير ولا تؤثر على السعوديين فحسب، بل وعلى جميع المسلمين أنى وأينما وجدوا.

 أهمية الحوار

 يمكن تلخيص أهمية ما جرى من حوار في النقاط التالية:

1 ـ إن أهم عناصر الإنشقاق في المشكلة، مذهبي طائفي، وإن لقاء القيادات من شأنه أن يعيد بعض الثقة للنسيج الإجتماعي شديد التمزّق، وبالتالي يفتح باب الأمل، لتخفيف شدّة الإستقطاب المذهبي الذي يمكن أن يهدد بناء الدولة بالتقسيم والتفتيت. كما أنه يوصل رسالة الى الخارج (الأميركي بوجه محدد) بأن الفرقاء في المملكة متفقون على الأقل بشأن بقاء الوحدة السياسية.

2 ـ إن لقاء المشايخ والمثقفين الإسلاميين قد يعطي إشارة الى أن اللعبة الطائفية يجب أن تضبط ضمن حدود وأطر لا تخرج عنها. هذا ما نتمناه، وهذا ما يجب على السلطة وعلى القيادات الدينية أن تتوصل إليه. فالإختلاف المذهبي إن لم توضع له ضوابط فإنه قادر على التمدد ليصل الى العنف والى التمزق السياسي في النهاية وتدخل الأجانب. ومن هنا تأتي أهميّة حصر الخلاف ضمن حدوده الفكرية والنظرية، بحيث لا يتحول الى سياسة تجريها الدولة وأجهزتها كما هو حاصل الآن فتصبح طرفاً في المعركة ضد المواطنين. ضبط حدود الخلاف ضمن الوعاء الوطني مع احتفاظ كل طرف بخصوصياته ومواقفه الدينية ضرورة حتى تتم السيطرة عليه وحتى لا يصل التنازع الى اقتتال داخلي، صار بحكم ما نراه محتملاً.

3 ـ وزيادة على ذلك فإن أهم مؤشر يقدمه المتحاورون، أنه اعترف (بوجود التعدد) في المملكة، وإن لم يعترف السلفيون (بشرعية التعدد) وهي خطوة تالية نتمنّى وقوعها. فالمملكة بقيت منذ تأسيسها أسيرة الواحدية المذهبية التي لم تكن تعكس حقيقة التعدد المذهبي في المملكة. ومن جميل ما حدث في المؤتمر أن دُعيت له كل الأطراف: الإسماعيليون، والصوفيون، والشيعة الجعفرية. وكان ينبغي أن يشارك أتباع المذاهب السنيّة الأخرى سواء من المنطقة الشرقية أو من الحجاز وأن تحضر رموزهم فيه. ولكن يبدو ان الحسابات ذهبت باتجاه آخر، بحيث اعتبر الحجازيون عموماً ممثلين للخط السنّي غير السلفي، أي أنهم يمثل بقية المذاهب السنيّة. الآن وكما يظهر في معظم كتابات الصحافيين السعوديين وبين كتاب الإنترنت، هناك إقرار بوجود التعدد المذهبي، وهذا الإعتراف بالوجود الذي لم يستطع السلفيون إلغاءه بدعم من الدولة ـ طبعاً ـ طيلة العقود الماضية، هو عودة الى الخط الصحيح. إذ لا طائل من التصدّع الداخلي ـ خاصة إذا لم يخدم أهداف الحكومة ـ وإذا كان كل فريق يصر على التمسك بهويته وآرائه وعقائده الدينية. المؤتمر اعترف بأن المملكة ليست نسيجاً واحداً من الناحية المذهبية، سواء اعتبر الشيعة والإسماعيليون والصوفية وغيرهم هراطقة وكفاراً أو مسلمون! وهذا الإعتراف تترتب عليه في النهاية مسؤوليات وطنيّة ينبغي الوصول الى إجماع بشأنها فيما بعد.

الآن.. لا يجب أن ننظر الى التعدد الفكري والمذهبي في المملكة وكأنه أمرٌ معيب، بل المعيب حقاً هو الإصرار على شيء ليس واقعاً، والإقرار بالواقع أولى خطوات الحل والتسالم الإجتماعي. إنما المعيب أن نقسر مجتمعنا على فكر واحد وتوجه سياسي واحد، فالواحدية هي التي خنقتنا، وهي التي أوصلتنا الى ما نحن فيه من تدهور في كل الأوضاع السياسية والإقتصادية والإجتماعية والأمنية.

