بانتظار ولادة جبهة وطنية

آليات التغيير السياسي

محمد الهويمل

 1 ـ كيف نشخص الواقع السياسي الداخلي حالياً؟ إقتصادياً، إجتماعياً، ثقافياً، دينياً. الاحوال العامة الاقتصادية: معدلات البطالة، الغلاء، الوضع المعيشي المتدهور، والاجتماعية: العلاقات بين الاسر والعوائل، ودور الوجهاء وسلطتهم الاجتماعية، والشباب وإتجاهاتهم الثقافية والسياسية، وتأثير الاعلام الفضائي على الاخلاق العامة والتوجهات السياسية والثقافية على المستوى الفردي والجماعي،وثقافياً: التوجهات الثقافية السائدة، ونوع الثقافة السياسية والدينية السائدة. ودينياً: قراءة الجو الديني العام وما هي درجة التدين عند عامة الناس، وهل الموجة الدينية تزداد انحساراً أم أن هناك عودة حميدة للدين وما هو حجم تأثير رجال الدين في الواقع الاجتماعي والسياسي الداخلي.

 2 ـ كيف ينظر السكان لأنفسهم الآن (هل هم مواطنون في دولة، أم هم أعضاء في قبيلة، ومنطقة، ومذهب)؟ وتستمر الأسئلة لتشمل المحيط الجغرافي: هل هم يتفاعلون مع المناطق المتاخمة لهم سواء في الخليج أو الشمال مع الشام والجنوب مع اليمن والغرب مع مصر، وبالتالي فإن تفاعلهم يزداد مع من التخوم ويبتعد عن المركز. الغرض من السؤال هو تحديد الانتماء السياسي والثقافي للسكان داخل الجيوبوليتك السعودي. 

3 ـ الهدف المبني على الادراك العام: هل السكان يحملون تطلعات مشتركة تتعدى الانشدادات التقليدية المتنامية لديهم،  أم هم مجموعة سكانية متوحدة في همومها وأهدافها وبالتالي فهي تتجه الى المطالبة الجماعية بحقوق سياسية واقتصادية لابد من السعى بصورة افرادية أو جماعية بكتابة العرائض وعبر الوجهاء والنخب لتحقيقها، أم هم فئات منقسمة تسعى الى تحقيق اكبر قدر من الشراكة الاقتصادية والسياسية أسوة بالآخرين، أم مجموعات تبحث عن ضمانات خاصة ومنفردة من الدولة لتأمين فرص عيش مقبولة وليست بالضرورة متساوية مع الآخرين، وهل يمكن لبعض هذه الفئات أن تتحول الى أنوية قوى سياسية يترشح بعضها لتبني الانفصال خياراً نهائياً عن البلد كطريق للخلاص ونهاية للعناء المتراكم عليها.

 

ميكانيزمات التغيير

1 ـ ما هي آلية التغيير السياسي للسكان؟ هل هي سلمية تقوم على استخدام لغة ذات بعد حقوقي اعلامي سياسي، أم هي آلية ثورية جماهيرية وربما عنفية.

2 ـ وهل هناك ثمة خطاب سياسي محدد وموحد لدى السكان؟ أم هو خطاب منقسم بين دعوات وطنية، طائفية ـ انفصالية، مناطقي ـ إنفصالي، عمالي ـ حقوقي، ثقافي.

3 ـ  ومن هي القوى الاجتماعية والسياسية المرشحة لمزاولة عملية التغيير؟

ـ هل هي التنظيمات السياسية العلنية في نجد والحجاز والمنطقة الشرقية، أم طبقة رجال الدين بصورة عامة، أم الوجهاء والتجار، أم المثقفون غير المنتمين لتنظيم سياسي محدد، أم التيار الوطني والليبرالي، أم الجمهور في حركته العفوية.

4 ـ من هي القوى المستفيدة من أي مشروع سياسي تغييري سواء على الصعيدين الوطني أم المحلي؟

وما هو إتجاه ردود الفعل: هل ستفضي النشاطات السياسية الى إستعلان بعض النشاطات السياسية الاحتجاجية الخفية وتحفيز الهادىء منها كأن تشهد الساحة المحلية ظهور حركات سياسية شبه منظمة في نجد والحجاز والمنطقة الشرقية  أو حتى في الشمال و الجنوب وما هي الفرص المتاحة لها للتعبير عن نفسها عملياً أو علنياً.

