لقاء الأمير نايف مع نخبة من رجال الاصلاح

 معركة وطن وسلطة

 

الاجتماع الذي عقد يوم الاثنين في الثالث والعشرين من مارس الماضي بطلب من عدد من رجال الاصلاح من أكاديميين وناشطين سياسيين وحقوقيين في منزل مستشار وزير الداخلية الدكتور ساعد الحارثي، كان يمثّل مواجهة فاصلة بين الدولة والوطن. الدولة لا بوصفها منتجاً طبيعياً للوطن، بل بما هي إنعكاس للتسلط والهيمنة، والوطن بكونه الحاضنة الكبرى للقاطنين على ترابه، والمتعاقدين على بناء دولته، والشركاء في مصالحه وكربه.

 حضر اللقاء كل من: د. عبد العزيز الدخيل ـ وكيل وزارة المالية السابق، د. راشد المبارك ـ عضو الجمعية الوطنية لحقوق الانسان، د. خالد الدخيل ـ استاذ بجامعة الملك سعود، د. حمد الكنهل ـ استاذ بجامعة الملك سعود، عبد العزيز القاسم ـ محامي، د. مرزوق بن تنباك ـ استاذ بجامعة الملك سعود، د. صالح الرشيد ـ استاذ بجامعة الملك سعود، د. عبد الرحمن الحبيب ـ استاذ بجامعة الملك سعود، عبد العزيز الصالح ـ المدير التنفيذي لمستشفى الملك عبد العزيز التعليمي، د. عبد المحسن هلال ـ استاذ بجامعة الملك عبد العزيز، جعفر الشايب ـ رجل اعمال، حمد الحمدان ـ موظف بالبنك البريطاني، د. ابراهيم القعيد ـ عضو الجمعية الوطنية لحقوق الانسان، فايز صالح جمال ـ رجل اعمال.

كان موضوع اللقاء مخصصاً للتداول بشأن اعتقال الاصلاحيين: الاستاذ محمد سعيد الطيب، الدكتور متروك الفالح، الشيخ سليمان الرشودي، الدكتور عبد الله الحامد، الدكتور توفيق القصير، الاستاذ على الدميني، غير أن الاعتقال كان الإبرة التي فجّرت الأزمة الكبرى بين السلطة والوطن، الأمر الذي جعل النقاش ينبسط على مساحة الأزمة المستفحلة.

وبحجم الدهشة التي أصابت وزير الداخلية في اللقاء الذي جمعه مع دعاة الاصلاح بعد عريضة (الملكية الدستورية) أو (الاصلاح الدستوري أولاً)، والذي أظهر فيه دعاة الاصلاح صلابة في الموقف وحزماً في الرأي، وهو ما لم يكن يتوقعه الأمير نايف، فقد تكررت الدهشة المذهلة في اللقاء الثاني. فقد اعتاد الأخير على أن ينزل الرهبة فيمن يقابله، وأن يقطع الحكمة فيمن حوله بلجوئه الى لغة التهديد والتوعيد، ولكنه بلا شك اكتشف في اللقاء الأول بأن مفعول وسائله بات ضئيلاً أو معدوماً، فلم يسمح دعاة الاصلاح له بأن يكيل لهم الاتهامات وهم صامتون، فقد واجه رداً صلباً وجماعياً، ووجد أن (سلاح الوطنية) الذي أراد إشهاره في وجوههم قد تكسّر، كما تنبّه الى أن التلويح بالاعتقال لم يكن ذا تأثير شديد على نفوسهم، فقد أبلغوه رسالة واضحة بأنهم على استعداد للدخول الى السجن إن كان ذاك خياراً لا مفرّ منه.

في الاجتماع الثاني الذي ضم الاسماء المومأ اليها اعلاه، كان ثمة فارزة كبرى في الرؤية السياسية، فقد بدا واضحاً من كلمات المتحدثين بأنهم على وعي تام بعمق الأزمة وأبعادها وأفق الحل الافتراضي، كما بدا واضحاً أيضاً المنطلق الذي يؤسس لتلك الرؤية، فالجميع كان يتحدث عن وطن هم شركاء أصيلين فيه، ومسؤولين عن بنائه والدفاع عن أبنائه، ومعنيين بإصلاحه. في المقابل كان الامير نايف يتحدث عن دولة تمثّل بكل ما فيها وعليها إرثاً عائلياً وحقاً تاريخياً وحصرياً لعائلة آل سعود.

 مرافعة الوطن

 بعد أن شكر الدكتور الحارثي مستشار وزير الداخلية الامير نايف على قبوله الدعوة بالحضور للاجتماع بثلة من رجال الوطن، جاءت لحظة الإفصاح والمرافعة عن الوطن أمام الدولة الممثلة في وزير الداخلية، وفيما يلي تلخيص لما جاء في كلمات الوطن:

بدأ الدكتور عبد العزيز الدخيل بالحديث عن (دور الأمل) في تنمية المجتمع ونشاطيته، والمضاد العكسي الذي يفضي الى تراجع الافراد، بما يولّد ردي فعل متعاكسين: الانكفاء على الذات، كنتيجة للاحباط النفسي بما يؤول الى تعطّل الطاقات وتوقف النشاط والفاعلية، والثاني الانزلاق نحو التشدد والتطرف. ويذكّر الدكتور الدخيل بأن كان الامل يحدو الناس بمسيرة الاصلاح التي تبنتها القيادة السياسية (إشارة الى ولي العهد) وتفاعل معها الجميع، ولكن ما حدث أخيرا من اعتقال مجموعة من نخبة المجتمع، أصاب الكثيرين بخيبة أمل وجعلهم يشككون في مشروع الاصلاح. وأكد على أن هؤلاء الاشخاص معروفون بوطنيتهم وصدقهم وعلنيتهم في العمل واتجاههم السلمي، مطالبا بالسعي للإفراج عنهم.

