التحوّل في الإعلام السعودي يطلق تحولات عميقة في المجتمع السعودي

كل شيء تغيّر ولا مجال للسلطة إلا الإنحناء أو الكسر

 مرتضى السيّد

 يلحّ المثقفون السعوديون على موضوع (الشفافية) و (الحريات الإعلامية) كأحد عناوين الإصلاح المرجو، الى جانب العديد من القضايا الأخرى: الدستور، الإنتخاب لمجالس الشورى والمناطق والبلديات، وفصل السلطات، ونزاهة القضاء، وحقوق المرأة، ومكافحة الفساد، وغير ذلك. بيد أن نقطة البداية لم تكن واضحة عند النخب السعودية التي تصرّ في أحاديثها وعرائضها على (الإصلاح الفوري والشامل).

هل البداية بانتخابات مجلس الشورى، أو ربما تفعيل مجلس الشورى القائم كما يقول البعض؟

هل البداية بانتخابات مجالس المناطق؟

هل البداية المطلوبة تأتي من خلال وضع دستور للمملكة التي لم يحكمها دستور في تاريخها، غير ما يقال عن (دستورنا القرآن) وغير ما سمي بـ (النظام الأساسي) الذي تنقصه الكثير من المواد والشروح ولا يمكن بحال اعتباره دستوراً للبلاد؟

أم هل الإصلاح السياسي بمجمله غير مهم ـ كما يزعم البعض ـ وإنما المهم الإصلاح الإقتصادي؟

اختلف المثقفون والإصلاحيون في المملكة حول البداية، وبدا أن التركيز كان يدور حول عناوين عامّة (الحريات العامة والإنتخابات). بيد أن النقطة التي أرادتها السلطة لتكون البداية، هي (الإعلام).

لأسباب شتّى، وجدت العائلة المالكة نفسها وجهاً لوجه مع إعلام لا يرحم، تتصاغر دونه وسائل الإعلام الرسمي. إعلام لا قبل لها بمواجته، ولا قدرة لها على الحدّ من تأثيره. انفتحت الكوّة، عبر الإنترنت، فدخلها المواطنون السعوديون ليصنعوا عالمهم الخاص بهم، العالم الواقعي غير المزّيف، الذي يعبرون من خلاله عن تطلعاتهم ومواقفهم تجاه السلطة ورموزها.

والقنوات الفضائية، وخاصة قناة الجزيرة التي كان لها سبق الريادة، جرّت الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي مرغماً الى الأمام، أو الموت منسيّاً.

لم يكن أمام السلطات السعودية من خيار، فالمواطن السعودي وجد منافذ عديدة للحصول على المعلومة. وقد حاولت الحكومة الحدّ منها عبر عمليات التصفية (الفلترة) لمواقع الإنترنت عبر مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، ولكن تبيّن أن العملية كلّها مكلّفة وغير فعالة. وحاولت الحكومة السعودية تطويع قناة الجزيرة (المشاغبة) التي كان من الواضح أنها (تستهدف) السعودية بصورة من الصور في برامجها الحوارية والإخبارية، ولكنها فشلت، بل تكاثرت القنوات التي تتحدث عن الشأن السعودي، وكثر السعوديون الراغبون في التحدث الى القنوات الخارجية، رغم التهديد الحكومي، الذي لايزال قائماً ـ على الأقل بالنسبة لقناة الجزيرة.

النقلة النوعية التي حدثت في ثقافة المجتمع السعودي بسبب الإنترنت والقنوات الفضائية حاصرت (الإعلام السعودي) بل حاصرت (خطاب السلطة) وأظهرته بمظهره الحقيقي البائس. ونظراً لأسباب أخرى عديدة، اضطرّ المسؤولون السعوديون ـ وزارة الداخلية المشرفة على الإعلام تحديداً ـ الى القبول برأي اقترحه عدد من الإعلاميين السعوديين، أنه لكي يتم الحدّ من تأثير الإعلام الأجنبي على المواطن السعودي، ولكي تعود بعض المصداقية للإعلام السعودي ويجلب مستمعيه المحليين، ونظراً لضرورة تنفيس الإحتقان لدى المواطنين السعوديين، فإن (غضّ النظر) عن بعض ما يكتب في الصحافة السعودية، وحقن التلفزيون المحلي بجرعة (صغيرة) منشطة، يمكن أن يأتي بالفائدة المنشودة.

