تدويل القضايا المحلية

 

المملكة السعيدة وهي إذ تتعرف على مشاكلها، لا تمتلك قيادتها الجرأة على مواجهة المشاكل ومتطلبات الحلول. لهذا تحاول الإلتفاف عليها، بتعميمها خليجياً وعربياً، كيما تحصل على تبرير (محلي) لإجراء العلاج اللازم، وتوفير مظلّة لصانع القرار للقيام بدور الطبيب دونما إثارة المرضى المهووسين، وهم جموع الشعب السعودي!

تبيّن أن المناهج التعليمية في المملكة حاضنة ومفرخة للعنف، والتطرف. هذا ثابت، وإن حاول المنكرون. ولكن المسؤول لا يجرؤ على التغيير الجادّ، وحتى يهوّن من القضية، تحدث عن أنها مشكلة لا تخص المملكة، فتمّ طرحها بشكل عام في اجتماع قادة دول مجلس التعاون الخليجي تحت عنوان: تعديل المناهج في دول الخليج. وهذه الدول كما نعلم لا تعاني من نفس المشكلة، وإن وجد فبشكل جدّ محدود.. ولكن المسؤول السعودي يريد توفير مظلة لشرعنة فعله، وإيهام العوام، بأن (غيرنا) لديه نفس المشكلة، وأن (الجميع) يتعاون على الحلّ. ليخلص الى نتيجة تقول: أيها السلفيون، ويا أيها المتطرفون، إقبلوا بالعلاج، واسمحوا لنا بعد أن شخصناه أن نزيل المرض. المصيبة إذا عمّت هانت. والتطرف في كل مكان، وعلاجه مطلوب من كل أحد.

نفس الشيء حصل حول الإصلاحات السياسية. فبعد اشتداد الضغوط المحلية والدولية على صانع القرار لإدخال الإصلاحات. خرج علينا بمبادرة عربية (لإصلاح البيت العربي). فقيل له: يا هذا! ما شأنك والبيت العربي؟! لماذا لا تصلح بيتك أولاً، خاصة وأنه أسوأ بيت لم يرَ الإصلاح منذ زمن؟ قال: إن العالم العربي كله يعاني من نفس المشكلة، وعلينا إيجاد الحلول لها. قالوا له: وهل نستطيع تغيير العالم العربي إن كنا غير قادرين على حل مشكلنا ومرضنا، ولماذا لا نصلح بيتنا ليكون قدوة للآخرين؟

لقد تمّ تعميم مبادرة الإصلاح العربي على البيت الخليجي، فاقترح هذا البيت مؤخراً أن توضع مبادرة غير تلك السابقة تحوي قدراً من التفصيل لحلّ مشكلة (الإصلاح العربي) ستقدم لمؤتمر القمة العربي في مارس القادم. فهل هذا التعريب والخلجنة غرضه توفير غطاء لإصلاح البيت السعودي الداخلي، أم أن ذلك مبرر لربط الحصان بالقطار والطلب من الحصان أن يجرّه.. بمعنى أن تكون تلك المبادرة وسيلة أخرى للمماطلة والتسويف؟

ذات القصة يمكن أن تنطبق على مؤتمر الفكر العربي الذي عقد مؤخراً في بيروت والذي عقده السعوديون (الأمير خالد الفيصل) لمناقشة قضايا سعودية في أكثرها تحت مظلّة عربية وبدون ذكر السعودية. لماذا لم يعقدوا مؤتمرهم في الرياض، على غرار الجنادرية، ويضعوا النقاط على الحروف، ويكونوا أكثر جدية في مواجهة مشاكل المملكة وشعبها؟

الغريب أنه حتى في القضايا الفكرية، رأينا المملكة وهي تواجهة ظاهرة الغلو والتكفير والتطرف، فتعقد مؤتمراً للحوار بشأن ذلك، رأينا أن البعض يحاول أن يجعل المشكلة (كونية) في حين أننا نبحث عن حل لمشكل محلي. قال أحد الأذكياء من المسؤولين عن الحوار الوطني بأن ظاهرة الغلو موجودة في كل العالم، أي أنها ظاهرة عالمية، وأضاف بأنها بدأت بعد الحرب العالمية الثانية!

تحليل عبقري وتتبع تاريخي تأصيلي لم يشهد له الكون مثيلاً!

اختصر الأمر أحد معارضي الحوار فقال للتلفزيون المحلي بأنه ضد الحوار، لأن المشاكل قابلة للحل بدونه، والحوار يؤخر ذلك. كل ما في الأمر: أن تحل كل وزارة المشكلة من جانبها وكفى الله المؤمنين القتال. أما الحوار، فإنه لا يمثل الا المتحاورين ويضيع الوقت على صانع القرار!

ونحن نعلم أن أمثال هؤلاء لا يريدون الحوار لأنهم متضررون منه. فهو يكسر صنميتهم، ويخرج الدين من وصايتهم، ويعترف بالآخر الذي لا يريدون، ويوزع الحقوق على من لا يرضون.

نحن نعاني من مشاكل، فلننشغل بها وبحلولها ونواجهها كالرجال، فالتغطية عليها والتحايل دون المباشرة يضيع الوقت ويفسد العمل.