حول الموقف من البيان الأخير لدعاة الإصلاح

الفقيه والعواجي.. ماذا يريدان؟

 د. أحمد عبد العزيز العويس   ( عن ايلاف)

 دعاة الإصلاح في السعودية كثيرون ومتعددو المشارب والرؤى، ويتوافقون في أمور ويختلفون في أخرى، وهذا قانون طبيعي أودعه الله في خلقه، ولا سبيل إلى تغييره، وأي محاولة لذلك ليست غير عبث وسعي نحو الوهم وليس إلى أي شيء غيره. هذه هي التعددية التي يراها بعض سعاة الإصلاح نعمة أنعم الله بها عليهم، وان فيها من المنافع ما يفوق بكثير ما فيها من المضار، ويفرح هذا البعض بأي نشاط يصب في نهر الإصلاح مهما كان مصدره. وعلى العكس من ذلك يراها بعض آخر من دعاة الإصلاح، للأسف، فأي نشاط إصلاحي، مرفوض وتكال له الاتهامات وتوجه نحوه الطاعنات ويقذف بسهام متعددة الأشكال والأوصاف، لا لشيء غير كونه صدر من غيرهم أو على الأقل لم يباركوه.

في القرآن الكريم الكثير من الآيات التي تهدف إلى تربية الإنسان على مكارم الأخلاق، منها قوله تعالى: (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم. وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم). يقول سعد الفقيه إن من قام بجمع التواقيع على الخطاب لهم دور استخباراتي، ومصدر حسن الظن هذا هو في قوله إن هذه المعلومة (مؤكدة)، وبالتالي هي من مصادره في السعودية التي لا أظن أنه يشك بأنها موثوقة. فأقول له: تاكد أن مصادرك يمكن أن تتصف بأي صفة عدا الموثوقية، وأن المعلومات التي ذكرت يمكن أن تتصف بأي صفة عدا أنها مؤكدة. وهذا القول هو هدية أقدمها له. ثم أوجه قولي نحو مصادر الفقيه، فهي مصادر تتعمد الكذب في موضوع لا يخص أفراداً بل يخص وطناً، فمن يستفيد من مثل هذا الكذب؟ هل تهدف هذه المصادر إلى تعطيل وعرقلة العملية الإصلاحية في السعودية؟ ولكن لماذا؟ لا أجد سبباً مقنعاً عدا كون الخطاب باعتباره نشاطاً إصلاحياً صدر عن فئة لا تنتمي إلى الفئة التي ينتمي إليها الدكتور الفقيه ومصادره التي كذبت عليه. ثم، وبعد أن أُذكر الفقيه بما قاله في تصريحه: (... والبيان فيه تجاهل تام لبيان الإصلاح الدستوري..)، أحيله إلى ما ورد في الخطاب وليس البيان، وبين الخطاب والبيان فرق لا يجهله حصيف، أقول تضمن الخطاب المرفوع لسمو ولي العهد العبارة: (... وثيقة "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" وتقبلكم لكافة الخطابات المطلبية الأخرى التي رفعها المواطنون من من مختلف الشرائح). ثم أُذكره بقوله في التصريح عن البيان، وهو يقصد الخطاب، بأن: (فيه تأكيد على أن الحوار الوطني الحكومي هو استجابة للبيان مما يزيد الشك في الهدف من هذا البيان). وكما يتبيّن من كلمات (الحوار الوطني الحكومي) ومن التركيب الإجمالي للعبارة، فإنه لا شك من وجود إما كلمات سقطت عفواً من تصريحه أو ضعف في المتابعة.

