أزمة في (بطن) السلطة!

 

في عام 1997 زار الأمير سلطان وزير الدفاع منطقة القصيم، وعلى رؤوس الأشهاد وعبر التلفاز قال بأنه يفخر بأن أغلب المسؤولين في المملكة هم من هذه المنطقة!

كلمة وافية، تحتضن مصيبة السلطة اليوم! كان الأمير يريد أن يقول حينها، بعبارة مختلفة: لماذا أنتم يا أهل القصيم ضدنا، والدولة كلّها تحت قبضتكم؟ لو قام بالثورة علينا المحرومون لما عتبنا عليهم! أما أنتم فلا نتفهم ما تقومون به! لقد جعلناكم أسياداً في المملكة، مذهباً واقتصاداً وعسكراً وأمناً، فلم نكران الجميل هذا؟!

لأن الدولة مؤسسة مناطقياً وقائمة على المحاباة المذهبية والمناطقية، ويستأثر بخيراتها الفئوية بمختلف مسمياتها. ولأن رجال الحكم لم يترفعوا عن الإنتماءات فيحكموا شعباً بالمساواة.. كانت مواجهات السلطة دائماً مع (الآخر) المختلف في المذهب والمنطقة. فمعركة السلطة ـ العائلة المالكة ـ كانت ضد الشيعة مرة وضد الجنوب مرة أخرى وضد الحجازيين. تعددت أشكال المواجهة مع هذه الفئات ـ وهي أكثرية الشعب ـ بين العنف والإقصاء السياسي والتهميش الديني والإجتماعي والخدمي. هذا والدولة كانت تستشعر قوتها رغم كل المشاكل. كانت ترى بأنها قادرة على مصارعة الجمهور المختلف وإن كان يشكل أكثرية في الدولة.

غير أن ما أوهنها حقاً، هو انتقال المعركة ـ إن صح التعبير ـ من الآخر الخارجي الى الداخل، أي الى فضاء السلطة الخاص ـ بالمعنى الإجتماعي والسياسي. فأي مواجهة هي بحق مواجهة بين (شركاء) و(حلفاء) مما يضعف الطرفين ويضعف سياسات الهيمنة. وهذا يفسر ضعف الحكومة في هذه المواجهة، فإنها إن انتصرت على السلفيين فإنما تنتصر على نفسها، وهي إن اقتلعت العنفيين، فإنما تقتلع مخالبها، وهي إن نجحت في إفناء خصمها في فضاء منزلها الخاص، فإن ذلك يضعفها مقابل البيوتات الأخرى المحرومة في الجوار في الحجاز والأحساء والقطيف وفي نجران وجيزان وتبوك وحائل وغيرها. لا تستطيع السلطة ان تتمادى في استخدام العنف، لأن ذلك يهدد مشروعيتها، ويضعف سندها السياسي والإجتماعي والمذهبي.

كان يمكن ألا يكون ذلك.. لو كانت العائلة المالكة، تحكم مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات. كان بإمكانها حينها أن تثق بدعم الشعب لها، حيث الأكثرية مقابل أقلية متمردة. أما والحال هذه، فإنها تسير بحذر شديد حتى في حال التهديد الأقصى للسلطة عبر حمل السلاح بوجهها.

ولذلك، فإن محنة السلطة لا تتمركز في الأطراف فحسب، بل في المحور. إذا تغيّر المحور، تنقلب الأمور. والدولة متشبثة حتى الآن ـ خاصة وزارة الداخلية ـ في عدم التفريط بهذا التحالف وبرصيدها الإجتماعي النجدي المحدد قصيمياً. لهذا تأتي الإنتقادات من الآخرين غير واعية بهذه القضية، على شكل تساؤلات: لماذا لا تضرب الدولة العنفيين والتكفيريين؟ ولماذا لا تكافح العنف بقسوة مثلما فعلت مع جماعات أخرى؟ لماذا نرى يدها مغلولة، رغم أن نجد ليست أكثرية الشعب سكانياً ولا تمثل حتى ثلثه؟

فئوية الدولة جعلت المعركة تجري في (بطنها).. وإلا كانت الحسابات مختلفة تماماً.

الفئوية لم تكن يوماً حافظاً للسلطة. بل العدل والمساواة.

فهل يعود الأمراء وينظرون الى شعبهم على قاعدة المساواة والعدل؟!