ملكية مقيّدة أم دستوريّة؟

 حين نقول بأن تأخير الإصلاح السياسي وتأجيله من قبل السلطة العليا لا يتأجّل بالضرورة في أذهان المواطنين، ولا يجعلهم يطالبون بما هو أدنى.. فإننا نعني بذلك، أن مطالب الجمهور في المملكة قبل عقدين بشأن الإصلاح والتي رُفضت لم تجعل المواطن يتنازل بل صارت مطالبه اليوم أكبر من تلك التي لم تتحقق. وحتى إذا كان المسؤولون السعوديون يريدون ـ وفق الخصوصية السعودية المزعومة ـ البدء بتلبية مطالب قديمة تجاوزها المواطنون الى ما عداها استشعاراً منهم لتغيّر الظروف والحاجات، حتى إذا كان الأمراء ينوون ذلك، فإنهم لن يفلحوا في تحقيق الرضا الشعبي، كون مطالب الشعب أصبحت متقدّمة بكثير على ما تنوي السلطات فعله على أرض الواقع. هذا فضلاً عن حقيقة أن الإصلاحات التي يقال بأنها ستبدأ نهاية العام الميلادي الحالي بانتخابات مجالس المناطق، هي في جملتها لن تغير من الأوضاع المعاشية للمواطنين، وبالتالي فإنها لن تبعد عن الدولة والحكومة والعائلة المالكة سيف السخط والإحتجاج.

كان المواطنون يطالبون بصوت في السلطة، ولو كان خافضاً، وكانوا يتمنّون تحويل الملكية فالتة العقال الى (ملكية مقيّدة) ومن ثمّ تحويلها في المستقبل الى (ملكية برلمانية أو دستورية) كما حدث في التحولات التاريخية التي شهدتها الملكيات الأوربيات التي مرت بمراحل الإطلاق فالتقييد فالبرلمانية. لم يقبل الأمراء أية قيود على تصرفاتهم ولازالوا، ولكن مطالب المواطنين قفزت من تقييد الملكية الى تحويلها الى ملكية دستورية.. صحيح أن هذا لم يعبّر عنه بصراحة، ولكنه يقال في المجالس، بل أنه شعور مبثوث في عرائض الإصلاح نفسها. فإذا ما عجزت العائلة المالكة عن إصلاح نفسها والقبول بتقييد تصرفات أبنائها ورؤسائها وكبارها وقبلت بتحصيص السلطة بينها وبين المجتمع، فإنها قد تواجه بمطالب إلغاء الملكية نفسها، كونها غير قادرة على تجديد نفسها، وغير قادرة إلا أن تكون جزء من معوقات الإصلاح وأداة من أدوات خنق المجتمع.

قد لا يكون مطلب (التقييد) اليوم كافياً، ولكن قد يُقبل على مضض، وإذا ما استطال الإنتظار، قد نسمع نغمتين مختلفتين: إحداها تطالب بملكية دستورية يكون فيها الملك رئيساً للدولة يقوم بعمل شرفي، ورئيس حكومة من عامّة الشعب يكون مسؤولاً أمام البرلمان؛ والنغمة الأخرى تقول: آن الأوان لإزاحة النظام الملكي برمّته.

والسعيد من اتعظ بتجارب غيره.