 لماذا الحوار الآن؟

 باختصار يمكن القول، أنه مهما كانت دوافع الحوار سياسياً أو دينياً، فهو خطوة في الإتجاه الصحيح.

أما الدوافع فنظنّ أنها تتمحور حول:

أولاً ـ الدوافع السياسية، وتشمل فيما تشمل شعور المسؤولين في المملكة بأن الخلاف الداخلي على أسس مذهبية قد استنفذ أغراضه. أكثر من هذا، فإنهم يشعرون بأن استمرار هذا الخلاف الذي ساهموا ونفخوا فيه لأغراض معروفة قد تعدّى حدوده في ظرف سياسي يجعله قابلاً لأن يستثمر من قبل الجهات الأجنبية في تمزيق وحدة المملكة. ثنائية الخلاف في المملكة ليست بين السنة والشيعة بقدر ما هي بين السلفيين وبقية المذاهب الإسلامية الأخرى، ولهذا كان حضورها مهماً في المؤتمر. ولهذا أيضاً فإن المملكة ليست مهددة بنتائج التنافر الشديد بين الشيعة والسلفيين ـ وهو تنافر لا نظن أن له مثيلاً في أي بلد من العالم الإسلامي ـ بل إن التنافر المذهبي السلفي مع معتقد أهل الحجاز قد يؤدي الى ذات النتيجة. تمزيق البلاد السياسي وعودة الكيانات البائدة الى الحياة مرة أخرى. أيضاً يمكن القول، بأن المملكة التي تواجه بضغوط خارجية، لا شك أن قيادتها استشعرت أن التمزق الداخلي خاصة في إطاره المذهبي سيكون مانعاً حقيقياً وواقعياً أمام المواطنين لكي يساندوا رجال الحكم في محنتهم التي يعيشونها. وفي المجمل فإن المسؤولين في المملكة يريدون تخفيف غلواء المذهبية إما تكتيكاً أو استراتيجية ريثما يتفرغوا للملفات الأخرى. نحن نتمنى حلاً استراتيجياً تساهم فيه الدولة، أما التكتيك، فإنه ينبئ عن سوء نيّة، وتلاعب بالقوى الإجتماعية، وهو حل مؤقت يخدم أغراض الحاكم ولا يلتفت الى أغراض المحكومين.

ثانياً ـ الدوافع الدينية/ المذهبية. لقد أدّى تسييس بعض أطراف التوجه السلفي الى فهم أكثر لما يسمى بفقه الواقع. فالصراع العقائدي المفتوح منذ تأسيس المملكة، سبب شرخاً يصعب لحمه في سنوات قلائل، وقد وجد المسيّسون ـ فيما يبدو ـ أن لا نهاية لمثل هذا النوع من الصراع. كما أن الحلول الإستئصالية غير متاحة في هذا الزمان، كما كان يريد بعض المتطرفين (القتل أو النفي أو منع التكاثر كما تقول مذكرة ناصر العمر!!). الإستمرار في الضغط على المختلف مذهبياً يمكن أن يستمر، لكن ما لا يمكن أن يستمر هو طبيعة ردّ الفعل لدى المضطهدين. ففي السابق، كانت الأمور تجري حسب رغبة المتطرفين السياسيين والدينيين، دونما ردّ فعل من الضحايا. أما اليوم، فإن الظروف اختلفت، ليس فقط الظروف السياسية الإقليمية والدولية وحتى الداخلية، بل ظروف الجماعات المضطهدة نفسها. فقد تقبل بواقع القوة زمناً ما ثم تتمرد عليه. هذه طبيعة الأشياء، وهذا ما حدث بالفعل. ولأن (القوة) كما يقول علماء السياسة أمرٌ لا يمكن تحديده، بمعنى أنها غير ساكنة لدى جهة واحدة، بل أنها تدور، وأنها تصنّع، وأنها تتراكم أحياناً، ولكنها لا تبقى ثابتة (وفي هذا المجال هناك مصاديق لهذا القول من الأحاديث والآثار كما الوقائع) لذا فإن (القوة) لم تعد اليوم حكراً على جهة، حتى مع تدخل الدولة نفسها. والأطراف المقابلة ليست عاجزة عن توليد قوة مضادة، بالتنظيم والإئتلاف والتحالف، والتجمع، وبالإعلام والسياسة والمال وكلها متوفرة بنسبٍ ما، إذا ما تمّ تنظيمها يمكن أن تطلق قوة مضادّة غير قابلة للكسر.