نظنّ أن (غضّ النظر) ذاك، كان بمثابة (ثقب الإبرة) الذي تطوّر ولايزال والذي نعتقد أنه سيتحول الى (البوابة الواسعة) التي تأتي من خلالها الإصلاحات السياسية.

لم تكن تلك السياسة (غلطة) رغم أن الحكومة لم تقرر زيادة هامش الحرية بشكل كبير، كل ما فعلته (الصمت) فلم تصدر تعديلاً لقانون المطبوعات الذي صدر مؤخراً، ولم تضع ضوابط للتعبير في ظل الأجواء الجديدة. كل ما جرى كان ردّة فعل طبيعية من سلطة رأت أن إعلامها لا يخدمها، وإعلام الخارج لا يرحمها، والشارع السعودي بدأ يخرج ويتمرد على (القوقعة) الأحادية التي حشر فيها زمناً طويلاً.

 إعلاميون وإعلام خارج السيطرة

 ثقب الإبرة ذاك، نفذ منه معظم الصحافيين السعوديين، فراحوا يدفعون بالخطوط الحمراء الى الوراء بصورة سريعة ومتتالية، فوسّعوا ذلك الثقب بشكل كبير، خلاف ما أرادته السلطة الأمنيّة، التي أدركت هي الأخرى أن ثقب الإبرة ذاك لم يكن كافياً لا للتنفيس ولا لإغراء المواطنين على الإقبال على الإعلام المحلي بكل أصنافه. بيد أنها وهي ترى خطوطها الحمراء تتجاوز بسرعة، حاولت إيقاف هذا الزاحف الذي لا يعترف بما يسمّى بـ (الثوابت) إلا قليلاً، لهذا أوقفت عدداً من الصحافيين وطردت آخرين، علّها تبطّئ من الزاحف عليها، والذي ينذر بتجاوز كل القيود، ويصل الى مركز السلطة.

الصحافة السعودية هي التي بدأت بكسر الحواجز، ونشير هنا الى تألّق جريدة الوطن، ومن ثم الرياض، اللتان استطاعتا فعلاً خلق مناخ صحافي جديد لم ترَ المملكة في تاريخها له مثيلا. وهاتان الصحيفتان هما أكثر من دفع ثمن الجرأة والريادة، من جهة عدد الصحافيين المطرودين أو المعاقبين. وقد أدّى التطوّر الصحافي، من حيث تناول الموضوعات والنقد، الى أن ينعكس أيضاً على التلفزيون (الحكومي) بحيث أجبر على اقتحام موضوعات ما كان له أن يفعلها مختاراً، وما كان الصحافيون والمثقفون الذين تستضيفهم القناتان المحليتان ليتحدثوا دون المستوى الذي يمارسونه في صحفهم، رغم محاولات مديري الحوارات فعل ذلك.

وخلال الأشهر القليلة الماضية، دخل عامل جديد على حرية التعبير في المملكة، بدون قانون، وبدون ضوابط أيضاً. فالحكومة السعودية، وجدت أن قناة الجزيرة لاتزال الأكثر جاذبية والأكثر إغراءً للسعوديين بالمتابعة، في حين أن كثيراً من السعوديين لم يلتفتوا الى التحذيرات الحكومية والمنع الرسمي في التعامل معها، ولذا كان من الضروري إيجاد البديل من جهة، وإيقاف القنوات الأخرى التي تستهدف المملكة ببرامجها. قناتان تبثان من لندن تمّ شراؤهما قبل أكثر من عام، وقد توقفتا عن بث برامج تغضب الحكومة السعودية. أما البديل فكان ظهور قناة (العربية) بمساهمة خليجية قيل أن للحكومة السعودية حصّة الأسد فيها، ولا يخفى أن عدداً من دول الخليج رأت في قناة الجزيرة تحديّاً يجب كسره. وقناة العربية لا يمكن أن تنجح بدون هامش واسع من الحرية في تناول الموضوعات الخليجية.

