ضخّ الأفكار واستشراف المستقبل

 

هذه المجلّة تستهدف ضخّ الأفكار والرؤى واستشراف المستقبل المتعلق بالمملكة العربية السعودية. هذا ما نستطيع أن نقوله للإخوة الذين يعتبون على (شؤون سعودية) كونها ضعيفة في الجانب الخبري وتنقصها المتابعات التفصيلية عن المملكة بحيث أصبحت مادتها عسيرة الهضم، خاصة مع افتقادها للصور والمانشيتات وغير ذلك من نواقص، الأمر الذي يجعلها في النهاية أقرب الى المجلة النخبوية منها الى المجلة الشعبية العامة.

ومن وجهة نظرنا، فإن المجلة رغم أنها تبني تحليلاتها واستشرافها على قاعدة معلوماتية واسعة، لكنها لا تتقصد نشر الأخبار ولا تعلّق على جزئياتها، حتى تلك الأخبار الخاصة التي تطلع عليها إدارة المجلة. السبب الأساس هو أن المملكة باتت مكشوفة للقاصي والداني، وأخبارها صارت معروفة، وبإمكان القراء الحصول عليها من مصادر متعددة. ليس ما ينقص المملكة اليوم، نخباً حاكمة ومواطنين، المعلومة؛ فقد مضت تلك السنوات العجاف وجاءت فورة التكنولوجيا لتغيّر الأحوال وتأتي بالبعيد فتجعله قريباً. ما ينقصنا بحق ـ في غياب مراكز الدراسات ـ ما وراء المعلومة نفسها، كيف نفسّرها والى أين تقودنا كدولة وكمجتمع.

لا نختلف حول النواقص والمشاكل التي تتعرض لها المملكة، قد نتحدث عن الفساد وأنواعه، ونقول أن فلانا سرق كذا وكذا، وأن (كذا) تريليون دولار تسرّبت الى جيوب الكبار. لن نختلف حول مشاكل القضاء والبطالة والقمع والأحادية الفكرية، والتكفير وعنف الدولة والسلفيين، كما لن نختلف حول الكليات الأخرى المتعلقة بالإقتصاد والخدمات الإجتماعية كالتعليم والصحة وما أشبه، فهذه أمور متداولة ويناقشها الفرد العادي في المجتمع. وبالتالي مهما أتينا بالمعلومات في هذا الشأن، فإنها لا تضيف شيئاً (كثيراً).

لم تعد مشكلتنا اليوم في المملكة تحديد المشكلة، وتحديد المتسببين فيها من الكبار، ورغم نقص الإحصاءات ـ على مستوى الدولة نفسها ـ والتي لا يستطيع أن يقدمها سوى الجهات الحكومية أو المؤسسات البحثية المتخصصة، فإن ما يعوضنا عن ذلك ـ ولو نسبياً ـ هو أن الإتجاهات العامّة لسياسة الدولة واضحة، ويمكن قراءتها وتحليلها، والخروج باستنتاجات واضحة بشأنها.

مشكلتنا الحقيقية، هي أن الدولة السعودية (المباركة!) تمشي بالبركة كما يقال. فهذه الطريقة تتضمن نوعاً من الأبوية والوصاية والإنفلات من القانون والمحاسبة والتخطيط، وهذا ما يجعل مهمة النخب في المملكة ـ ونحسب أنفسنا منهم ـ تأخذ منحى آخر غير توفير المعلومة بل تحليلها وقرع أجراس الإنذار، من خلال قراءات تستند على نظريات علميّة في السياسية والإنثروبولوجيا، حتى لا نجد بلادنا وقد أصيبت بعطب مزمن.

تقدم (شؤون سعودية) اليوم خدمة للمواطن والمسؤول، ونحن نعلم أن الكثير من المسؤولين يقرؤونها، إما بخلفية أمنيّة، أو للإفادة الشخصية والعامة بشكل من الأشكال. لقد فتحت المجلة الكثير من المغلقات السياسية في فهم سيرورة الدولة، وحاولت جهدها ولاتزال التركيز على القضايا الجوهرية، مبتعدة في ذات الوقت عن الأسلوب البحثي الجاف، وعن التعرّض للأشخاص، من أجل كرامتنا نحن وذوقنا العام! وإلاّ فإنك ستجد سيرة الفساد والمفسدين على كلّ لسان وفي كل بيت.

المهم بالنسبة لنا في هذه المجلة، هو أن نقدّم خدمة لا يستطيع القارئ ـ نقول ذلك بجزم ـ أن يجد نظيرها في مجلاّت أخرى، ونعتذر بداية ونهاية للقرّاء عمّا نسببه لهم من عسر هضم، فنحن نسعى أن تكون لغة المقالات مبسّطة، ولكن ليس كل من يكتب قادر على ذلك!