وما هو رد الفعل الرسمي: هل هناك ما يتجاوز السيناريو الافتراضي أي هل ستتعامل الحكومة بهدوء (وربما بلا مبالاة) مع الجماعات السياسية الناشئة والتي لا تشكل تهديداً مباشراً وسريعاً على الدولة، فاذا ثبت العكس فإن الاجراءات الامنية المشددة ستكون الخيار الأول قبل أن تبدأ لاحقاً التفكير في كيفية إمتصاص أي دعوة إحتجاجية وإحتوائها، إما بعزلها عن محيطها الاجتماعي بالتوصل الى إتفاقات منفردة مع قيادات هذه الجماعات وبتحسين نسبي لظروف بعضهم وتقريب الوجهاء ورجال الدين، ثم استخدامهم لخوض حرب بالنيابة عن الحكومة خصوصاً اذا نجحت الحكومة في اقناع الوجهاء ورجال الدين (أو هم اقتنعوا عملياً) بأن أهداف الجماعات السياسية الناشئة من شأنها تفويت فرص العمر بالنسبة لهم، وأن هذه الدعوة تشكل تهديداً مباشراً لمستقبلهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي، فيما تسمح عمليات الاستقطاب الى تعزيز الخيار الأمني.

هذه الاسئلة بكل متوالياتها تشكل حجر الزاوية للتفكير في المشروع السياسي المستقبلي لأي حركة وطنية. وتتطلب الاجابة عن كل سؤال عملية تشريح أولية للقوى الاجتماعية الفاعلة في البنية السكانية، والاوضاع السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية السائدة، وما هي فرص التغيير وامكانياتها: بمعنى فرص التغيير في الواقع السياسي الداخلي، وما إمكانيات ذلك التغيير عند المتصدين للعمل التغييري. وهذا يعني أن الحديث هنا سيأخذ اتجاهه النهائي في هيئة الممكن بالفعل والممكن بالقوة. أي هل فرص التغيير وامكانياته حاصلة بالفعل حالياً بانتظار "المستثمر" القادر على تسخيرها باتجاه فعل احتجاجي سيؤتي ثماره قريباً. أم المطلوب هو خلق فرص وإمكانيات أو تحفيز بعض تبرعماتها كيما تكون صالحة للاستثمار مستقبلاً.

هذا الاتجاه في الحديث قد يكون محبطاً بعض الشيء لأنه مبني على حسابات شبه علمية (الاوضاع الاقتصادية الراهنة، السخط العام، الوضع الامني، التوترات الاجتماعية والسياسية الداخلية في البلد عموماَ وما أشبه)، سيما وأن عمليات التغيير في التاريخ المعاصر ـ وبالحسابات العلمية ـ لم تتم على أساس من يتبرعون بسرد قائمة "الحسابات العلمية". وهذا صحيح في المجمل، ولكن هناك ايضاً بعض التصورات العامة المنطقية التي ستسهل عملية التفكير في التغيير، كالقول بأن إمرأة ستحكم البلد في العام القادم فهذا من القضايا غير الواقعية منطقياً.

 

الدعوة الانفصالية: بين الواقعية والطموح

 

ابتداء يمكن القول بأن كل دعوة من شأنها أن تخلق انصارها وأعداءها في آن واحد. وهذا يتوقف، بطبيعة الحال، على طبيعة الدعوة وخطابها السياسي العلني. فالفرضية الاولية تقول بأن الدعوة الانفصالية ستخلق انصاراً لها وسط بعض الفئات المقهورة، وهناك قطاعات ستتفاعل مع هذه الدعوة. وتحديد هوية هؤلاء الانصار ضروري للغاية. فمن يا ترى سيناصر هذه الدعوة التي تعتبر في الحسابات السياسية راديكالية وتنطوي على مغامرة كبيرة. ولا شك أن المناصرين لهذه الدعوة لهم حساباتهم (الربح والخسارة مادياً ومعنوياً). وهذا سيضطرنا  لعملية تشريح أولية للمجتمع وإخضاعه الى عملية تصنيف على أساس ثقافي واقتصادي واجتماعي وسياسي.

