ليكن الاصلاح من الداخل.. ولكن متى؟!

 منيرة عبد الرزاق

 المزايدات المبتذلة لدى بعض الامراء ومن يلوذ بهم حول رفض الاصلاح حين يفرض من الخارج تأتي في سياق الممانعة الرسمية في قبول مبدأ الاصلاح، وليس كما يراد إيهامنا بأن الشعور الوطني والكرامة العربية قد أملتا هذا الرفض العنيد للتدخلات الخارجية لجهة فرض الديمقراطية على السعودية، من بين بلدان شرق أوسطية عديدة. فالعامل الخارجي لم يغب حتى يدلل الآن وفي هذا الموضوع بالتحديد على غيابه.

تخبر التصريحات الرسمية بأن السعودية تناوىء الاصلاح السياسي كونه يندرج في اطار أجندة اميركية لشرق أوسط كبير. فمنذ إعلان واشنطن عن بعض ملامح هذه الاجندة، التزمت الحكومة السعودية الصمت حيال الاصلاح في الداخل، فيما بدأت تطلق تصريحات تعارض أي دور للعامل الخارجي في العملية الاصلاحية، وقد وافق على ذلك بعض دعاة الاصلاح إنطلاقاً من موقف قومي أو ديني..ولربما سعت العائلة المالكة الى تأجيج النزوع القومي والديني لدى دعاة الاصلاح بغرض مواجهة المشروع الأميركي الشرق الأوسطي.

ولا شك أن موقفاً مناوئاً للعامل الخارجي يلتقي عند رغبة مؤكدة لدى الغالبية العظمى من الشعب، ولكن من شأنه إدحاض مجهود التيار الاصلاحي الذي لم تفتر عزيمته في المجاهرة بمطالبه الثابتة والواضحة باجراء اصلاح شامل وفوري في البلاد. إن التصريحات الرسمية بقدر ما تهدف الى تبرئة ذمة الدولة من التورط في المخططات الخارجية، فإنها أيضاً تقذف دعاة الاصلاح وتثير الريبة حول نواياهم وتحركاتهم، بحيث تخرج الصورة النهائية وكأن دعاة الاصلاح ما هم الا مجموعة من العملاء الذين يسعون الى تمهيد الطريق للتدخلات الاجنبية في البلاد. إن تحليلاً كهذا كان يجب على التيار الاصلاحي أن يجحده بصورة علنية ومتصلة، من أجل إسقاط أحد الاسلحة التي تستعملها الحكومة للهروب من المسؤولية..وحقيقة الأمر أن الدولة حين تفقد خيارات عملية تلجأ الى اللعب بالأوراق والتناقضات من أجل إشغال القوى السياسية الداخلية بخلافات مفتعلة، بما يضمن للحكومة فرصة أفضل في إحداث شرخ داخل التيار الاصلاحي والتعامل معه باعتباره اجزاء متناثرة..

تقع على كاهل دعاة الاصلاح مسؤولية إفشال منهج الحكومة في تلطيخ صورة التيار الاصلاحي، والجهر باستنكار أي محاولة لحرف مسار العملية الاصلاحية تحت طائل العامل الخارجي..فالمطلب الشعبي لم يكن إستجابة لنداء خارجي وليس وليد مشروعات اميركية، بل هو تعبير عن حاجة داخلية ملحّة، وهو رد فعل على الاخفاقات المتواصلة في سياسات الدولة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية. إن النزوع المتواصل نحو رمي المشكلات الداخلية على الخارج ليس سوى نفياً ضمنياً لأصل وجود المشكلات وبالتالي رفض البحث عن حلول لها، وكما أسلفنا فإن العامل الخارجي ليس سوى إحدى المهارب التي تلوذ بها الحكومة لاخفاء فشلها.

