البقاء لله!

فيصل الزامل

 يضحك بعض كبار المسؤولين ممن تصلنا أخبارهم وحكاياتهم في مجالسهم الخاصة، يضحكون ويسخرون من الجمهور ومن دعوات الإصلاح، ومما يكتب في الصحافة المحلية والخارجية. كأنهم يريدون أن يقولوا باستهزاء لا تنقصه الصراحة: يا كل هؤلاء الصغار!: لقد نبتت لكم أضراس، وطالت ألسنتكم، وأصبحتم (شايفين روحكم!). الوضع هنا على حاله، نحن باقون الى الأبد، والأمر الذي أطلق ألسنتكم لا يعدو سحابة صيف، وقريباً نقطع الألسن ونكسّر الأقلام ونعيد (الضبّان) الى جحورها!

ما نسمعه ينبيء في جانب منه عن تضخّم في الذات، وشعور بالثقة فيها يفوق الوصف، تستصغر بسببه المشاعر والمصالح العامّة، ولا تقدّر بسبب ذلك الأخطار على حقيقتها، وتالياً لا تتخذ السياسات الصحيحة لمعالجة المشاكل من جذورها بغير الآليّة المعتادة وهي الأمن.

يتصور الأمراء الكبار بأن وجودهم على رأس الدولة قدرٌ تاريخي لا يستطيع أحدٌ تغييره أو الفكاك منه دونما إمعان للنظر في فلسفة نشوء الدول ورحيلها، وقيام النظم السياسية وزوالها. يرى هؤلاء أن سنن الكون لا تجري عليهم مهما اشتدّت الأوضاع، فالآخر (الشعب) هو الذي يجب أن يتغيّر ويُصلح ويتنازل، وليس هم. الخطأ في الآخر وليس فيهم، هو من تجاوز الحدود واعتنق الآراء الضالة وطالب بانتقاص حقوق سادته. أما مطالب الآخر فهي التي يجب أن تتقزّم لا أن يتعدّى على ما يعتبرونه (حقوقهم).

ويعتقد هؤلاء أن الشعب قد تمّت صياغته لتقبّل مختلف الظروف والمحن والسياسات، وأنه لن يجد أفضل من (الموجودين) لقيادته، وأنه سيتشبّث بهم الى الأبد. كما وينظرون الى أنفسهم، بأن الشعب يراهم كما هم يرون أنفسهم آلهة فوق المساءلة وفوق النقد وفوق المحاسبة. لا يسئلون عن أمرٍ، ولا يردّ لهم طلب، ولا يعلوهم إسم. وأن الشعب يؤمن بالفلسفة التي ابتدعوها، بأنهم ملاك للأرض والشعب ومقدرات الدولة، يفعلون بها ما يشاؤون. فإن أعطوا فذلك منحة ومكرمة (حتى جواز وحق السفر ـ يقولون فلان أعطيناه جواز السفر ولكنه ما يستاهل)! وإن لم يعطوا فذلك حقّهم وشأنهم.

في اللغة لفظة (دولة) تعني التغيير، والتحول المستمر، أي عدم البقاء والثبات. قيل أن (الدنيا دول) أي متغيرة متحولة، فهي يوم لك ويوم عليك. ولذا قيل: لو دامت لغيرك ما وصلت إليك!

المسؤولون الكبار لازالوا يشعرون باسترخاء في معالجة المشاكل، لا يرون أن هناك مخاطر حقيقية، وكل ما يجري يعتبرونه جزءً من تلك السحابة الصيفية، التي اعتادوا على رؤيتها وعلى رحيلها، إما بفعل الظروف المحيطة أو من تلقاء نفسها أو بنشاطهم وجدارتهم وإدارتهم العبقرية!

أمور كثيرة تزعجهم ولكن أعلاها انتشار العنف والضغوط الأميركية. أما الباقي فلا يعني شيئاً مهماً.

هم لا ينظرون الى الإصلاحيين والدعوات الإصلاحية نظرة جادّة. يعتبرونهم (زعران!) يمكن ـ وهم يفعلون ذلك ـ (بهدلتهم) بتلفون تهديد أو منع من السفر، أو لقاء مختصر مع واحدٍ من أمرائهم، أو الضحك عليهم بوعد من الوعود الكثيرة. الكلام ببلاش كما يقولون! فليكثر منه وليوضع الفائض في (الخرج)! طالما أن لا أسنان لهؤلاء ولا مخالب، فليتكلموا في مجالسهم الخاصة، وليكتبوا الرسائل الإستجدائية الإستخذائية العطوفة، ولينظروا ما شاء لهم الزمان من التنظير، فسيكون حبيس الدفاتر، وهمسات الأنفس، وحشرجات الروح.

الليبراليون (مقدور عليهم) يقول أمير من عظام الرقبة! والشيعة (عوام جهّال نرمي لهم عظمة فيسكتون) وأهل الحجاز (لو طالت بهم، أرسلنا عليهم كم قبيلة من ربعنا تؤدّبهم)!

لا يحتاج هؤلاء الأمراء الى حلول سحرية، فعندهم دواء واحد لكل شيء! إلا دواء الحب والإحترام والتقدير!

في احتفالات الرياض بعيد الفطر، ردد المشاركون في العرضة وعلى شاشة التلفزيون، عبارة تفيد بأن (ابن سعود أخذها بالسيف وليس بالإنتخاب)! وهذه فضيلة لم يكتشفها حراس الفضيلة!

دولة لم تتجدد، وعقول تقودها لم تتجدد!

هل هي دولة إذن؟!