ـ فهل الدعوة الانفصالية تناشد أو تغري ما يسمى بالنخبة المثقفة الوطنية والليبرالية أو حتى وسط المجموعات الدينية؟

ـ هل هي تلبي حاجة الوجهاء والتجار؟ واذا كان كذلك فهل هم على استعداد للتضحية بمكتسبات مادية ومعنوية مستقرة وقائمة؟ أم الدعم سيأخذ شكلاً ابتزازياً (بمعنى استخدام دعوة الانفصال وأهلها كورقة لاستدرار المزيد من المكتسبات). وما هو القسم من الوجهاء الذي سيتفاعل مع مثل هذه الدعوة وما هي صورة الدعم المرسومة والمتوقعة منهم، مع التشديد على أن الحديث هنا يتمركز بصورة أساسية حول وجهاء لهم حساباتهم المختلفة، فضلاً عن ضآلة المعلومات حول هذه الفئة.

ـ هل ستلقى الدعوة صدى وسط المحاور الفاعلة في الفئات الاجتماعية المراد إستعمالها كقوة داخل المشروع الانفصالي (مع الالتفات الى أن هذه الطبقة ليست متوحدة فكرياً وسياسياً)، وعليه فلا بد أن هناك مع وضد ومحايد في هذه الطبقة.. فمن هم؟ ولماذا؟ والى أي مدى سيصل هذا الموقف في بعده الثلاثي؟، وماهي محركات كل طرف في هذه الطبقة؟، وما هي أيضاً الكوابح وكيفية إستدراج الطبقة بالكامل الى مثل هذه الدعوة؟.

ـ ثم هناك الحسابات الخاصة، القبلية والمناطقية والطائفية فالاتفاقات العامة داخل هذه الاطارات لا يلغي وجود تنافرات في داخلها قد تفوق التنافرات بين السني الوهابي والسني الحجازي والشيعي الامامي والشيعي الاصولي والشيعي الشيخي. فإضافة الى التنافر المذهبي الفرعي، فهناك عادات وتقاليد إجتماعية متراكمة غير متوافقة بين المنطقتين، زائداً الانقطاع الاجتماعي والثقافي والسياسي الطويل المدى، فضلاً عن الاتجاهات الثقافية والاجتماعية والدينية المتناقضة مع نظيرتها داخل هذه الاطارات الفرعية، بل والرؤية السياسية المتنافرة بينها تجاه الدولة وتجاه الوضع العام المعبر عنه في السلوك الاجتماعي في إتجاهاته المختلفة وعلى كل المستويات.

ـ الطبقة الوسطى: وتشمل أساتذة الجامعات والمدارس وموظفي القطاعين الحكومي والخاص. وهنا أيضاً لابد أن نستثني بعض أفراد هذه الطبقة الذين استقرت أوضاعهم المادية والمعنوية في ظل إستقرار النظام فهم لا يرجون المخاطرة في تغييره لصالح وضع غير مضمون، سيما وأن  في هذا التغيير تغييراً لأوضاعهم المعيشية ولموقعهم الاداري والاجتماعي. ولكن غالبية أفراد الطبقة كما نفترض تستشعر الحرمان والتمييز الواقع عليها على أساس مذهبي، مناطقي، وقبلي، وأي دعوة تحمل في باطنها وعداً برفع الحرمان أو تمارس ضغطاً على الحكومة لجهة الافادة منها في تسوية المشكلة ستلقى قبولاً نسبياً (يتفاوت القبول بين التأييد العاطفي، واللساني والمادي والعملي). ولكن الحسابات يفترض أن تكون مختلفة بحسب عامل الزمن وتطور الاوضاع الداخلية وضعف قدرة الدولة على استخدام عامل التوتير بدلاً عن عامل التبريد.

ـ يبقى التيار العريض المحروم (المتصوّر) الذي لا يملك ما يخسره في دعوات من أي نوع سواء كانت انفصالية أو ثورية انقلابية. بل قد يحدو هذا التيار الأمل في تعزيز وتعضيد دعوات كهذه رجاء تحسين وضعه المعيشي، وقد يدخل كعامل ترجيحي في حركة انفصالية من النوع الذي يعده بفرص عيش أفضل.