وفيما يبدو فإن العائلة المالكة تميل الى تجريب الأدوية الفاسدة التي كانت أنظمة عربية محددة قد صنّعتها وروّجت لها لتحقيق أهداف متعددة. فقد ظهر بأن أكثر الانظمة استبداداً في الوطن العربي هي تلك التي كانت ترفع شعار محاربة الاستعمار والتدخلات الاجنبية، فخلف هذا الشعار كانت تشيّد برك الدم وتعقد حبال المشانق، وقد تبين أن هذا الشعار كان متهافتاً وأن الاستعمار قد ربض على كل مفاصل هذه الدول.

إن محاربة دعاة الاصلاح بسلاح العمالة للخارج أو الاندراج في مشروع أميركي لا يقصد به سوى تعطيل مسيرة الاصلاح، وهذا نذير شؤم ورسالة غير مباشرة الى الداخل بأن طريق الاصلاح مغلق الى حين، وأن النوايا ليست معقودة من أجل بدء قريب لتنفيذ وعود سابقة. فلو كانت الدولة جاهزة لمرحلة الاصلاح لأنجزت ما قررته في العام الماضي ببدء الانتخابات المحلية التي أصبح خبرها مرفوعاً، وكأن العائلة المالكة قد ارتدّت حتى على المنهجية الاصلاحية الجزئية والمتدرجة. فمنذ شهور والأمراء الكبار يتحاشون الحديث عن الاصلاح السياسي، أو يذكرونه بعبارات غامضة وفضفاضة، وهذا ينمّ عن توجّه رافض للخيار الاصلاحي، ثم جاء مشروع الشرق الأوسط الكبير ليعزز هذا التوجه وليسبغ عليه معنى سياسياً وايديولوجياً.

ولكن، هل الموقف المناهض للدمقرطة على الطريقة الاميركية ينجي العائلة المالكة من مواجهة أزمتها الداخلية المتفاقمة، أو يسقط خيار الاصلاح الداخلي؟ بالطبع كلا، فالعرائض التي قدّمها التيار الاصلاحي الوطني كانت شديدة الوضوح في تشخيص أزمة الدولة، وفي مقترحات الحل، وأن الاصلاح الشامل والفوري وحده البديل الانجع لتسوية الأزمة. إن مشكلة العائلكة المالكة تكمن في أنها ترفض الاصلاح سواء كان محرّكه داخلياً أو خارجياً، فهي ترفضه في كل الاحوال. فقبل أن تعلن الادارة الاميركية عن مشروعيها: الشراكة الشرق أوسطية، والشرق الأوسط الكبير، كان دعاة الاصلاح يناشدون الدولة بوضع حد للتدهور في مسيرة المجتمع والدولة، والبدء ببرنامج اصلاحي شامل.

ولابد من التحذير من جنوح الدولة الى تبرير تعليق خيار الاصلاح بخطر المشروع الأميركي وأهدافه، لأن الاصلاح هو حاجة داخلية بالدرجة الأولى، وأن بإمكان الدولة احباط مفعول المشروع الاميركي من خلال استباقه بالاسراع في تنفيذ برنامجها الاصلاحي، لأن تأخيره سيوفر مبررات التدخل الخارجي.. والسؤال الآن الذي يجب على الدولة الاجابة عنه هو إذا كان الاصلاح مرفوضاً حين يأتي من الخارج، فهل ستبدأ بتحقيقه في الداخل، سيما وأن الاصلاح بات خياراً وطنياً شاملاً ومورد إجماع وطني عام؟ أم أنها ستقرر خوض المعركة التقليدية مع خصومها في الداخل بإستعارة الاسلحة البالية بوصم دعاة الاصلاح بالعمالة كما فعل الأمير نايف حين إتهم بعضهم بالعمالة لأميركا تشكيكاً في وطنيتهم، وأن تخويف بعضهم الآخر من السقوط في مطب الخيانة للوطن لأن الرئيس الأميركي أبدى استعداد إدارته لدعم دعاة الاصلاح في دول الشرق الأوسط؟. من المثير للسخرية أن يطلب من دعاة الاصلاح تقديم شهادة براءة لاثبات نزاهتهم ووطنيتهم، فيما يعفى الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة في الشرق الأوسط من ذنب العمالة!.