نقول هذا، ونحن في معرض تحليل للذهنية التي نتمنى أن تكون تغيرت لدى بعض السلفيين المعتدلين ـ بالمقياس السعودي طبعاً! ـ. فإذا كان الحجازيون يصرون على مذاهبهم، وسنّة وشيعة الشرقية يصرون على رؤاهم ومعتقداتهم، وكذلك في الجنوب (الإسماعيليون والزيود والشوافع) وغيرهم.. فإن فرص الفرض والدمج والتذويب القسري قد مضى زمنها ولا يمكن لعاقل اليوم أن يعتقد بها في ظل المتغيرات الكثيرة. ولنا أن نخمّن، أن بعض قيادات السلفيين قد تكون استوعبت هذه المسألة، كما استوعبت الظرف السياسي الطارئ الذي تواجهه الدولة والتي سيؤدي تمزيقها الى نهاية للمذهب الرسمي، كما أن إضعافها في هذا الظرف سيقود بلا شك الى إضعاف للمؤسسة الرسمية السلفية. زد على ذلك، قد يكون من باب التكتيك تخفيف وطأة الصدامية المذهبية حتى لا تعطى أجهزة الأمن والعائلة المالكة مبررات إضافية لإضعاف التيار السلفي، وهنا ربما يكون من باب التكتيك على الأقل (كما أوضح ذلك محسن العواجي) الإنحناء أمام العاصفة، التي لن يستفيد منها أحدٌ، لا نظام الحكم ولا المذاهب ولا المواطنون أنفسهم.

لقد حدث ـ فيما يبدو ـ عند بعض أطياف التيار السلفي، إعادة نظر في قائمة الأعداء، وأولويات المواجهة.. وهذا ما تشير إليه الأدبيات الجديدة التي تقول بأن المواجهة ليست ضد المختلف في المذهب، على الأقل في الداخل، وإنما مع العدو الأكبر (والمقصود الصهاينة والأميركيين).. أي أننا أمام تأجيل في المعارك وتغيير في الأولويات. وقد حدث هذا فيما يبدو مع بعض أقطاب التيار السلفي. وقد جاءت التحولات السياسية الأخيرة في المملكة وفي المنطقة لتعجّل بالتواصل عبر مؤتمر الحوار المشار إليه آنفاً.

 تصورات لتخفيف الأزمة الطائفية

 حل المسألة الطائفية يبدأ بإيقاف إطلاق النار! المعتدي يوقف اعتداءه، والمعتدى عليه يضبط رد فعله ويبدي تسامحه.. ولكن المسألة أصبحت أعقد من ذلك بكثير، ويمكن وضع بعض النقاط التي لو تحققت فإنها ستعتبر فتحاً جديداً في علاقة الحكومة مع مواطنيها بشكل عام، ومع مواطنيها المختلفين مذهبياً بشكل خاص، من هذه الملاحظات التالي:

أولاً ـ يجب وضع حدود وثوابت وطنية لا يمكن تجاوزها، بحيث تكون مرجعاً في موضوع    

الصراع، وقد أعلن الملك فهد في النظام الأساسي (المادة 12) أن (تعزيز الوحدة الوطنية واجب، وتمنع الدولة كل ما يؤدي للفرقة والفتنة والإنقسام). هذه المادة يجب أن تكون الإطار لكل الخلافات بحيث لا تتجاوزها، وكل عملٍ يؤدي الى خرق هذه القاعدة يفترض أن يحاسب عليه مرتكبه. لكي يتحقق هذا الأمر، فإن الدستور بحاجة الى شرح والى تفصيل، فهو بوضعه الحالي يكاد يفقد قيمته من الأساس، كما أن التعميم لا يفيد، لأنه يمكن تجاوزه حتى من قبل السلطات الرسمية وأمراء العائلة المالكة أنفسهم، ولذا لا بد من وضع خطوط تفصيلية ومواد واضحة تمنع رسمياً العمل بسياسة التمييز الطائفي وتعاقب عليها. إن أي عمل يؤدي الى تمزيق وحدة البلاد بالتمييز بين سكانها سواء على صعيد مناطقي أو مذهبي أو قبلي أو غيره يجب أن يحارب بصورة رسمية واضحة، ويجب أن تكون هناك قوانين لا تحتمل التفسيرات، وهو ما أشارت إليه وثيقة الرؤية الإصلاحية.