وفعلاً استطاعت قناة العربية خلال عمرها القصير (تحجيم) دور الجزيرة، فيما يتعلق بدول الخليج، وخاصة السعودية والبحرين والكويت، وهي الدول التي طالما شكت من (عدم حيادية قناة الجزيرة). لقد أُعطيت قناة العربية هامشاً غير مسبوق في تناول الموضوع المحلّي، السعودي بخاصة، وقد تجلّى ذلك في الأشهر الثلاثة الماضية حين عالجت مواضيع العنف والإصلاح والتطرف في المملكة، وجاءت بعدد من الإصلاحيين ومثقفي المملكة ليتحدثوا من خلالها، بحرية عجز مديرو الحوار من ضبطها وفق المبتغى. فالمتحدثون السعوديون فرضوا على القناة (هامش الحرية) الذي يتحدثون في إطاره، كما فرضوا في أحيان كثيرة موضوعات (شبه محرّمة) لا تجوز الإشارة إليها.

بعبارة أخرى، أصبحت قناة (العربية) منافساً حقيقياً لقناة (الجزيرة) وإذا ما زادت الأخيرة جرعة الحرية في التعاطي مع الشأن السعودي، فإن قناة العربية ستلحق بها وقد تبزّها. لقد وسّعت قناة العربية هامش الحرية لدى المواطنين السعوديين، ففي قناعة المشاهدين السعوديين، لا تعدو قناة العربية أن تكون قناة سعودية، وهي بالتالي تعكس الأجواء العامّة داخل المملكة، الأمر الذي خرق سقف الحريات الإعلامية المحدود، بل أن التلفزيون السعودي بقناتيه وجد نفسه مدفوعاً لأن يمارس قدراً من الحرية في معالجة الموضوعات المحليّة.

من المهم أن نتذكّر أيضاً، أن العنف الذي أصاب المملكة خاصة انفجاري 12 مايو 2003 و8 نوفمبر 2003 زاد من هامش الحرية الصحافية والإعلامية، فالمسؤول الذي كان يخاف من الكلمة والنقد ويحسب أن الدنيا ستطبق عليه، وجدَ نفسه في مأزق أكبر بكثير مما كان يخشاه، فتضاءل لديه ـ بشكل تلقائي ـ الخوف من (الكلام والنقد) بعد أن صُفع بما هو أدهى وأمرّ (العنف والدمار). واكتشف المسؤول السعودي بعد موجة العنف أنه بحاجة ماسّة ـ ليس للتغطية والتعمية على واقع المملكة المزري ـ بل الى المزيد من المكاشفة لمحاصرة العنف، وأفكار التطرّف، ففتح الباب على مصراعيه في الصحافة والتلفاز لمناقشة أفكار التطرّف، وأسبابه الإجتماعية والإقتصادية والفكرية والتعليمية والسياسية والنفسية.

 هل هي بداية الإصلاح

 إن القدر الذي تحقق من المكاشفة في وسائل الإعلام السعودية المحلية والخارجية غير قليل، وهو غير قابل للتراجع، بالرغم من أن هناك خشية لدى بعض المثقفين من عدم وجود قوانين ومرجعيات قانونية تحفظ ما هو متوفر من حرية في التعبير، وبالتالي يمكن للسلطة في أية لحظة أن تنقلب عليه. هذه الخشية ـ رغم وجاهتها ـ غير متوقعة ضمن الظروف المحليّة. فالأجواء العامّة تصرّ على المزيد من الحريات، ولاتزال الضغوط الإعلامية الخارجية قويّة، عربيّة كانت أو أجنبية، لا تمثل قناة الجزيرة إلا واحداً من المصادر. وهناك دهشة بين السعوديين، أنه حتى في القنوات التابعة لها، أو التي تمتلك حصّة فيها (إل بي سي، مثلاً) باتت هي الأخرى تعتمد سقفاً مرتفعاً في معالجة القضايا السعودية المحليّة، هو بكل المقاييس أكبر من السقف الموضوع للتلفزيون السعودي نفسه، وهذا يجعل البعض مندهشاً متسائلاً: الحكومة السعودية تعلم أن المواضيع المتعلقة بالسعودية موجّهة، وأن المشاهدين لها هم من السعوديين، فإذا كانت الحكومة غير راغبة في هذه المواضيع، فلماذا لا تضيّق على القنوات التي استثمرت فيها رأسمالاً غير قليل، وإذا ما كانت راغبة في طرق المواضيع الحسّاسة، فلماذا لا تسمح بالإعلام السعودي المحلي ليقوم بنفس الدور؟! بمعنى آخر: لماذا يناقش السعوديون قضاياهم على قنوات فضائية خارجية، للمملكة دور في تمويلها إن لم يكن في أسهمها، ولا يفعلون الأمر ذاته من خلال القنوات المحلية؟