أما الدكتور محسن العواجي فلم يعجبه الخطاب نهائياً، فهو اتهم الموقعين بأنهم يمارسون حرباً ضد (الإسلاميين) وصفها بأنها خاسرة لأن الساحة غير متاحة إلا (للإسلاميين) المكتفين ذاتياً والذين هم ليسوا بحاجة إلا لأنفسهم وحسب، في حين أن الآخرين محصورون في دائرة نخبوية. ثم أسدى نصيحة لهؤلاء الآخرين بأن عليهم أن يعرفوا ما هي القضية، متهكماً بهم بأنهم يرون أن القضية هي مجرد حشد أسماء وصفها بأنها مجهولة. ثم ادرج مفردات، في وصفه الخطاب وطريقة إعداده، لا تليق بداعية إصلاحي، مثل: (العادة السرية)، (حرباً خاسرة)، (خلسة)، (تسلل)، (إنتهازية)، (يهرّبون شيئاً محظوراً)، (التفافة)، (مجاهيل ومجهولات)، (القفز)، (قامة). كنت أتمنى لو أن الدكتور محسن نأى بنفسه عن هذا المفردات الذي لا أراها تليق بأي داعية إصلاحي. ولو أنه ناقش محتوى الخطاب أو أهدافه لكان أجدى للإصلاح. ولكن مرة أخرى نرى ما يؤسف وما نتمنى أن يتوقف، وهو أن بعض دعاة الإصلاح يوجهون سهامهم نحو زملائهم الآخرين الذين هم مثلهم من دعاة الإصلاح وإن وفق رؤى مختلفة. فالساحة مفتوحة للجميع وليست حكراً لجهة دون أخرى، غير أن الدكتور العواجي بدا للأسف ممن ينزعجون حين يرون في الساحة غيرهم.

وليس يأتي بعد الظلم إيلاماً، فيما أفهم غير الاحتقار، فأنا فهمت أن الدكتور العواجي في ذكره لـ (هؤلاء المجاهيل والمجهولات) أنه يحتقر الكثير ممن يقرب عددهم من التسعمائة، ومنهم من النساء والرجال، من هو أكاديمي مثله، ومنهم فلاح وطالب وربة منزل ومترجم وكاتب ومتسبب وشاعر ومتقاعد ورجل أعمال، إلخ من النساء والرجال.. ممن هم ليسوا على نفس الدرجة التي تتمتع بها (قامة) الدكتور العواجي أو غيره من دعاة الإصلاح ممن وردت أسماؤهم في هذا الخطاب أو في غيره من خطابات أو بيانات، أو ممن هم مشهورون ومهتمون بأمور وطنية أخرى كلاعبي الكرة أو الفنانون والفنانات. إن داعياً للخير يطلق وصفاً مثل هذا أولى به أن يقدم اعتذاره إلى من أساء إليهم قبل أن يوجه نصحه المحترم والمقدر.

الإقصائيون هم الذين طالما تمنى ويتمنى الخيرون أن يغيروا ما بأنفسهم من شك، وأن ينخرطوا في العمل الجماعي التعددي، وأن يتمكنوا من أن ينزعوا عن أنفسهم هذه الصفة الضارة بالوطن. ومع أنه من المفهوم أن انزعاجهم هذا طبيعي في الوقت الراهن، إذ ما زالوا بحاجة لمزيد من الوقت والتمرين حتى يتمكنوا من قبول الآخر والحوار معه والتخلص من هيمنة الأسلوب الإقصائي الذي ما زال مسيطراً عليهم، إلا أنه من المفيد لعملية الإصلاح عدم السكوت عن الممارسات والمحاولات الإقصائية.

عمليات المزايدة وأساليب الاستعراض هي من المضرات في العمل الإصلاحي، والاعتراف بالتعدد وقبوله والرضا به هو السبيل للتخلص من العيوب لدى أي طرف: فإن كنتُ أرى فيك عيباً لا تعترف به وأسعى لما أراه في مصلحتك، فسبيلي إلى ذلك ليس إقصاؤك بل قبولك كما أنت أولاً ومحاورتك، أما أن أضعَ تغييرَ ما تراه في نفسك صحيحاً شرطاً لقبولي إياك ومحاورتك، فعليّ أن أتأكد أنني أنشد وهماً وأطلب مستحيلاً وأمارس عبثاً.

أكاديمي سعودي

(عن إيلاف ـ 28/2/2004)