على صعيد آخر، فإن المطلوب في المحاسبة أيضاً أن لا تحمل حرية التعبير الديني لدى طرف من الأطراف تحاملاً على الطرف الآخر وعلى معتقداته، ففي مثل هذه الحالة يجب توقيف من يقوم بذلك التجاوز عند حدّه، فما عاد مقبولاً ونحن بهذه الحال، نستخدم الحق الديني في الإعتداء على حقوق الآخرين الدينية، أو إهانة كرامتهم، أو الإعتداء على رموزهم، من أي مذهب انتمى هذا الشخص، وأياً كان مستواه ومركزه الإجتماعي. نعم.. يمكن لأي شخص أن يؤمن بما شاء، أما أن يمزق المواطنين بالجهر عبر الملأ، فهذا خطّ أحمر لا يجب التساهل فيه.

ثانياً ـ من جهة أخرى، يتطلّب حلّ الأزمة الطائفية، أن ينأى رجال الحكم ـ الذين هم في الأساس سياسيون لا يهمهم كثيراً الممارسات المذهبية ـ عن المستنقع الطائفي، وأن لا ينخرطوا فيه أو يشجعوا عليه، أو يعتمدونه كملمح من ملامح السياسة العامة للبلاد، أو يتيحوا للطائفيين استخدام أجهزة الدولة في الحرب الداخلية بين المواطنين، مثلما هو حاصل الآن حيث أصبح التعليم طائفياً صريحاً، وكذا الإعلام، وسياسات التوظيف، والقضاء وغيرها. إن أبواب الطائفية التي فتحت منذ أن تأسست المملكة بشكل رسمي يفترض أن تغلق رسمياً كما فُتحت، لأن الخطر الأكبر الذي يهدّد البلاد، هو أن تتحول الماكنة الحاضنة للوحدة، ونقصد به جهاز السلطة، الى جهاز فئوي ليس في مجال الإنتفاع فحسب، وإنما في مجال الإضرار بالمواطنين. إن الأجهزة الرسمية هي رمز لوحدة السلطة ووحدة المجتمع ووحدة البلاد، ومن الجريمة بمكان تحويلها الى جهاز فئوي لأن ذلك أوضح إشارة الى نهاية الدولة نفسها.

ثالثاً ـ كما حُقن الشارع بأدواء الطائفية لعقود طويلة، حتى وصلت البلاد الى هذا المستنقع التي هي فيه، فإن آثار الطائفية والمناطقية لن تزول بين ليلة وضحاها. المواطنون بحاجة الى ثقافة جديدة، والى قواسم ثقافية مشتركة، والى مناخ صحّي، والى ثقة تبنى.. وكما تهدمت كل هذه الأمور بتخطيط وتنظيم متقنين للأسف من قبل السلطة ودعاة تطيّفها، فإن هؤلاء اليوم يتحملون مسؤولية أكثر من غيرهم لبناء ما تهدم، ولإحياء ما اندثر، ولإشاعة مناخ من الإحترام والحب والود، بدل الجفاء والقطيعة.

إننا أمام فرصة تاريخية لإحداث إنعطافة في علاقة أفراد المجتمع، فالمناخ ـ ونحن نشهد الإرهاب ونتائج التطرف واضحة ـ يمنح المسؤولين وقادة الفكر والرأي والنشطين سياسياً، يمنحهم فرصة للعمل الإصلاحي في هذا الإتجاه. المواطنون في المملكة بحاجة الى هامش من الحرية للحوار والتحدث الى بعضهم البعض، والمملكة بحاجة الى إلغاء احتكار الدولة للنشاط الثقافي والإعلامي، اي الى انفراج في حرية التعبير، دون تجريم أو تكفير للمخالف في الرأي، ودون رقابة مسيّسة بإسم الدين تسلط على الآخرين، وتمنح فئة من المواطنين نفسها أحقيّة الحديث بإسم الله ورسوله وكتابه، أو تعتبر نفسها صاحبة الحق المطلق، وغيرها يتيه في الغي والضلال. لا يمكن أن تتولد ثقافة منفتحة في جو يخيم عليه الإرهاب واحتكار النطق بإسم الدين، وبدون متسع من الحرية يتيح الجدال والنقاش وتوضيح المختلف من الآراء. إن إشاعة جو ثقافي حر، سيتيح لكثير من الأفكار التحررية أن تظهر، ولكثير من المثقفين على مختلف توجهاتهم أن يبينوا رأيهم دون خوف، محطمين بذلك الثقافة الأحادية والإقصائية التي تفرض على الجميع، وهي ثقافة متعصبة موتورة. يجب أن يتربى الشعب من جديد على ثقافة الإعتدال والتسامح وعلى احترام الرأي الآخر، مثلما تمت تربيته أجيالاً وراء أجيال على ثقافة البعد الواحد، والتطرّف، والإنغلاق.

