الخطوة التالية: الجمعيات السياسية

توفيق السيف

 أظنها عادة جارية في المجتمعات العربية ان يسأل الناس كل متصد للشأن العام او مشارك في الحياة السياسية: (من أنت) او ربما (ابن من انت)؟ قبل ان يسألوا (ما الجديد عندك)؟

ان مئة من اهل الرأي خاطبوا الدولة يذكرونها بحقوق الشعب لم يقنعوا كثيرا من السادة بانهم يمثلون شيئا، وانا واثق لو أن أميرا من الدرجة العاشرة أو شيخ قبيلة لا يقرأ ولا يكتب قد كتب مثل ذلك، لربما لم يشكك المشككون في درجة تمثيله لمن تحدث بالنيابة عنهم.

السبب في ذلك اننا ربما لا نزال أميل ـ نفسيا على الأقل ـ الى نمط العلاقات القديمة التي تعرف الفكرة بقائلها وليس العكس. لا يحتاج الامر الى الف توقيع كي يتمثل الشعب، يكفي توقيع واحد، لان هذا التوقيع لا يمثل اعدادا او اشخاصا بل يمثل الفكرة المقدمة. بكلمة اخرى ان الذين وقعوا على العرائض المذكورة، كانوا يعلنون عن تحول تلك المجموعة من الهموم والافكار الى تيار محدد، وهو تيار مفتوح قد يراه الملايين ممثلا لهم ومرآة لطموحاتهم، وقد لا يراه كذلك الا من وقع تحت اعلانه، وبالتالي فان مسألة تمثيل العدد ليست محل مناقشة على الاطلاق.

ينبغي اليوم ان نتحدث عن خريطة سياسية للمجتمع السعودي، فنقول ان هناك تيار الصامتين (المحافظ) الذي يرى ان ليس في الامكان ابدع مما كان. وهناك تيار العنف الذي يحكم بالفناء على كل من لا يتطابق معه وعلى حاشيته او بالتوازي معه تيار الانعزال الذي يحكم على كل مخالف له بالهامشية. وهناك تيار الاصلاح الذي يرى الناس جميعا متساوين على قاعدة المشاركة في التراب الوطني.

ليس ثمة ضرورة للتساؤل ان كان زيدا يمثل هذا التيار او ذاك، المهم ان كلا من التيارات المذكورة موجود وقائم وهو يتجسد في صور محددة مع مرور الوقت. اذا اعلن احد انضمامه لاي من المشروعات او مشاركته فيه فانه لا يدعي تمثيل عدد من الناس بل اضافة تجسيدية الى ذلك الوجود.

مسألة أخرى، أعتقد بأن النقاش في ضررة الحوار وفوائده واساليبه لم يعد ذا اهمية الان لان الحوار الوطني العام اصبح حقيقة واقعة واتخذ مجراه، فالنقاش حول الاصلاح السياسي والاقتصادي اصبح الشاغل الاكبر لكل السعوديين، واتخيل انه لا يوجد سعودي واحد لم يفكر في الامر او يسمع به او يتحدث عنه قليلا او كثيرا.

لهذا السبب فان ما ينبغي الاهتمام به هو المرحلة التالية، اي الانتقال من الحوار حول الاصلاح الى تجسيد المطالب الاصلاحية على ارض الواقع.

من الواضح ان هناك نوعان من هذه المطالب: نوع يحتاج بصورة قطعية الى قرار سياسي مثل الانتخابات العامة وما يشابهها.

ونوع لا يحتاج الى قرار حكومي بل الى ارادة اهلية، ومن ابرز امثلته الجمعيات السياسية.

الجمعيات او الاحزاب السياسية ضرورة قصوى لأي مجتمع يتجه الى الاصلاح لانها القناة التي تتبلور من خلالها الارادة العامة وتطرح الافكار على نحو متطور يتجه من العمومي الى التفصيلي ومن المجرد الى الواقعي، وهي البيئة التي تتدرب فيها النخبة السياسية على ممارسة العمل، وهي الواجهة (او الراية) التي تتجه اليها الانظار حين يستلزم الامر اعلانا عن موقف او دخولا في الصراع.

لهذا أدعو الى التفكير مليا في الحاجة الى إقامة الجمعيات السياسية والطريق الى اخراجها من قالب الفكرة الى ارض الواقع.