فائض من الجهل والرعونة

 فيصل الزامل

 

لا يراهن كثيرون على أخلاقيات العمل السياسي، وبالذات إن كان المقصود واحداً من أنظمتنا العربية. الإحساس الذي ظهر واضحاً عند كثير من الإصلاحيين هو أنهم تلقوا طعنة في الظهر من قبل وزارة الداخلية باعتقالها نشطاء الإصلاح. وعلى رغم أن عدداً من المعتقلين قد دخلوا السجون مراراً وتكراراً كالإصلاحي اللامع الأستاذ محمد سعيد الطيب، أو دخلوه مرة على الأقل من قبل كالأستاذ الأديب علي الدميني والدكتور عبدالله الحامد، فإن أكثر المعتقلين لم يتوقعوا أن يعطي وزير الداخلية أوامره باعتقالهم، وبالصورة المهينة التي جرت والتي تخالف مجرى الحراك السياسي العام في البلاد وما يناقش من إصلاح، خاصة وأنه جاء بعد يوم من إعلان تشكيل لجنة قيل أنها أهلية لحقوق الإنسان.

لم يتوقع هؤلاء في مجملهم الإعتقال، رغم استعدادهم له نفسياً، لأنهم كانوا يعتقدون أن الصدق في الموقف الذي أبدوه مع الحكومة سواء في مواجهة غائلة العنف ورفض التدخل الأجنبي والذي كان يظهر في العرائض او بدون مناسبات تستدعيه فعلاً: مثل عريضة مع في خندق الشرفاء، لا يمكن أن ينقلب ذلك الصدق بين ليلة وضحاها الى أداة اتهام بالعمالة للأجنبي، او تفتعل تهم تفتقد أبسط شروط المصداقية، كالقول بأنهم وضعوا أسماء أناس بدون علمهم على العرائض، ولا نعلم من هم، وهل شكوا هم بأنفسهم، لكن ما نعلمه أن وزارة الداخلية طلبت من بعض الأسماء الموقعة على العريضة الدستورية أن يسحبوا توقيعاتهم، وهذا ما حدث بالنسبة للأستاذ عبد الكريم الجهيمان الذي هددته وزارة الداخلية بالإيذاء إن لم يفعل، وقد كتب ـ كما قيل ـ خطاباً كان قد حمله وزير الداخلية أثناء اجتماعه الإنذاري ببعض الموقعين في 18 ديسمبر الماضي.

وحتى هذه اللعبة يمكن أن تكون مفهومة ومعتادة للطعن في الإصلاحيين، ولكن أن تستخدم كأداة اعتقال دون رغبة المنسحبين المهددين من الداخلية لاعتقال زملائهم، فهذا أمرٌ بشع شديد في سخريته، خاصة وأن أحداً منهم لم يرفع شكوى بالأمر، ونحن نعلم ظروف الإنسحاب وأسبابه. وفضلاً عن هذا، فإن من بين المعتقلين شخصيات لم توقع الوثيقة الدستورية مثار الجدل! فبأي تهمة يعتقلون؟ إنها تهمة التعريض (بالوحدة الوطنية) وهل غير آل سعود حماتها؟!

لقد افتقدت الاعتقالات الحدّ الأخلاقي الأدنى. كانت لعبة باطلة مكشوفة. فدعاة الوحدة الوطنية، ودعاة الإصلاح مع بقاء العائلة المالكة، أصبحوا أقرب ما يكونوا الى عملاء، وقد كان بعضهم بالأمس يدعون الى حضور المؤتمر الوطني الثاني للحوار في مكة المكرمة تحت غطاء أرفع شخصية في البلاد وهو ولي العهد! الغريب أن وزير الداخلية كرّر أكثر من مرة اتهاماً للأستاذ محمد سعيد طيب بأنه غير وطني، مرة في حضوره، في ديسمبر الماضي، ومرة أثناء اعتقاله في أواخر مارس، أما الدليل فهو أن الطيب كان ناصرياً ووقف مع عبد الناصر في الستينيات الميلادية، أي قبل أربعين عاماً فقط! ولأن المملكة كانت ضد عبد الناصر فأصبح كل من هو ناصري عدوٌ للسعودية بالضرورة، وإن كان مواطناً فهو غير وطني بالضرورة! ورغم أن أبا الشيماء كان قد سجن سنين طويلة بسبب (ناصريته) ورغم أن زمن عبد الناصر انتهى منذ خمس وثلاثين سنة، لازال نايف صاحب ذاكرة لا تنسى، ولازال يريد أن يكرر العقاب السعودي بحقه، بل لازال يعتبر أن تسمية الطيب لإبنه بعبد الناصر دليل على عدم الولاء لآل سعود ونظامهم السياسي!

لا توجد تهمة يعتقل بحقها الإصلاحيون، ولا يوجد قانون محدد يمكن لوزير الداخلية الركون إليه، فالسعودية بلد اللاقانون أصلاً. وكان لا بدّ على وزير الداخلية وقبله وزير الخارجية والمفتي أن يحبكوا إتهاماتهم، ويبيّنوا أية قوانين خالفها هؤلاء، ونحن على ثقة بأن شخصاً كوزير الداخلية لا تنقصه المزاعم والإتهامات، ويستطيع أن يلفق أي شيء لكنه لا يستطيع إقناعنا بمدعياته.

الأمر المقزّز في كل هذا، إن الإصلاحيين انساقوا وراء إحساسهم الوطني الصادق متصورين أن لعبة السياسة الملكية يمكن أن تنضبط ببعض القيود الأخلاقية. لكن ـ أكثرهم ـ كانوا من الواهمين. لا يلغي هذا حقيقة أن بعض الإصلاحيين كانوا ومنذ بضعة أشهر يعتقدون أن وزارة الداخلية ستدبر لهم أمراً، كحادث دهس بالسيارة، أو تلفيق تهم أخلاقية تطيح بسمعتهم، أما الإعتقال فكان آخر ما دار بخلدهم، لحسابات منطقية وواقعية للوضع الداخلي والخارجي.

يبدو أن هناك فائضاً من الجهل والصلافة والإستعلاء لدى وزير الداخلية يكفي لكل نظرائه المائة والخمسين في العالم ويزيد!