رابعاًً ـ لقد دخل بعض رجال المذهب الرسمي السياسة من بابها الخطأ، من الباب الطائفي، ومع هذا فإن تسييس المؤسسة الدينية الرسمية التي ظهر منها كما من أتباعها دعوات الحرب الطائفية، سيساهم بشكل أساسي في النهوض الفكري في منطقة نجد، وسيؤدي التسييس الى بروز الكثير من الأفكار المتنورة والمفكرين والمثقفين الإسلاميين. والمؤسسة نفسها بحاجة الى أن تتواصل مع النتاج الثقافي الهائل الذي يصدر في البلدان المجاورة، وأن تتواصل مع الأطروحات الجديدة التي تصدر من رجال الفكر الإسلامي في العديد من البلدان العربية، وهذا في حد ذاته سيوسع أُفق المشايخ، وسيتعلمون أن القضايا ليست بذلك التبسيط الذي يطرحونه، وإذا ما تمّ هذا، وهو سائر كما يبدو وإن كان يحتاج الى زمن، فسيكونوا أكثر دقّة في إصدار الأحكام، وأكثر وعياً بفقه الواقع، ومؤديات الفتوى، التي عادة ما يجري التساهل فيها، كتساهل أحدهم الذي أفتى بقتل الشيعة، أو ذاك الذي طالب بالقضاء عليهم تحت مسمى (وضع حد لتكاثرهم) أو الثالث الذي طالب بطرد الصوفية والإسماعيلية.

وفي الحقيقة فإن المؤسسات الدينية عامة في العالم الإسلامي بشقيه الشيعي والسني تعاني من مشاكل الإنغلاق واعتبار أن ما لديها يكفيها، ولا تشعر بالحاجة الى الإنفتاح والتعرف على نتاجات الفكر الحديث، وهذا من أسباب تخلّف الإمة الإسلامية بشكل عام. لكن بين مختلف مناطق المملكة، كانت نجد، الأكثر انغلاقا بحكم تكوينها الفكري وموقعها الجغرافي الذي جعل الصحراء تحدّها من كل جانب، ومع أن المملكة فُتحت أبوابها على العالم خلال العقود الماضية بشكل قلّ نظيره، وقد تيسّرت سبل السفر والترحال، كما تيسّرت وسائل اقتناء الكتب وأدوات المعرفة، إلا أن استفادة المؤسسة الدينية من ذلك كان قليلاً. قليل من المشايخ سافروا الى الخارج، فاطلعوا على معالم الدول التي زاروها وحضاراتها وتاريخها ونتاجها، وشخصياتها الدينية والأدبية، وأغلب المشايخ هم من القدامى الذين شبّوا على نمط معيّن من الحياة، وطريقة معينة من التفكير، وفيهم من يعتقد بحرمة السفر للخارج حتى لبلدان عربية وإسلامية، وهذا لا ينطبق فحسب على هؤلاء بل على أفراد عديدين يعملون في السلك الديني. قد تكون الحكومة مسؤولة عن انغلاق هؤلاء، رغم ان جيل الشباب قد يكون أكثر تفتحاً من جوانب، وأكثر طائفية من جوانب أخرى!، ولكنهم في المجمل أقدر على فهم الأوضاع والتعاطي السليم مع القضايا. لهذا يفترض تشجيع المؤسسة الدينية في البلاد على التلاقي مع نظيراتها في البلدان الأخرى، فهذا يخرج رجالها من قوقعتهم، ويجنبهم الفتوى بدون بصيرة، وهو أمرٌ آذى الحكومة وآذى المؤسسة الدينية الرسمية نفسها في الداخل والخارج.

