الأمير عبد الله يتبنّى مركزاً للحوار الوطني

نوايا طيّبة ونهايات غير سعيدة

 

حين دعا الأمير عبد الله ولي العهد الى مؤتمر للحوار الفكري، ناقشت (شؤون سعودية) جوانبه المتعددة، وعددت بعض فضائله والنوايا الطيّبة التي تقف خلفه، ونتائجه الحسنة التي انعكست بالفعل على الشارع السعودي، وخفّفت من وطأة الحمّى الطائفية. كما أبانت النقاشات التي كتبت في مقالات متعددة الدوافع السياسية التي كانت وراء مؤتمر الحوار الفكري، والنواقص التي سطرتها بعض منتديات الإنترنت باستفاضة، وطرحت المخاوف التي ربما أفزعت بعض دعاة الإصلاح، والتي كان من بينها: أن يكون مؤتمر الحوار الفكري بديلاً لمؤتمر الحوار الوطني التي دعت إليه (وثيقة الرؤية) أو أن تتمّ معالجة موضوعة الإصلاح من زاويتها الطائفية المذهبية الضيّقة وهي مستنقع قادر على تأجيل الإصلاحات السياسية الى أمدٍ غير بعيد. لكن تلك المخاوف، بدا وكأنها كانت تميل الى المبالغة، في مسألة التشكيك في نوايا ولي العهد نفسه، إذ ثبتَ بما لا يدعو للشك بأن الجناح القابض على معظم مفاصل السلطة، يقف ضدّ الإصلاح السياسي، ويتهم ولي العهد بأنه يريد إضاعة ملك آل سعود. الأشهر القليلة الماضية كشفت عن اتجاهين ورؤيتين مختلفتين إن لم يكن متناقضتين بشأن إدارة الدولة وإصلاح مؤسساتها السياسية والإقتصادية، وبقدر ما توضّح هذا لدعاة الإصلاح، فإنه كان مكشوفاً لدى الغربيين، خاصة أولئك الفاعلين في الإدارة الأميركية، الذين روّجوا مؤخراً لدعوات الضغط من أجل إقالة وزير الداخلية، وكذلك ما أعلنه السفير الأميركي في ديوانيات سعودية، بأن الإدارة الأميركية (قررت!) أن يكون ولي العهد القادم من الجيل الثالث؛ وهذا يعني إنهاء الدور السياسي للثلاثي السديري: سلمان، وسلطان، ونايف.

أمامنا الآن دعوة جديدة لولي العهد تتعلّق بإنشاء مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، أعلنها بنفسه للشعب السعودي، في سابقة غير مألوفة وعبر رسالة وجهها للشعب السعودي مساء الثالث من أغسطس، مذكراً بمؤتمر الحوار الفكري السابق ونتائجه الطيّبة، ومستجيباً لدعوة علنيّة وجهت له عبر الصحافة المحليّة لتأسيس مركز للحوار الوطني.

وبغض النظر عن القراءة السريعة للدعوة، فإن الأسئلة التي طُرحت من قبل ستلاحقها كما تلاحق المركز المزمع إنشاؤه. فالأمير عبد الله يريد إيصال رسالة متكررة للشعب السعودي وللمعنيين بالأمر في واشنطن وعواصم الغرب، بأنه يقف وراء دعوة الإصلاح، وأنه يسعى جاهداً لتحقيقه، وإن الخطوات التي يتخذها ـ مهما عُدّت صغيرة في الطريق الطويل ـ هي ما يستطيع فعله في الوقت الحالي، إزاء الإعتراض الشرس من الجناح الآخر المنافس على السلطة، والمعترض أصلاً على القيام بأي خطوات إصلاحية ذات معنى.

ونحن هنا بصدد تحليل الدعوة، بعيداً عن حسن النوايا، نتساءل إبتداءً: هل الحوار بحاجة الى مؤسسات حكومية ترعاه؟ الأمير عبد الله يرى ضرورة ذلك من خلال رسالته التلفازية وذلك لضبط مساره دون أن يحيد عن أهدافه. ولكن هل مجتمع المملكة بحاجة الى من يضبط إيقاعات حوار نخبه المثقفة والمتعلمة ويحدد أجندة نقاشه ويرسم الخطوط الحمراء لمواضيعه ومقترحاته؟ هناك في كل بلاد العالم مراكز دراسات وحوار، وهي تدخل ضمن مؤسسات المجتمع المدني، ولا دخل للحكومات فيها، وإن كان بعضها يتلقى دعماً من الحكومات.. فلماذا يراد للحوار الوطني في المملكة أن يبدأ وربما ينتهي (حكومياً) فيقيّد بقيود السلطة، ويخرج بنتائج تريدها، ويناقش المواضيع التي تطلبها، وإذا ما انتهت أغراض السلطة منها نسيتها أو حرفت توجهها، أو أهملتها كليّة؟