 ـ على المستوى الاقليمي: ليس هناك قوى إقليمية خليجية وعربية أو حتى إسلامية (ايران مثلاً) مرشحة حتى الآن لأن تسند حركة انفصالية، ففي هذه الدول ما يكفي من بؤر إنفصالية قابلة للاستثمار وتخشى من استغلالها من قبل السعودية في حال ساندت هذه القوى حركة إنفصالية في المنطقة. وحتى الدعم السري يبدو مستبعداً لأن الخطورة الكامنة في داخل هذه الدعوة فضلاً عن الاحتمالات القوية بتسرب أخبارها كفيلة بأن تثني أي قوة اقليمية عن الاقتراب فضلاً عن تأييد هذه الدعوة.

ـ على المستوى الدولي: إن الاوضاع الدولية تبدو شديدة التعقيد وبحاجة الى دراسة دقيقة لمعرفة القوى الفاعلة فيه، ومدى تأثيرها في الوضع السياسي في المنطقة.

صحيح أن العالم شهد خلال هذا العقد ظهور دول جديدة هي ثمرة حركات انفصالية سواء في الاتحاد السوفيتي السابق أو اندونيسيا وربما هناك دول مرشحة أخرى للظهور في الفترات القريبة أو البعيدة. وصحيح أيضاً لولا الدعم الدولي وخصوصاً الغربي (الولايات المتحدة وحلف الناتو) لما كان لهذه الدول أن ترى النور. فمع تصور حركة انفصالية في السعودية، كيف سيكون موقف المجتمع الدولي، وتحديداً حلفاء السعودية المرتبطين معها في معاهدات أمنية استراتيجية، وعقود اقتصادية وعسكرية طويلة المدى. ورغم تبني عدد من الدوائر الرسمية في الولايات المتحدة لفكرة تقسيم السعودية الى مناطق، كإحدى منتجات الحرب على الارهاب الا أن هذه الفكرة لم تتجاوز حد التهديد والضغط على الحكومة السعودية من أجل الاستجابة لشروط الادارة الأميركية.

من وجهة نظر السياسة الدولية، أي حركة سياسية مهما كان شكلها ينظر اليها من زاويتين:

أ ـ إما أن تكون عامل تخريب لوضع دولي قائم وبالتالي سيتم التعامل معها بقسوة وشراسة. ب ـ أنها حركة تبشر بضمان أفضل للاستقرار الدولي، وبالتالي للمصالح الاستراتيجية والاقتصادية الغربية في السعودية. ومن الواجب على هذه الحركة أن توصل القوى الدولية الفاعلة في المنطقة الى قناعة بأن هذه الحركة تندرج في سياق (ب). وهذا يتطلب تقديم رؤية تحليلية صلبة لما سيكون عليه مستقبل السعودية في حال عدم مساندة مثل هذه الحركة التي ستضمن ـ أول ما تضمن ـ عدم انفلات الاوضاع السياسية العامة في البلاد، خصوصاً أن المرشح هو الفوضى وعدم الاستقرار، وهنا تلتقي مصلحة محلية خاصة بمصلحة دولية، أي بالخوف من إختلال ميزان المصالح الدولية في المنطقة، والاضطرابات المرشحة في السوق النفطية العالمية.

وعلى أية حال، فإن في المجتمع الدولي ما يكفي من التناقضات ما يمكن إستثمارها لصالح دعوة كهذه خصوصاً اذا توسلت بخطاب سياسي متقن تغري لغته الساسة الغربيين وصناع القرار والنخب الفاعلة في الغرب (من صحفيين وحزبيين وبرلمانيين).

ولكن وبصورة اجمالية، فإن هذه الدعوة استناداً على الحسابات المذكورة سابقاً قد تكون محفوفة بالمغامرة والمخاطر في الفترة الراهنة ما لم يتم إستبدال العمل العلني بالسري والنتائج السريعة بالمستقبلية، أي ترجيح ما هو بالقوة على ما هو بالفعل، وهذا يتطلب عملية حرث طويلة المدى، وهي في نهاية الأمر مستندة على المتغيرات السياسية المحلية والاقليمية والدولية غير المتوقعة، كانهيار اقتصادي وشيك، أو ظهور حركات اعتراضية فجائية في مناطق اخرى من السعودية تهدد بخلخلة أساسات النظام وتدمير قواعده من الداخل.

