في الأوراق الـ 28 السرية في تقرير الكونجرس الأمريكي

مأزق جديد للعائلة السعودية الحاكمة

 ناجي حسن عبد الرزاق

 

أجرى الكونجرس الأمريكي تحقيقاً موسّعاً ساهمت في إعداده لجنة مخابرات مشتركة من مجلسي النواب والشيوخ وصدر على شكل تقرير في الرابع والعشرين من يوليو الماضي، وتضمن 900 صفحة تتحدث عن الهجمات الإرهابية التي وقعت في الحادي عشر من سبتمبر 2001 وعن الجهات المسؤولة عنها والمموّلة لها. إلا أن 28 صفحة ظلت سرية عن الإعلام لأنها، كما يصرح المسئولون الأمريكيون، تمس الأمن القومي الأمريكي وتمس مجريات التحقيقات حول الإرهاب ومصادر تمويله. بينما لم تطمئن الحكومة السعودية على ما يبدو من الصمت الأمريكي حيال ما تضمنته هذه الصفحات الـ 28. وقد انعكس هذا على ردود فعل العائلة السعودية الحاكمة عبر سفيرها بندر بن سلطان في واشنطن: (... أن تلك الـ28 صفحة الخالية يتم استخدامها من قبل البعض للاساءة والافتراء على بلادنا وشعبنا)(1) وتبع ذلك تصريح والده الأمير سلطان: (نحن واثقون من أنفسنا والجو واسع مادامت الامور كلاماً في كلام أما اذا تعدى الوضع الكلام فسيكون لنا رأي في وقتها)(2)، ثم جاءت زيارة الأمير سعود الفيصل للولايات المتحدة الأمريكية بهدف الطلب من الحكومة الأمريكية رسمياً للكشف عمّا احتوته تلك الصفحات، إلا أن تصريح الفيصل الصحفي عبّر عن خيبة أمله إزاء هذا التقرير.

من الواضح أن العائلة السعودية تتخوف الأهداف غير المعلنة للولايات المتحدة والتي ربما تبيتها لها،  إذ ربما تطال هذه الأهداف أمراء سعوديين، كالأمير سلطان وزير الدفاع والأمير نايف وزير الداخلية. ولو عدنا

للوراء قليلاً حيث التصريحات النارية التي صرّح بها السفير الأمريكي في الرياض الذي قال:( قررنا ان نعين الامير عبد الله ملكا، وقررنا ان نعين وليا للعهد..إن ولي العهد لن يكون من الجيل الاول، وإنما من الجيل الثاني من الاسرة. فيكفي الجيل الاول ان يكون من بينهم ملك)(3). وهذا يعني، حرمان الأمراء العجزة (كالأمير سلطان، ونايف، وسلمان) من أن يكون أي منهم ملكاً بعد الأمير عبد الله. وربما هذا التصريح هو ما دفع الأمير سلطان، بعد صدور هذا التقرير، إلى التلويح بأنه سيكون للعائلة المالكة السعودية رأي آخر لو أتضح أن الأمريكيين ينوون فعلاً القيام بشيء يمس برتوكولات تنصيب الملك وولاية العهد في السعودية.

يبدو أن الأمراء السعوديين يعيشون الآن فترة مأزومة لاسيّما أنهم معزولون عن دعم شعب شبه الجزيرة، ومتروكون يصارعون مصيرهم أمام التوجهات الأمريكية الجديدة. وهذا يذكرنا بعزلة نظام الحكم العراقي قبيل الإطاحة به. فهل هذا الاتجاه الأمريكي الجديد هو بداية لعزل الحكم السعودي عن بقية انصاره المحليين والعرب والعالميين؟

ليس هذا الافتراض بمستحيل ولكنه في نفس الوقت ليس أمراً حتمي الحدوث. ومع ذلك، ثمة حقيقة من الأولى للعائلة الحاكمة السعودية أن تدركها جيداً وهي أنها معزولة عن الشعب. لقد جعل الأمراء السعوديون من أنفسهم كياناً معزولاً عن شعب شبه الجزيرة الذي صار على استعداد للتخلي عنهم في محنتهم مع الثور الأمريكي. فهم غير مبالين بالمطالب الإصلاحية التي تنادي بها القوى الوطنية والشعبية في البلاد. ومع كل ما تمر به العربية السعودية من مآزق سياسية، إلا أن أمراءها يصرون على عدم التحرك نحو الاصلاحات الحقيقية.

هل من طريقة للخروج من المأزق؟ إن الاصرار على رفض إجراء تغييرات إصلاحية جوهرية في البلاد هو عامل كفيل بترك هذه العائلة ومصيرها مع الأمريكيين. بالطبع، لا يعني هذا بالضرورة تخلي الولايات المتحدة عن الأمراء السعوديين، وإنما قد تستخدم الأوراق الـ 28 السرية في التقرير كأوراق ضغط لإجبار الأمراء السعوديين من الصف الأول على التخلي عن رغباتهم في المُلك. فعليهم أن يتنازلوا عن أن يكون أيّ منهم ملكاً ويتفرغوا لحياتهم الخاصة. بل على الأمراء السعوديين اللاحقين قبول الأجندة الأمريكية في الإرهاب والسلام الشرق أوسطي. عليهم أن يقبلوا بالإصلاحات التي تراها الولايات المتحدة مناسبة لمصالحها الاستراتيجية الجديدة. بطبيعة الحال ستكون هذه الأجندة صعبة القبول بسبب صعوبة تطبيقها على أرض الواقع في شبه الجزيرة العربية. إلا أن الاتهامات الأمريكية الإعلامية للعربية السعودية وتحديداً العائلة الحاكمة بتمويل الإرهابيين سيجعل أمراء هذه العائلة بدون استثناء يواجهون مأزقاً عصيباً لاسيّما بعد إخفاء الحكومة الأمريكية لـ 28 صفحة تسرب بأنها تتهم العربية السعودية بهذا التمويل. يعلم الأمريكيون بأن هؤلاء الأمراء لا ناصر لهم داخلياً أو شعبياً. فهم في هذا الحالة يماثلون عزلة نظام صدام حسين داخلياً. كما أن الآخرين لن يغامروا كثيراً بمصالحهم الاستراتيجة مع الولايات المتحدة لصالح حفنة من الأمراء الذين قد تكون فترات حكمهم مهزوزة ومضطربة. لذلك، فعلى الأغلب سوف يستجيب الأمراء إلى ما تتضمنه الأجندة الأمريكية في نهاية الأمر تلافياً لنتائج سلبية تتعلق بوجودهم كعائلة حاكمة.

يبدو أن عقارب الساعة السعودية بدأت تتوقف استعداداً للعد التنازلي، فمن المناسب أن تدرك القوى الوطنية في بلادنا أن الوقوف إلى جانب العائلة الحاكمة السعودية هو خطأ استراتيجي إذا ما أصرت على عدم الإصلاح الفعلي. بل على هذه القوى أن تتوثب عبر حركة سياسية نشطة وعلنية للمطالبة بإصلاحات سياسية وغير سياسية في البلاد وبصرف النظر عمّا يقوله الأمراء السعوديون. من المهم أن يدرك الأمريكيون وجود قوى سياسية فاعلة ولا يجوز تجاوزها، فربما تكون الأوراق الـ 28 السرية بداية لتحول محتمل في طبيعة التغيرات داخل العربية السعودية.

 ـــ

 (1) جريدة الشرق الأوسط – 26/7/2003م

(2) جريدة الرياض ـ 28/7/2003م 

(3) جريدة القدس العربي – 9/7/2003م