من جهة أخرى، فإن ولي العهد في رسالته التلفازية، لم يوضّح ما إذا كان مركز الحوار الوطني، معني بالشأن السياسي أي بعلاقة السلطة بالمجتمع، أم أنه سينشغل بالخلافات المذهبية والفكرية بين شرائح المجتمع؟ لقد كانت دعوة الحوار الوطني في وثيقة (الرؤية) تستهدف حواراً بين القوى السياسية الفاعلة في المجتمع من جهة، وبين السلطة السياسية القائمة لتصحيح العلاقة بين الطرفين، والإتفاق على عقد إجتماعي جديد، وتوضيح رأي الشعب في كيفية التغيير المطلوب ووضع أجندته بعد أن ثُبت بالفعل أن السلطة القائمة غير قادرة على تلبية الطموحات الشعبية، كما أنها غير قادرة على مواجهة الأزمات الخارجية والتحديات التي تواجهها الدولة، فضلاً عن فشلها الذريع في تهيئة الحياة الكريمة للمواطنين.

لا شكّ أن هناك شروخات إجتماعية على أسس طائفية ومناطقية وقبلية، ولكن حلّ هذا الشروخ لن يكون كافياً في أن تتخذ السلطة دور الراعي للحوار الداخلي وتنصيب نفسها أبوياً لفضّ النزاع والخلاف الداخلي، طالما أن السلطة نفسها لاعب أساسي في شرعنة التمييزالطائفي والمناطقي عبر التعميمات والقرارات وممارسة ذلك عملياً في أعلى مؤسسات الدولة كما في أدناها. ونحسب أن ولي العهد لامس وتراً حسّاساً لدى المواطنين السعوديين عندما أكّد في خطابه على (المساواة) بين المواطنين، وعلى مكافحة الغلو والتطرف الديني الذي يسوق الدولة والمجتمع الى التمييز البغيض. بيد أن هناك مشاكل أخرى، ليست بين أطياف المجتمع التي تحتاج فيها الدولة أن تتخذ دور المحايد والراعي لتقريب وجهات النظر وتخفيف التأزم الإجتماعي، ونقصد بذلك تلك المشاكل التي تدخل في صميم العلاقة السياسية بين الشعب والعائلة المالكة كقيادة سياسية.

مرّة أخرى نقول بأن مؤتمر الحوار الفكري الذي عقد بإشراف ولي العهد، يرجى منه الخير إن هو تواصل، وقامت الحكومة بإجراءات حازمة لمكافحة التمييز بين المواطنين على الأرض؛ ولكن ما تحتاجه المملكة فعلاً هو فتح البوابة السياسية، بحيث يهتم مركز الحوار الوطني الجديد بمسألة الإًصلاحات السياسية، ودعوة النخب الفاعلة في المجتمع لمناقشة خطواته العمليّة، وإلاّ تحوّل موضوع الحوار الذي طُرح أصلاً للخروج بحلول سياسية لمشاكل المجتمع والدولة، الى مجرد ملهاة لا فائدة منها.

لا نريد أن ينشغل المركز بالحوار المذهبي ولا بمناقشة أهمية الحوار! ولا بأسلوبه وكيفيته وضوابطه الشرعية! بل البدء في الحوار السياسي المباشر وبحضور صانعي القرار أنفسهم، ليسمعوا ما يجب أن يقوموا به من إصلاحات، ثم ليتحدثوا عن جوانبها المتعددة، وكيفية الوصول اليها، والمدة الزمنية التي تستغرقها، والإجراءات الفورية اللازم البدء بها. وهذا يفترض أن المركز الموعود جاء للحوار الوطني فعلاً وليس للحوار الفكري والمذهبي، كما يفترض أنه معني بمسيرة الدولة السياسية وأن مواضيع النقاش لا حدود لها، بل أكثر من هذا، يجب أن تكون النيّة الحاضرة لدى المسؤولين ولدى دعاة الإصلاح، بأن المركز إنما هو خطوة للبدء العملي بالتغيير المطلوب.

