الليبرالي المتفرّج

  

في كل مرّة تبدو فيها فرصة للمطالبة بالحقوق السياسية للمواطنين، ويتصدّى التيار الإصلاحي لها ممهداً للأمر بالعرائض، تظهر مشكلة ويجدّ ظرف يختطف الوضع ويعيد ذلك التيار الى المقاعد الخلفية كمتفرج على الأحداث لا صانعاً لها.

في بداية التسعينيات الميلادية من القرن الماضي، بدأ التيار الليبرالي بمطالبه عبر عريضة وقع عليها العشرات تطالب بالدستور ومجلس الشورى وغير ذلك. وفيما كانت الأجواء تمور، ظهر التيار السلفي المتشدد فأشعل معركة مع التيار الليبرالي، حول قيادة المرأة للسيارة، وفتح معركة عنيفة ضد الشيعة ومن أسماهم بالعلمانيين الملاحدة، الى حد أن عائض القرني طالب (ولي الأمر) بـ (قطف) أعناقهم.

بعدها ـ ومن باب المنافسة ـ ظهرت مذكرة النصيحة، واشتعل الوضع بين بعض السلفيين والحكومة، فيما تراجع التيار الليبرالي ليتخذ دور (المتفرج) في المعركة، وكأن لا رأي له فيما يجري، أو كأنه رأى صعوبة العمل في وقت الصراع خاصة وأنه بين أصحاب البيت!

انتهت المعركة أو هدأت، وتهاوت مطالب الإصلاح، وأصبحت نسياً منسيّاً.

اليوم يعيد التاريخ نفسه!

يبدأ الليبراليون بالعمل والمطالبة، فتستطير دائرة العنف السلفي، فتتوجه الأنظار الى مواجهة العنف، وتتراجع دعوات الإصلاح رغم أنها في صلب المشكلة.

دور الإصلاحيين اليوم هو دور المتفرج، أو دور الداعم للسلطة على أمل أن تقضي على العنف ومن ثمّ تشرع في الإصلاحات. وهذا حلم إبليس بالجنّة!

لماذا لا يتحرك هؤلاء الإصلاحيون ككيان مستقلّ؟

وهل مشكلتنا مع الحكومة أم مع التيار السلفي العنفي أم مع الإثنين؟

وإذا كان الإثنان عدوان للإصلاحات، فأيهما الخصم القريب؟

وهل النتائج المنتظرة للصراع السلفي مع الحكومة ستخدم الإصلاح والإصلاحيين؟

يخطئ الإصلاحيون في مراهنتهم على الحكومة بأنها ستشرع في الإصلاحات اليوم أو في المستقبل بشكل تلقائي وبدون ضغوط أو كنتيجة لإضعاف التيار السلفي العنيف.

ويخطئون إن اعتقدوا بأن الحكومة ستقضي على الخصم السلفي المتطرف.

ويخطئون أكثر إن اعتبروا في أولوياتهم مكافحة العنف، لأنه مجرد عرض لمرض أصيل في الدولة وهو استبداد الأمراء بالحكم وغياب القانون والمحاسبة والمكاشفة.

الضغط على الحكومة يمكن أن يثمر اليوم، أما إذا أطاحت بخصمها فستكون على أرض أكثر صلابة لترفض كل مطالب الإصلاح التي لم تعلن صراحة أنها ضدها حتى الآن.

لا يجب أن تعمي مكافحة العنف أبصارنا عن جذور المشكلة، التي هي أصلاً موجود في العائلة المالكة وليس في التيار السلفي العنيف، فهذا الأخير هو ناتج من زرعها ومن سياساتها، وإذا كان هناك من يلام فهي دون غيرها.

فهل يستمرئ الإصلاحيون دور المتفرج الى أن تضيع فرصة أخرى للإصلاح؟

أم يزيلوا عن أعينهم الغشاوة فيضغطوا من أجل الإصلاحات الموعودة، حتى وإن كان الرصاص يدمدم في سماء مدننا الكبيرة؟

لسان حال الحكومة يقول أن الإصلاحات مؤجلة حتى الإنتهاء من العنف!

فهل بادر الأمراء وقبل أن يستشري العنف بالإصلاحات! أم أنهم سوّفوا وعقدوا الأمور الى أن وصلنا الى ما نحن فيه؟

الصحيح هو أن العنف يدعو الى الإسراع في الإصلاحات وليس العكس، ومن يزعم غير هذا فعليه أن يتعلم لعبة السياسة ويقرأ فصول التغيير في الدول الأخرى.

قد يقال إنها انتهازية!

وكأن أرباب السلطة ليسوا انتهازيين ومستبدين ومحتالين ومراوغين؟!