إتركوها فإنها مأمورة

 منذ عقد من الزمن ونحن نسمع أن المملكة تعيش بـ(البركة) أي (تمشية حال) كأنها سفينة في بحر لجيّ بدون كابتن، أو طائرة بدون طيار. الملك مريض ومقعد، لم يترك كرسيه ولا يبدو أنه سيتركه قبل أن (يأتي بأجل الدولة) حسب تعبير أحدهم. والأمراء كأنهم ملوك الطوائف، لكلّ مملكته الخاصة به، وقلعته ودائرة نفوذه، وميزانيته وجمهوره وسلطاته وإعلامه ورجاله الخ. وعصر الممالك السعودية كان موجوداً منذ فترة، ولكنه تعزّز بمرض الملك، الذي لا يريد أمراء الطوائف السعوديون إحالته على المعاش أو التقاعد، رغم الأعذار الشرعية والعقلية المنطقية التي تدفع بإزاحة الملك والإتيان بملك جديد.

الخلافات بين الأمراء هي السبب، وكأن هناك اتفاقاً على تسيير البلاد بالبركة. لا أحد من الأمراء الكبار يعلم الى أين تسير الدولة ووفق أي نهج، وماذا ينتظرها من مشاكل إضافية، ولا أحد يعد حلولاً لمعضلة. الجميع منشغل بإدارة أعماله الخاصة أو إمبراطوريته الخاصة، سواء كانت وزارة أو جيشاً أو سجناً أو قلعة إعلامية.

لهذا فإن المملكة سفينة ضائعة في محيط، يختطف مستقبلها الجهل والديكتاتورية والأنانية. فلا خطر حتى الآن وحّد آل سعود لمواجهة قدر الدولة، ولا ما مرّت به البلاد من مصائب دفعهم لاتخاذ سياسات جذرية تتعلق بصناعة القرار. لا سياسات جديدة، ولا مشاريع جديدة، ولا وجوه جديدة، ولا رؤى جديدة، كل شيء رتيب.. حتى الجهاز البيروقراطي بدأ بالتحلل والتعفّن.

هذه هي المملكة.. مركبة بلا سائس. تتناوشها الأطماع و (اولي الأمر) كما يقول أحمد مطر، (مشغولون الى الأذقان بتطبيق الإسلام!).

قالوا لنا أننا نتمتع بقيادة حكيمة.. وأن الحكمة تتفجّر من أفواه رجالها وقادتها. في حين أن ما نشهده يدلّ على تخبط وجهل مستوطن.

وقالوا لنا ان القيادة ملتصقة بشعبها، وحسب الملك المقعد (المواطن والدولة في إطار واحد) ـ علق على ذلك أحدهم فأضاف: صدق! إنه إطار دانلوب!.. الإلتصاق بالشعب ليس التصاق السياميين، بل التصاق معنوي، لم يسفر حتى الآن عن مبادرة لمعالجة مشاكل المواطنين الحياتية. فالأمراء يزدادون ثراءً ونهباً وجشعاً والمواطن لا يجد قارورة دواء ولا وظيفة ولا مقعد دراسة ولا خدمات صحية تليق بدولة تنتج ثمانية ملايين برميل يومياً من النفط.

دولة البركة هذه مأمورة، وحكامها مأمورون يمثلون إرادة السماء. قال أحدهم: شاء الله أن أكون ملكاً عليكم! ولا رادّ لمشيئة الله! ولكن هل شاء الله أن نكون فقراء والنفط تحت أرجلنا؟! وهل شاء الله أن تضيق بنا الصحارى فندفن البحار؟ وهل شاء الله أن نعيش الذلّ والمهانة والقمع؟!

ودولة البركة تسير! هي ليست متوقفة! وعلى حد تعبير تركي الحمد: المهم أن العجلة تدور!

ها هي العجلة تدور، فلا نرى أنفسنا إلا ابتعدنا عن الإصلاح، وعن دولة الخدمات ودولة الرفاه، وابتعدنا أكثر عن مسيرة العالم كلّه! نعم تدور العجلة ولكن باتجاه معاكس، فتطحن معها الآمال والأحلام، وتزرع الخراب والدمار في كل ركن تصل اليه.

اتركوها إذن..

اتركوا الدولة.. تمشي بالكيفية التي يريدها سائسوها إن كان هناك من سائس. اتركوها، فإرادة السماء تكفلت بالحفاظ عليها! إتركوها تصل الى نهايتها وحتفها! إتركوها ودعوها في مسيرتها المباركة! وحينها لن تجدوا سوى الأطلال تتمسحون بها وتنتحبون في ظلالها! اتركوها، ففعلكم يعجّل بموتها! نقصدكم أنتم أيها المواطنون! إنسوا السياسة، وانسوا الإصلاح، وحافظوا على صمتكم، حافظوا على ولائكم لها، وناموا على وسائدكم إن بقيت لكم منها شيء، فهذا النهج هو الذي يجعلكم الأعلى بين الأمم، ويعيد لكم حقكم المسلوب!

إتركوها فإنها مأمورة!

تركناها زمناً، فوصلت الى القاع!

ماذا ننتظر إذن؟!