 

الاحتجاج السياسي تحت مظلة جبهة وطنية

 

ثمة إجماع عام بين القوى الوطنية والدينية على أن العائلة المالكة نجحت في تشييد دولة ولكنها أخفقت في بناء وطن. فمنذ نشأتها لم تخلق الدولة السعودية هوية وطنية عليا ومشتركة للمنضوين تحت سلطتها. فإذا نجحت في تفكيك وربما إحباط دور الهويات الفرعية القبلية والمناطقية والمذهبية فإن هذا الدولة لم تنتج هوية بديلة تعوض هذه الهويات الفرعية المقموعة.

هذه المشكلة اذا كانت في ما مضى توارت تحت تأثير دور دولة الرفاه التي نجحت في ضخ مكثف ومتواصل للملايين في وسط أبناء هذه الهويات، ومن ثم تنامي الدور التقليدي للدولة في مركزة السلطة وتحولها الى راعية الرعية في مقابل السلطات التقليدية للقبيلة والمنطقة، زائداً عملية التحديث الواسعة التي نهبت تلك الانشدادات والولاءات الفرعية لصالح المؤسسة الحديثة (الشركة، والمصنع، والمعمل) وسيادة ثقافة السوق، فإن الوعي الثقافي المتنامي بفعل الوسائط الاتصالية والتحديثية وحتى الحزبية مقابل ضعف التربية الثقافية الوطنية وانحسار دولة الرفاه ساهم بشكل كبير في تحفيز المشكلة المؤجلة: إنعدام الهوية الوطنية المشتركة. ربما قد يجادل البعض بأن هذه الانعدام من شأنه تحفيز المشاعر الفرعية الانفصالية. ولكن الأمر ليس دائماً كذلك، فهناك معادلات سياسية صلبة يصعب إختراقها لأن تأثيراتها والاطراف الضالعة فيها ليست فقط محلية بل لها امتدادات اقليمية ودولية.

إن الاستجابة الأولية للتعبير عن مشكلات التمييز والحرمان الواقع على بعض الفئات، هو فقدان البلد لهوية وطنية بما تحمل هذه الاستجابة من دعوة ضمنية للمساواة السياسية والتوزيع العادل للثروة ووضع أساس جديد لعملية تداول السلطة من جهة، والغاء الاساس الايديولوجي على أساس استحكام "قادة الفتح وجيوشه" والحق التاريخي في السلطة والثروة لجماعة التوحيد السياسي والديني، وبالتالي الغاء الهوية القائمة من جهة ثانية.

هذه المشكلة ليست مقتصرة على جماعة أو فئة أو منطقة بعينها، فكل من هم خارج نجد (آل سعود، والوهابية والعوائل النجدية المستفيدة) أي كل من هم خارج السلطة السياسية والدينية والمالية هم معنيون بهذه المشكلة، ويعبرون عنها من منطلقات مختلفة وربما بلغات سياسية مختلفة، وأيضاً لأغراض سياسية مختلفة.

ما نريد قوله، أن هناك ثمة مشكلة مشتركة تطال البلد برمته مما يكسبها زخماً شعبياً كبيراً نسبياً فضلاً عن كون هذه الدعوة الوطنية تحمل بادرة إيجابية (فهي ظاهراً تعبر عن الحرص على استقرار ووحدة البلد) وان انتهت الى نفس النتيجة التي يمكن أن تؤول اليها الدعوة الانفصالية في بعض الحالات والظروف.

فنحن هنا سنضمن قبولاً (وفي استشراف متفائل تأييداً) محلياً من قوى وطنية ومناطقية وقبلية، ولاشك أن هذه الدعوة ستكسب تعاطفاً (أو حياداً على الاقل من جانب القوى الاقليمية) ولاشك أيضاً أنها ستثير اهتماماً على الاقل من جانب القوى الدولية التي ستنظر الى مثل هذه الدعوة بما تضم من قوى وطنية مختلفة وخصوصاً اذا نجحت في ضم شخصيات وطنية واكاديمية معروفة وذات ثقل سياسي. وفي كل الاحوال، فإن الجبهة الوطنية اذا لم تحقق الغايات الكبرى (اللامركزية السياسية والمساواة الاقتصادية والحريات الفردية والجماعية الفكرية والدينية) فإن أقل ما ستحققه هو إجبار الحكومة على تقديم تنازلات سياسية واقتصادية. وفي كل الاحوال فإن تحقيق الغايات يتوقف في نهاية الامر على حجم الفعل السياسي للجبهة.

