الإصلاح من الداخل وزمن الخصوصية!

 

لا يوجد إصلاح إلا بتغيير الداخل، هذه مقولة لا تحتاج الى نقاش، أما عوامل الدفع الخارجي فهي على الدوام موجودة بالنسبة لكل الدول وفي كل الأزمان، وتأخذ احياناً تعبيرات (الظروف الإقليمية والدولية!). المهم أن حالة التدافع الداخلي أو الخارجي تتفاعل في بوتقة ضمن الحدود القطرية للدولة. لماذا هذا الحديث إذن عن الإصلاح من الداخل؟! هل المقصود هو الإصلاح بأدوات الداخل؟ وهل يمكن إغفال أدوات وتأثيرات الخارج في أي فعل سياسي نشهده؟! إن ذلك تحصيل حاصل، لا يضيف رؤية ولا يلغي حقيقة!

المقصود بالإصلاح من الداخل بالنسبة للسعودية، هو رفض الضغوطات الاميركية والغربية، وتكتيل الشارع السعودي بافتعال (روح وطنية) قتلتها في قلوب مواطنيها، إضافة الى هدف محاصرة الدعوات الإصلاحية (الداخلية) نفسها والإيحاء بأنها امتداد لفعل أجنبي، كما رأينا ذلك من مزاعم وزارة الداخلية في اعتقالاتها للإصلاحيين مؤخراً.

دعونا نقرر بعض المسائل هنا:

الإصلاح مطلب داخلي، ترفضه الحكومة السعودية من حيث المبدأ. ومن حيث الممارسة، فإنها تعاقب دعاته، ولا تقوم به، ولا تسمح بأن يكون هناك إصلاحاً من الداخل، ولا تقبل بقيام أي مؤسسات مجتمع مدني، ولا بإصلاح القضاء، ولا بالمشاركة الشعبية. النظام في المملكة، كما انظمة عربية اخرى، ليس في وارد الإصلاح، لا بضغط من الداخل ولا طوعاً، ولو  كان كذلك لقام بالإصلاح، فما الذي يمنعه من فعل ذلك؟ هذه حقيقة يجب ان نعترف بها.

الحقيقة الأخرى، أن سبب رفع شعار (الإصلاح من الداخل) هو مقاومة الإصلاح نفسه، فحتى الضغوط الغربية ومطالبها بالإصلاح لا تختلف ـ في معظمها ـ عما يطالب به المواطنون أنفسهم، والرفض الحكومي ليس نابعاً من غيرة وطنيّة مكتشفة جديداً عند أمراء لم يكونوا يوماً إلا في خانة الغرب والمصالح الغربية. النظام في المملكة مستعد لتقديم اية تنازلات للأميركيين في المجالات السياسية والإقتصادية على أمل البقاء في الحكم وعلى اساس احتكار العائلة المالكة لكامل السلطة في البلاد. ولكن الإصلاحات السياسية تعتبر أكبر مما يتحمله هؤلاء، حتى وإن كانت لصالح الوطن والمواطنين، ولذلك هم يرفضونها بدعوى (الإصلاح من الداخل)!

والمسألة الثالثة هي أن مقاومة الإصلاح داخلياً وخارجياً مع التأكيد على الخارج، تستبطن مسألة قديمة جديدة، تتعلق بمزاعم الخصوصية السعودية. فحسب مزاعمهم إن ما يريده الغرب يخالف (خصوصيتنا، وثقافتنا!!). الخصوصية المزعومة هي أننا شعب دون مستوى الرعايا، لا يحق له الإنتخاب، وجاهل لا يقرأ ولا يكتب (كما قال سلطان فعلاً وعلناً!). الخصوصية زعم باطل، كثيراً ما تحدث عنه الكتاب السعوديون، وبالرغم من ترويج الحكومة له في الخارج، فإنها ما استطاعت إقناع حلفائها به. التأكيد على الخصوصية السعودية تعني أن لا تغيير، لا إصلاح، لا مشاركة شعبية ولا حقوق مدنية أو سياسية.

الإصلاح مطلب داخلي وسيكون من الداخل شئنا أم أبينا.

والضغوط من الخارج لن تتوقف شئنا أم أبينا، فهي إحدى أدوات التغيير الداخلي.

وخيرٌ لأقطاب العائلة المالكة أن يجروا إصلاحاتهم بدل أن تفرض عليهم.

ليتنازلوا لشعبهم وليؤكدوا اللحمة معه عبر الشراكة السياسية في تقرير مصيره، قبل ان تقتلعهم جذور التغيير من الداخل بأدواته، أو بأدوات من الخارج أيضاً! أو بهما معاً.