خامساًً ـ تشجيع الحوار الداخلي بين رجال الدين من مختلف المذاهب، هناك من سيرفض أصل اللقاء، وقد لاحظنا غياب رجال المؤسسة الدينية الرسميين، إضافة الى بعض المتشنّجين (الحوالي والعلوان والعمر) عن الحوار الأخير، ولكن لا بدّ أن يتوصل الجميع الى قناعة بأن المواطنين لا غنى لهم عن التعايش مهما طال أمد الحرب، ومهما كان رفض رجال المؤسسة الرسمية فيجب تحمّل رفضهم، والمحاولة المرّة تلو الأخرى، لأن هذا النوع من الحوار يترتب عليه مصير ملايين من المواطنين، وسواء تم الحوار واللقاء بوساطة من الدولة أو من شخصيات دينية محلية، أو بمساعدة من مثقفين إسلاميين، أو بمبادرة من علماء المذاهب في منطقة ما، فإن هذا الأمر ضروري لإشاعة جو من الإسترخاء بعد التوتر المتواصل. ليس المطلوب من المشايخ السلفيين أن يعيدوا وجهة نظرهم في مواضيع التكفير فحسب، بل المطلوب أن يدركوا بأن مصلحتهم مرتبطة مع مصلحة المضطهدين، وأن إدراكهم للمصلحة العامة سيقربهم ويقرب النظام من بداية تبدأ معها الحلول، ولكن متى ستكون هذه البداية؟ هذا هو السؤال!

 وماذا بعد؟

 في الوقت الذي نقول فيه أن الحوار المذهبي كان مهماً وخطوة في طريق الحوار الوطني فإننا يجب أن نلتفت الى الآتي:

1 ـ إن المشكلة الطائفية في المملكة وفي غيرها من الدول ذات جذر سياسي عريض، وقد رأينا ما تفعله السياسة في تأجيج الصراع أو خفض حدّته أو حتى تغيير وجهته. لذا فإن من العقم النقاش الإيديولوجي، لأنه العنصر الممزّق والعنصر المختلف بشأنه كما أنه العنصر الثابت في الهوية الثقافية لكل جماعة مذهبية. بل يجب أن يكون البحث دائماً حول نقاط (الإتفاق) السياسي والمصلحي لشعب المملكة بكافة فئاته. ومن حسن الحظ، أن مواضيع النقاش التي اقترحت في المؤتمر كانت ذات أبعاد سياسية واضحة، بعضها كان يعبّر عن حاجة سياسية شعبية (دور رجال الدين في تعزيز الوحدة الوطنية على سبيل المثال)، والآخر يعبّر عن حاجة حكومية (كمفهوم الجهاد والدعوة في الخارج وما أشبه).

2 ـ إن هذا المؤتمر لا يمكن أن يكون بديلاً عن حوار وطني سياسي شامل تشارك فيه كل قوى المجتمع بقبائله ورجال دينه وأحزابه غير المعلنة وفعالياته الوطنية ومثقفيه وسياسييه. لأن المشكلة التي تواجه البلاد سياسية بالدرجة الأولى، فيجب أن تتوجه صوب الإصلاح السياسي النشاطات، فهو أهم مفاتيح الأزمة الحالية المنذرة بالتصاعد. وبالرغم من مضي أشهر عديدة على تقديم وثيقة الرؤية، إلا أن شيئاً مما طالب به الموقعون عليها لم يتم حتى الآن. فهل كان ما جرى تمهيد لذلك؟ أم أنه بديل له؟ إن كان الأمر بديلاً، فأن أزمات البلاد أوسع بكثير من أن تكون مذهبية، والمذهب ليس الجذر الوحيد للمشاكل، وحلّه يستغرق سنوات طويلة من اجل التحكم فيه وضبطه. أي أن هذا الحلّ لا يمكن أن يكون بديلاً ولن يحلّ أزمة.

3 ـ إن القوى المثقفة في البلاد، بمن فيهم من شارك في الحوار المذهبي، مدعوون للقيام بمبادرة جديدة، تدفع بالمطالب الشعبية الى مرحلة متقدمة وبإسلوب ضاغط. ذلك أن الأمراء لن يغيروا سياساتهم ويؤسسوا لمرحلة انتخابات لمجرد وعود، أو بعريضة لا تعقبها أعمال سياسية ضاغطة. حتى الآن لا يوجد شيء يوحي بتغيير جاد في السياسة الملكية. وحتى الآن لا توحي الظروف السياسية المحلية عن مسعى إصلاحي جنيني حتى في المجال الإقتصادي والإجتماعي. وعليه، فإن القوى الوطنية جمعاء مطالبة بأن تتحرّك خطوة الى الأمام، لأنّ التوقّف عن الفعل يكتب نهاية لوثيقة الرؤية (الهدف) ويفتح الباب واسعاً أمام خيارات العنف والتقسيم.