السؤال المركزي في هذه المقالة هو: هل يشكل اتساع هامش التعبير في المملكة بداية لانطلاق الإصلاحات؟ رغم أن الحكومة السعودية سيقت اضطراراً للتغاضي عن ذلك الهامش لأسباب شرحناها آنفاً، إلا أنها غير قادرة على تضييقه ولا على إبقائه على حاله، فالنزوع حادّ باتجاه كسب المزيد منه، ربما كتعويض عن الحرمان والضغوط في المجالات الأخرى، وربما لأن الحكومة في حالة تراجع تغري الكثيرين بتجاوز قوانينها وأنظمتها القمعية، وربما أيضاً لأن صانع القرار لا يريد في الوقت الحاضر أن يلهب الوضع أكثر مما هو عليه اليوم والذي أفرز عنفاً في الشارع السعودي غير مسبوق.

إن هامش الحرية أظهر حجم الإحباط في الشارع السعودي، وحجم تطلعاته، فسقطت مقولة أن الشعب (غير مهيّأ) للتغيير، وسقطت دعاوى (الخصوصية) السعودية، وبان حجم الفارق بين ما يريده المواطن وما تتشبّث به السلطة. القدر المتاح من حرية التعبير، يشي بإمكانية صدام بين (الدولة) و(المجتمع) على أرضية الإصلاح. فالفارق الكبير بين الطرفين بات واضحاً جليّاً لا يمكن تفادي انعكاساته إلا بتنازل (حكومي) سريع.

ما نشهده في الإعلام السعودي من صحافة وتلفزيون يدهش في جرأته وتطوّره المراقب المحلي قبل الأجنبي؛ وهو تطوّر يعكس من جهة ثانية عمق الأزمة السياسية والإجتماعية والأمنية في المملكة. ما حصل يمكن تسجيل مدلولاته على النحو التالي:

1 ـ أن هامش حرية التعبير، أطلق طاقة غير مسبوقة من الجرأة بين الكتاب السعوديين، الذين كان الواحدُ منهم يرتجف وهو يقدّم سؤاله البارد لأي أمير صغير! لقد ظهر وكأن الشجاعة قد حلّت على الجميع فجأة، فكلما تقدّم أحدهم بمقالة جريئة، بزّه آخر بأخرى أكثر جرأة. لا شك أن الجرأة هذه تكتسب زخمها من أن فعل الكتابة والنقد بات جمعياً يساهم فيه معظم إن لم يكن كل الكتاب، يعضدهم في ذلك جمهور شديد السخط يطالب بالمزيد، ويرى أن الإعلام المحلي (جبان) ومداهن. ومن جهة ثانية، فإن الجرأة في التعبير لدى الكتاب المحليين، جاءت في ظلّ منافسة شديدة من قبل منتديات الإنترنت السعودية وبالخصوص: منتدى الساحات السلفي وطوى الليبرالي، إضافة الى موقعي (شؤون سعودية، والحجاز) وهما مجلتان نخبويتان شهريتان تضخّان الكثير من الرؤى والأفكار تنعكس بصورة أو بأخرى على النشاط السياسي والصحافي السعودي.

تستبطن الجرأة هذه، حقيقة أخرى، وهي اقترانها بتضاؤل هيبة الدولة التي عصفت بها عوامل كثيرة، منها ضعف أداء الحكومة، وزيادة الجريمة، والإختناق السياسي، وتضاؤل الخدمات الإجتماعية، وزيادة البطالة، وتصاعد العنف، وخروج أجنحة من الجهاز الديني السلفي على السلطة، وأخيراً سقوط هيبة الدولة السعودية في الخارج وتصاعد الضغوط عليها من قبل قوى متعددة. لم تستطع أجهزة الأمن إعادة عقارب الساعة الى الوراء، وتقليص حجم التآكل السريع في مشروعية الدولة وهيبتها، وكلّما زادت في ضغوطها وعنفها خسرت على الأرض المزيد، وشجعت على التمرد والعصيان.