ولكن السؤال الذي لا بد من الاجابة عنه: ما هي الآلية التي يمكن من خلالها استقطاب وتجميع هذه الاطراف تحت مظلة جبهة عمل وطني؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن هذه الاطراف تمثل تيارات سياسية وفكرية غير منسجمة، ومذاهب دينية غير متوافقة، ورموزاً قبليين ومناطقيين متباعدين.

والاجابة عن هذا السؤال يتطلب وقفة توضيحية. فكأي عمل يراد له أن يولد وينشط ويسود، لابد من مبادرة تستهدف خلق مشاعر مشتركة. ولأننا سنستغني عن تشخيص المشكلة فهي ـ افتراضاً ـ قائمة فلا بد من استثنارة وتخفيز إنتباه الاطراف المهتمة الى ما يمكن القيام به من أدوار سعياً الى تسوية المشكلة المشتركة. ولابد من من وجود آلية يشعر كل طرف بأنه يفيد منها على المستوى الفردي (أي أن مشاركته ستحقق لطائفته وقبيلته ومنطقته مكسباً متساوياً) بما يجعل العمل الجمعي الوطني مجدياً للجميع وبالتالي سيدفعهم للحرص على استمراره ومواصلة العمل من خلاله.

ولكن كيف؟

لا بد من وجود طبقة من الشخصيات السياسية والوطنية والحزبية والاكاديمية التي يمكن التعويل عليها في مزاولة عمل احتجاجي سلمي وطني. وربما ستشتق من الطبقة شخصيات تعتبر مفاتيح لشخصيات وقوى أخرى. وهذه العملية قد لا تتم بآلية محددة بدقة فهناك إعتبارات نفسية وسياسية لكل شخصية.

يجدر الانتباه هنا الى اننا نتحدث عن طبقة سياسية منتجة من نفس الواقع الاجتماعي، وبالتالي فهي ليست مفصولة التأثير بتناقضاته، فقد يكون (أ) من هذه القبيلة على غير وفاق  مع (ب) من هذه المنطقة، أو (ج) من هذا المذهب على غير وفاق مع (د) من التيار السياسي. وبطبيعة الحال فإن معرفة هذه التناقضات يسعف في بناء جماعة سياسية وطنية منسجمة قدر الامكان.

 

معوقات في الطريق:

 

1ـ الانسجام: لغياب تقاليد سياسية وتجارب عمل احتجاجي وطني (بالمعنى الواسع)، فإن خلق حالة من الانسجام بين مجموعة أطراف يراد لها أن تنضوي تحت جبهة عمل مشترك يبدو لأول وهلة صعباً. ولكن ما يقلل من هذه الصعوبة هو وجود هم مشترك وهدف مشترك وهذان كفيلان بتأسيس أساس لعمل جبهوي مشترك شأنه شأن أي الاعمال السياسية المنظمة. هذا من الناحية النظرية، أما من الناحية العملية فنحن لسنا أمام حقائق ثابتة ومعلومات دقيقة تجعلنا نفترض إنعدام الانسجام بين مجموعة ما يفرقها أكثر مما يوحدها، فهذا الكلام يصدق حتى على الجماعات الفرعية الموحدّة على أساس قبلي ومذهبي ومناطقي.

2ـ الحسابات المصلحية والخاصة: الواقعية السياسية تفرض علينا حساب المصالح الخاصة الفرعية التي قد تظهر لدى أفراد الجبهة الوطنية المفترضة، وقد تستغل الحكومة بعض الاطراف، فتقوم بترتيبات ثنائية منعزلة، وهذا من شأنه أن يهدد بتفتت الجبهة وتقويضها، وهذا يتطلب تأسيس قاعدة معلوماتية صلبة واتفاق واضح وشفافية كبيرة بين الاطراف وتذكير متواصل بالمخاطر المحتملة التي قد تهدد الجميع بفعل ترتيبات كهذه. ورغم أنه لا ضمانات أكيدة من هذه الاجراءات الا أن المشاركين في العمل الجبهوي الوطني مطالبون بتنظيم نشاطات وأسس كفيلة بتقليل مخاطر الاختراق، وفي كل الأحوال لابد للبجهة والناشطين فيها من صنع ضماناتها بنفسها.

