حرية الصحافة..وتحدي القمع

 في وقت تحاول حرية الكلمة أن تجد طريقاً لها بعيداً عن أعين الرصدة في جهاز الأمن، والتدابير الصارمة المتبعة من قبل وزارة الاعلام، وفيما يتسع هامش التعبير عن الرأي الآخر بطريقة غير مألوفة، تبعاً لظروف البلد الضاغطة، يستعر النزوع الى تضييق الخناق على أصحاب القلم والرأي من قبل الكبار. فخلال هذا العام سجّلت السعودية تطوراً خطيراً لا سابق له في قرارات إيقاف الكتاب والصحافيين عن أداء مسؤولياتهم الوطنية والاخلاقية والدينية.

قرارات المنع باتت تصدر من جهات عديدة، وتتضمن عقوبات تفوق أحياناً حجم الجريمة (ومن السخرية أن يتم تصنيف الرأي الآخر في قائمة الجرائم). بل صارت قرارات المنع محكومة الى مزاج سموه، وعلاقات سموه الآخر مع هذا وذاك، ورغبة سموه الثالث في ممارسة سلطة إضافية تبعاً لتمدد سلطة منافسه. فقد قرأ الأمير سلطان خلال سفره خارح المملكة بعض أجزاء من مقابلة صحافية أجراها الكاتب والصحافي أيمن الحبيب مع وزير النفط الأسبق أحمد زكي يماني، فأصدر أمره بنفي الكاتب من جدة الى الدمام، وتخففت العقوبة من الطرد الى تخفيض رتبته  الوظيفية، وفصل الكاتب والصحافي جمال الخاشقجي من منصبه كرئيس تحرير لجريدة (الوطن) لأن مقالاً نقدياً نشر في الجريدة حول شخصية تاريخية، وهو ما أثار حفيظة بعض الشخصيات الدينية التقليدية، فصدر قرار من ولي العهد شخصياً بفصل الخاشقجي من منصبه. وتعرض الكاتب والصحافي منصور النقيدان للتوقيف لأنه كتب مقالاً شُّم منه رائحة المحاباة للشيعة في المنطقة حين أكدّ فيه على وطنيتهم.

تقرير (المركز السعودي لحقوق الانسان) الصادر بتاريخ 30 /9/2003 إشتمل على معلومات غاية في الاهمية فيما يتصل بإنتهاك حرية الصحافة. ومما أورده التقرير أن أمراً صدر عن وزير الداخلية في أبريل 2000 بإعتقال الصحافي صالح الحارثي مدة سبع سنوات إثر اتصاله بقناة (الجزيرة) في قطر وإبلاغها معلومات حول قيام قوات الأمن السعودية بمهاجمة مسجد المنصورية في نجران وقتل إثنين من المواطنين من الطائفة الاسماعيلية.

يورد التقرير أيضاً خلفية قرار تنحية رئيس تحرير جريدة المدينة الاستاذ محمد مختار الفال من منصبه كرئيس تحرير لجريدة المدينة اليومية في 18/3/2002 بعد قيامه بنشر قصيدة تتحدث عن الفساد في نظام القضاء السعودي للشاعر المعروف عبد المحسن مسلم، وقد تم إعتقال الاخير في 16/3/2002. ينضاف الى هؤلاء قائمة مفتوحة من الصحافيين والصحافيات ممن حرموا في مزاولة حقهم في التعبير عن آرائهم في قضايا عامة تتصل بمصير الوطن ومستقبله

والانكى هو صدور تعليمات وأوامر الى كثير من الشخصيات السياسية الوطنية والاصلاحية من قبل أجهزة الأمن تحذرهم من الظهور على قناة (الجزيرة)، والا فإنهم سيصبحون عرضة للعقاب الذي يترواح بين الاعتقال، والمنع من السفر، أو التوبيخ..إن ذلك يعبّر عن أن حرية الصحافة والتعبير تشهد تحدياً خطيراً من قبل الدولة، ولكن الأزمات التي تعيشها البلاد لا تقبل بغير الحرية متنفساً لها والكلمة ناطقاً رسمياً وصادقاً بإسمها.