لم تعد عصا الدولة اليوم مخيفة في وجدان المواطن، ولا قادرة على ضبط الأمن، بل هناك اعتقاد راسخ بين القوى الإصلاحية الفاعلة بأن أجهزة الأمن لا تستطيع أن تفعل ما كانت تفعله في الماضي بحقهم، من سجن ومنع من السفر وطرد من الوظيفة على نحو موسّع. فقد دخل العامل الدولي على الخط، وخاصة الأميركي منه، حيث بات الأميركيون مطلعون وبشكل دقيق على ما يجري، وهم يتصيدون أخطاء السلطات الأمنية وعنفها ضد خصومها السياسيين ـ غير العنفيين ـ ليبرروا المزيد من الضغط على السلطة السعودية وصناع القرار فيها، وكذلك تفعل المنظمات الدولية. يد الدولة لم تعد مطلقة، وهذا يشجّع من يعي هذه الحقيقة على المزيد من التحرر في الخطاب السياسي، والمطالبة بالتصحيح والنقد اللاذع، الى حدّ أن بعض الكتاب الموالين للسلطة أشار بدهشة الى أن السعودية باتت مصدرة للنفظ و(للنقد)، وأن الشكوى لدى المواطنين شملت كل شيء.

2 ـ إن توسّع هامش الحرية، صعّد من مطالب المواطنين. فمؤشر المطالب متصاعد متزامناً مع تسارع مؤشر النقد وحدّته، في حين أن الدولة تعرض إصلاحات في الهواء، المزيد من الكلام، والكثير من التأخير، بلا جداول زمنية، ولا مشاريع محددة، وبلا تغييرات دستورية. ربما لو قام الأمراء السعوديون بالإصلاحات قبل عامين، لقبل المواطنون بالقليل المتدرّج، ولكنهم اليوم لا يستطيعون أن يبدأوا من الصفر أو ما تحت الصفر، فمفردات الإصلاح العامة استكملت ذروتها ـ ربما ـ في العريضة الأخيرة لتطالب بـ (مملكة دستورية) وبـ (الدستور أولاً)، وهذا يجعل من مشاريع السلطة السياسية غير مقنعة وغير مقبولة: مثال ذلك الحوار الوطني، والإنتخابات البلدية، حيث نسمع الكثير من النقد لهما حتى في الإعلام الرسمي.

3 ـ اللبرلة الجزئية للإعلام المحلي كشفت الكثير من العيوب والثغرات والأخطاء في ممارسات السلطة، أي أنها جاءت بدفقة وعي حول تفاصيل المشاكل التي يعيشها المواطنون. مقابل هذا الوعي المتراكم في شتى المجالات، والذي يفرض شروطه في التغيير، فإن السلطة لم تقم بخطوات عمليّة أو حتى مبادرات أوليّة لتصحيح الأحوال، الأمر الذي يجعلها تحت الضغط المستمر من قبل الشارع السعودي.

لهذه الأسباب، تبدو مفاتيح الإصلاح متعددة بتعدد الإتجاهات الضاغطة. فالتراجع الإقتصادي، والإنهيار الأمني بسبب العنف، والضغوط الخارجية، والحراك السياسي الداخلي الذي عبرت عنه عرائض عديدة وفي مقدمتها (وثيقة الرؤية) وجدت كلّها منافذ الى المواطن السعودي عبر الإعلام المحلي والعالمي، وهي بالتظافر معه تشكّل مادّة ضغط عنيفة على صانع القرار السعودي، الذي لا يزال يقاوم رافضاً التغيير. لكن الجمهور السعودي ونخبه قد تغيرا، والأوضاع الإجتماعية والسياسية والإقتصادية والأمنية لن تعود الى سابق عهدها، وقدرة الدولة على صناعة منجز حقيقي أو تفادي التصعيد الداخلي السياسي والأمني تبدو ضعيفة. لذا يمكننا الإطمئنان الى أن الأوضاع ستتغير ولا حلّ أمام العائلة المالكة إلا الإنحناء أو المجازفة بالكسر.