فركة أذن للسعودية

الأميركيون يطالبون السعودية بمليارات الدولارات

 من الواضح أن الإدارة الأميركية سيطول استخدامها لأحداث سبتمبر من أجل تهديد الحكم السعودي وابتزازه على كل الأصعدة، سواء بقيت هذه الإدارة الجمهورية أم رحلت وحلّ مكانها الديمقراطيون.

المسألة باختصار هي أن الأميركيين ـ حتى وإن تخلّوا عن مسألة إسقاط النظام السعودي أو تفتيت الدولة السعودية نفسها ـ وهو أمرٌ لم يحدث حتى الآن، على الأقل من قبل الصقور الكبار في اليمين الأميركي.. نقول حتى لو حدث هذا، فإن الأشهر الماضية أماطت اللثام عن سياسة أميركية بدأت بالتبلور تجاه الحليف السعودي، وتتمحور حول رفع عصا تفجيرات نيويورك وواشنطن كهراوة تهديد للسعوديين كلّما أراد الأميركيون استلاب شيء جديد وكبير من الأمراء السعوديين في حال تمنّعوا وأبدوا بعض الرفض.

قضية نشر تقرير أحداث سبتمبر لا دخل للسعوديين فيه من جهة التوقيت، ولكن من حيث الإستخدام، فإن الإدارة الأميركية المتورطة نفسها في دعم الإرهاب والمتداخلة مع السعوديين في شراكات ضخمة ومتعددة للجان وجمعيات ومؤسسات وشخصيات متهمة بالإرهاب ـ كما يفصح عن ذلك التقرير الذي ننشره في هذا العدد ـ .. الإدارة هذه رفضت نشر كامل التقرير حماية لنفسها، مع أن السعوديين وكذلك أعضاء الكونغرس يريدون نشر الغسيل كاملاً!، لكي يتبيّن أن الحكومة السعودية مثلها مثل الحكومة الأميركية موّلت ودعمت من تسميهم اليوم بالإرهابيين! ولكن الإدارة الأميركية في الوقت نفسه، رأت أن تستخدم إخفاء الـ 28 صفحة وكأنها تدافع عن الحكومة السعودية وتخفي نشاطاتها وتورطاتها، وراحت تطالب بالثمن!

وجاءت قضية عمر بيومي متوازية مع نشر التقرير، مع أن الرجل لا يعدو نقطة في بحر الأسماء والجهات المتورطة بين الأميركيين كرجال إدارة والسعوديين كقيادة سياسية وجهات خيرية وممولة.

ماذا كان يريد الأميركيون بالضبط؟

الأخبار الخاصة تفيد بالتالي: طلبت الولايات المتحدة من السعوديين المساهمة في دفع فاتورة حرب العراق، فتذرّع الأمراء بالوضع الإقتصادي السيء، والأزمة التي تمرّ بها الدولة منذ نحو عقدين وانعكاس ذلك على الوضع الأمني. لكن الأميركيين لم يأبهوا لذلك، فحددوا مطالبهم على النحو التالي:

(نريد من المملكة أن تدفع كل الزيادة التي حصلت عليها من دخل البترول بعد أحداث احتلال العراق)!

والحجة الأميركية تقول، بأن أسعار النفط التي زادت في فترة الحرب على العراق، هي من صنع الولايات المتحدة نفسها، وكذلك ازدياد حصّة السعودية من النفط، بسبب غياب النفط العراقي، أو بدافع إعادة الإستقرار للسوق البترولية. والمعنى: إن على المملكة أن تساهم في الحرب التي شُنّت على العراق، عبر دفع كل الزيادات التي حصلت عليها من الدخل النفطي، وهي تعدّ ببلايين الدولارات!

فالمملكة كانت تنتج 8 مليون برميل يومياً، قفزت لمدة شهرين الى 9.6 مليون برميل يومياً، واستقرت لأشهر عند حدود 8.22 مليون برميل، فيما زادات أسعار النفط ووصلت الى 37 دولاراً للبرميل قبل أن تنخفض من جديد. وهذه الزيادات أصبحت في العرف الأميركي من حقّ الإدارة الأميركية والدولة الأميركية، التي سببت تلك الزيادة!

حقّاً.. لقد أصبحت الدولة السعودية، والأمراء السعوديون ضحايا سياسات من صنع أيديهم، وما عادت المملكة سوى مجرد بئر نفط، ليس الغرض منه فقط الحفاظ على استقرار أسعار النفط، وتأمين الإمدادات الكافية للسوق الغربية، ولم يعد كافياً أن يعيد السعوديون أموالهم الى أميركا على شكل بضائع وصفقات سلاح، بل ورشاوى واستثمارات.. الأمر تعدّى كل هذا ليصل الى حدّ دفع (الخوّة) جبراً.

ويبدو أن الأميركيين كانوا يتابعون باهتمام الإنفاق (الملكي) وكأنهم كانوا يتمنون لو أن تلك الأموال صبّت في بلادهم، أو قدمها الملوك والأمراء منحة لهم. ففي زيارة رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري العام الماضي لواشنطن، التقى بالرئيس بوش، ودار الحديث في الدقائق العشر الأولى عن حزب الله، وما تبقى من الساعة والربع حول مصاريف الملك فهد في الصيف الماضي، وحسب مصادر مطلعة، كان الرئيس بوش يقرأ مصروفات رحلة الملك من أوراق أمامه، ونصح الحريري ـ رجل السعودية ـ بأن يبلغ الملك أن هذا السلوك غير مقبول في العالم المتحضّر!!

غير مقبول أن تنهب خيرات النفط محليّاً! ولكنها مقبولة حين يكون الأمر على يد الأميركيين أنفسهم!

وإذا ما قدّم الأمراء التنازل تلو الآخر، فإن ذلك لن يرفع عنهم الهراوة الأميركية، وسيطالبونهم بمئات المليارات ـ على الأقل ـ كتعويضات عن أحداث سبتمبر، بل أنهم سيجرجرون أميراً إثر آخر في محاكمهم، وقد عيّن الأمراء فعلاً محامين لهم في واشنطن، وبينهم وزير الدفاع سلطان الذي يردد باندهاش: والله ما قصّرنا مع الأميركيين، أعطيناهم كل الذي يريدون، ولكنهم لا يشبعون!

ليس هناك من مجال لإيقاف مسلسل التنازلات السعودية لأميركا وإيقاف تهديد الأخيرة إلاّ بقلب المعادلة رأساً على عقب: فإذا كان هناك من تنازل سياسي أو مالي فليكن للشعب السعودي نفسه، وإذا ما ساءت العلاقة مع واشنطن فإن جبرها وتعويضها لا يتم إلاّ بالإتكاء على الداخل الشعبي، وعلى الإصلاحات السياسية، وإلا فإن أوراق الأميركيين كثيرة، ويمكنهم استخدامها لعقود قادمة، وفي ذلك انهيار للدولة نفسها.

لقد أحرق الأمراء أصابع أيديهم العشر من أجل أميركا، والآن جاء ردّ الجميل! وما ظالم إلاّ وأبلي بأظلم! ولا عزاء للمواطن السعودي.