3ـ التركيبة الادارية للجبهة: كون الجبهة ممثلة لقوى سياسية دينية ووطنية (مناطقية ومذهبية وقبائلية) فإن تمثيلاً متساوياً ضروري لصناعة قرار مشترك وملزم لكافة الاطراف. وثانياً، فإن المشاركين في الجبهة هم أعضاء عاملون بصورة فاعلة في نشاطات الجبهة، بمعنى غياب مراكز شرفية الا اذا كانت هناك ضرورة سياسية تقتضي ذلك.

4ـ الخطاب الاعلامي: يفترض في الجبهة تبني خطاب اعلامي وسياسي وطني يسمو فوق الاعتبارات المناطقية والقبلية والمذهبية. وهذا لا يعني عدم تضمين المظالم الواقعية على أهل هذه المنطقة، القبيلة، أو المذهب في خطاب الجبهة الاعلامي والحقوقي، وإنما ينصب الاهتمام على ضرورة بناء وطن للجميع يشعر فيه أبناؤه بالحرية السياسية والمساوة وينعم فيه الجميع بالعدل الاقتصادي والحق في الوصول الى السلطة على أساس الكفاءة، وبمعنى آخر ضمان توزيع عادل للثروة والسلطة بين الجميع.

ومن الضروري عدم الخوض في كل ما من شأنه تهديد وحدة الجبهة الوطنية من نعرات طائفية ومناطقية وقبلية. فهدف الجبهة هو خلق ظاهرة إحتجاج وطني عام يرمي الى إستقطاب أكبر قدر ممكن من المؤيدين والمتعاطفين.

5 ـ آليات العمل السياسي:

أ ـ موقع علني يكون مركزاً لنشاطات الجبهة واتصالاتها واجتماعاتها الدورية.

ب ـ نشرة اعلامية (مجلة أو صحيفة اسبوعية) تشتمل على مقالات أو دراسات تعالج مشكلة الهوية الوطنية في البلد وتتضمن ايضاً بيانات الجبهة وتكون هذه النشرة صوت الجبهة الوطنية.

ج ـ العلاقات السياسية: تتولى قيادة الجبهة صياغة خطة لبدء حملة علاقات سياسية محلية ودولية لشرح الاوضاع السياسية في البلد وإطلاع هذه الاطراف على الابعاد الخطيرة التي يمكن أن تؤول في حال استمرار هذه الاوضاع وتحفيز هذه الحكومات على ممارسة ضغط سياسي على الحكومة لبدء إصلاحات عاجلة وجوهرية. وفي الاتجاه نفسه يمكن استخدام منظمات دولية حقوقية وسياسية واقتصادية التي يمكن الافادة منها في إنبثاث أجواء ضاغطة على الحكومة في هذا السياق، اضافة الى نشر مقالات في الصحافة الغربية.

د ـ حملة متواصلة من المنشورات واسعة النطاق في كل انحاء البلد (سواء عن طريق التوزيع اليدوي، أو الفاكس، أو الانترنت) حول الجبهة وتشتمل على رؤية تحليلية للوضع في البلد، وماهي آفاق المستقبل بما يحمل من أجراس خطر على عامة الافراد ورسم تصور عام متضمناً حلولا مقترحة بما تحمل من دعوة للانضمام لنشاطات الجبهة أو تبني خطابها أو الترويج لأفكارها.

هـ ـ رفع عرائض باسم الجبهة الى الملك وولي العهد وكبار المسئولين في البلد تتضمن رؤية موثقة للوضع الحالي للبلاد والتشديد على ضرورة البدء بتنفيذ برنامج اصلاحي شامل يعالج وبصورة محددة مسألة الشراكة السياسية واللامركزية الادارية واطلاق الحريات السياسية والفكرية والاعلامية والدينية.