ما يمكن قراءته حتى الآن من رسالة ولي العهد التلفازية، أن مركز الحوار الوطني، ليس وطنياً سياسياً، بل مذهبياً فكرياً، وأن غرضه الوحيد هو مكافحة التطرّف والغلو، الذي شجعته السلطة من قبل ثم ارتدّ عليها فأصابها بشرره. فهناك فائدة حاضرة وعاجلة من المؤتمر للسلطات السياسية والأمنيّة من مركز الحوار، وهو كبح جماح العنف، وحرف الجمهور عن الإصلاحات السياسية. هذا ما فهمناه من الرسالة ونتمنى أن نكون مخطئين!

 

نص خطاب ولي العهد

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي أمرنا في محكم كتابه بالتعاون على البر والتقوى والصلاة والسلام على نبيه الذي أوصانا بالنصح لكل مسلم وبعد..

أيها الاخوة..

لقد شهدنا في الفترة الاخيرة تطورا هاما تمثل في انعقاد اللقاء الوطني للحوار الفكري هذا اللقاء الذي ضم نخبة صالحة ان شاء الله من أبناء الوطن العزيز من مختلف المشارب والتوجهات اجتمعوا في ظل المحبة الاسلامية وتناقشوا في رحاب الاخوة الوطنية وانتهوا الى توصيات بناءة تعزز التمسك بالعقيدة السمحة وتؤكد الوحدة الوطنية فلهم من جميع أبناء الوطن الشكر والتقدير.

ولقد رأى هؤلاء الاخوة الكرام أن يستمر الحوار ويتسع نطاقه ليدخل فيه المزيد من المتحاورين وليبحث فيه المزيد من القضايا بهدف أن يتطور الحوار حتى يكون أسلوبا بناء من أساليب الحياة في المملكة العربية السعودية.

ويسعدني أن أتحدث اليكم لاعلن عن موافقة أخي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز يحفظه الله على قيام مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني ليكون وسيلة عملية لتحقيق الهدف المذكور. وسوف يكون مقره في مدينة الرياض ويجري العمل الآن على تجهيز المقر وسوف يستعين المركز بمرافق وخدمات مكتبة الملك عبدالعزيز العامة لتسهيل أعماله.

ولا يراودني أدنى شك أن انشاء المركز وتواصل الحوار تحت رعايته سوف يكون باذن الله انجازا تاريخيا يسهم في ايجاد قناة للتعبير المسؤول سيكون لها أثر فعال في محاربة التعصب والغلو والتطرف ويوجد مناخا نقيا تنطلق منه المواقف الحكيمة والاراء المستنيرة التي ترفض الارهاب والفكر الارهابي.

أيها الاخوة..

اننا في هذا الوطن الحبيب لم نحقق ما حققناه من أمن وأمان ورخاء ورفاه الا بفضل العقيدة الاسلامية ثم بفضل تمسكنا بوحدة هذا الوطن وايماننا بالمساواة بين أبنائه وان أي حوار مثمر لا بد أن ينطلق من هاتين الركيزتين ويعمل على تقوية التمسك بهما فلا حياة لنا الا بالاسلام ولا عزة لنا الا بوحدة الوطن ولن نقبل من أحد كائنا من كان أن يمس مبادئ العقيدة كما أننا نرفض أن يسعى أحد كائنا من كان للعبث بالوحدة الوطنية.

ان آداب الحوار يجب أن تنطلق من منهج السلف الصالح الذي يعتنقه شعب المملكة.. وقد كان السلف الصالح عليهم رضوان الله لا يجادلون الا بالحكمة والموعظة الحسنة ويعملون بتوجيه سيدنا ونبينا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام (من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فليقل خيرا أو ليصمت)، كما كانوا يعتبرون سب المسلم فسوقا وقتاله كفرا. هذا هو الطريق السليم للحوار.

وانني على ثقة أن علماء هذا الوطن ومفكريه ومثقفيه هم من يسلك هذا الطريق المستقيم وأنهم يدركون كما أدرك أن المملكة قيادة وشعبا لن ترضى أن تتحول حرية الحوار الى مهاترة بذيئة أو تنابز بالالقاب أو تهجم على رموز الامة المضيئة وعلمائنا الافاضل.

ان هذا الوطن الذي يتشرف بخدمة الحرمين الشريفين والذي تهوى اليه قلوب المسلمين من كل مكان لا يمكن أن يضم فكرا يخرج قيد شعرة عن ثوابت العقيدة الاسلامية كما أنه لن يقبل فكرا يحرف تعاليم الاسلام ويتخذ شعارات خادعة لتبرير الاهداف الشريرة في تكفير المسلمين وارهابهم وان شعبنا السعودي لا يرضى بديلا عن الوسطية المعتدلة التي ترفض الغلو والتعصب بقدر ما ترفض الانحلال والاباحية.

وختاما أدعو الله أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه انه سميع مجيب.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.