مواجهة التطرف بالانفتاح الثقافي في الداخل

 بيان المائة والخمسين من مشائخ التيار السلفي المتشدد حول تغيير منهج التعليم الديني الرسمي والصادر مؤخراً جاء في عرض الخط الحواري الناشىء حديثاً، وكأن القائمين على البيان أرادوا ايصال رسالة للدولة والمجتمع بأنهم مازلوا أحياء، وأنهم قادرون على تنظيم صفوفهم وبث أفكارهم رغم التيار المضاد والمتنامي ضد مواقفهم ومتبيناتهم العقدية المتشددة.

هذه الفئة، التي بدأت تفقد مواقعها لصالح قوى الاعتدال والانفتاح، ظلت وفيّة لما تراه عقيدة إيمانية لا يجوز التنازل عنها، ورغم هلاك الخطاب العنفي في خضم التحول الفكري الواسع في البلاد، الا أن ثمة ما يدفع لإعادة تركيب هذا الخطاب والابقاء على تدفقه في الساحة المحلية. وهذا يلتقي مع بعض الكتابات التقسيمية التي تظهر بين فينة وأخرى على شبكة الانترنت أو تنشر عبر كتيبات مجانية لا هدف لها سوى كسر تيار الاعتدال وإعادة تمزيق المجتمع الى طوائف ومذاهب. كتيب صدر مؤخراً بعنوان (إعانة المحتاج من كتاب المنهاج) لكاتب مجهول إضطلع بعض فلول تيار التشدد بتوزيعه على نطاق واسع في المؤسسات والدوائر الحكومية ينال من المذهب الشيعي، ويوصم أتباعه بالشرك والضلال، بما يلتقي مع كتابات وفتاوى سابقة أعدّها رموز التشدد الموقّعين على البيان المؤمىء اليه سابقاً.

كان المؤمّل من هؤلاء أن يجدوا في بيئة الحوار الفكري فرصة مناسبة للتعارف والانفتاح على المذاهب الاسلامية الاخرى في المملكة، وتفادي ما تسبب في كوارث اجتماعية وأمنية وسياسية على المجتمع والدولة بسبب ثقافة الانغلاق والتطرف التي كانت سائدة في الفترة الماضية.

إن من المؤسف أن تجد الكتابات التقسمية طريقها الى المكتبات العامة، وأن تحظى بإهتمام دور نشر محلية فيما تواجه كتابات أخرى تحث على الاعتدال والانفتاح قيوداً صارمة من وزارة الاعلام ودور الطباعة والنشر. إن مجابهة فكر التطرف والغلو تتطلب اليوم تسهيلات قانونية ومالية من أجل دعم التوجه الجديد لدى الحكومة كيما يتشبع المجتمع بأفكار المرحلة الجديدة، مثل التعايش السلمي والتعددية الفكرية، والانفتاح الثقافي، وهذا ما ينتظر قراراً من القيادة السياسية في الدولة.