وقد كانت تلك فاتحة الكلمات التي انطلقت بوتيرة موحدة في توجيه رسالة احتجاجية هادئة الى الأمير نايف الذي جاء محمّلاً برسالة واضحة الى المجموعة. فقد أعاد صالح فايز جمال التأكيد على دور الأمل الذي تعرّض له الدكتور الدخيل، وذكر بأنه كتب مقالاً بعنوان (وتكسّرت الأقلام) في مرحلة ما عندما تم منعه من الكتابة، ولكنه عاد فاستعاد أمله بالتغيير وعاود نشاطه، مؤكداً على أهمية وجود الأمل في المجتمع.

تحدث الدكتور راشد المبارك بلغة تقويمية نقدية، شعوراً منه بالحرج الشديد مما حدث بعد تعيينه عضواً في الجمعية الوطنية لحقوق الانسان، حيث حذّر ضمنياًَ من الاتجاه القائم على الاعتقال والاستجواب ـ بغض النظر عن الأشخاص ـ لكونه لا يتناسب مع ظروف هذه المرحلة الحساسة ولتناقضه مع توجه الدولة في تأسيس الجمعية الوطنية لحقوق الانسان، واستغرب من إشادة مجلس الوزراء بالموافقة على إنشائها مساء الاثنين، ثم يعقب ذلك (أي صباح الثلاثاء) حملة الإعتقالات مما يعد تجاوزا واضحا لحقوقهم، وإحراجاً لهم في قضية يعتبرون أنفسهم مسؤولين عن تبنيها، حفاظاً على مصداقية اللجنة، وتحقيقاً للاغراض التي أنشئت من أجلها.

أثارت كلمة دكتور راشد المبارك شجون د. حمد الكنهل (أحد المعتقلين الذين تم الافراج عنهم) فقام بتسليط الضوء على تجربة إعتقاله وكان يرأس أحد الاجتماعات في الجامعة، حين اقتحم رجال المباحث صالة الاجتماع، ولم يسمحوا له حتى مجرد الاستئذان من المجتمعين.. ثم تحدث بمرارة عن الأسلوب الإستفزازي الذي اتبعه رجال المباحث حيث أجبروه على التوقيع على تعهد وطلبوا منه بعد ذلك قراءته وهم يصورونه بكاميرا الفيديو بغرض إيهامه بأن ذلك سيذاع في التلفزيون فيكون مثل المجرمين كالأجانب الذين ظهروا على شاشة التلفزيون وهم يدلون باعترافات بجرائمهم.

وعقب حمد الحمدان على كلمة الكنهدل بالحديث عن الحريات العامة وأهميتها في المجتمع وكونها من ركائز الاستقرار من خلال تسليط الضوء على نماذج من الدول التي شهدت انتعاشاً في مجال الحريات العامة، ومؤكداً على أن مثل هذه الاعتقالات تعزز توجه التشدد والقمع.

وكان لكلمة د. عبد المحسن هلال منحى خاصاً حيث بدأ بتذكير الأمير بالإجتماع الأخير في وزارة الداخلية (والذي ضم 20 شخصاً من موقعي عريضة الملكية الدستورية حيث تضمن الاجتماع تبادل إتهامات وتهديدات) قائلا بأن الأمير كان وقتها غاضبا وشديداً عكس ما هو عليه الآن، وقاطعه الأمير نايف بالنفي قائلاً بأن على العكس من ذلك بأن (البعض اتهمني بأنني كنت ليّناً)!! ثم أكمل د. هلال بأن نهاية ذلك الإجتماع كانت إيجابية، وانتهى بحوار شفاف وودّي. وأشار د. هلال في مداخلته الى ان الإصلاحيين ليس لديهم ما يخفونه فكل عملهم مكشوف، ولم تتم الاشارة لا من بعيد أو قريب الى ان الأعمال التي يقومون بها ممنوعة من قبل السلطة، كما أن التهم التي وجهت إليهم ليست في مكانها الصحيح وخاصة بيانات الدولة وتصريح المفتي.

وتحدث د. عبد الرحمن الحبيب عن تجربته الشخصية بأنه لم يكن مشغولاً بالشأن العام، بل كان مكرّساً جهده ووقته لعمله ومختبره في الجامعة، ولكن أحداث 11 سبتمبر دفعته من باب الغيرة على الوطن للمشاركة في الشأن العام عبر البيانات وغيرها، واذا كان الإعتقال هو النتيجة النهائية والوسيلة السائدة في المملكة، فمثله وأمثاله سيعودون الى معاملهم ويتركون المشاركة في هذه الأنشطة مما يعني فقدان الأمل لديهم بالاصلاح.

أما د . صالح الرشيد فتحدث عن أهمية التعامل بالحسنى مع الناس والحلم معهم والتجاوز عن الاساءات، وأشار الى أن ذلك هو السبيل الحسن في علاج المشكلات التي تشهدها البلاد.

وتحدث عبد العزيز القاسم عن الإصلاح بالمعنى الشامل وأن ليس المقصود به القيادة ورؤوس الدولة، بل الادارات التشغيلية التي لها تماس مباشر مع المواطنين، والتي هي أعجز من أن تلبي حاجاتهم وتتطور حسب الظروف القائمة، وذكر أمثلة على الجهاز القضائي والعجز الذي يعانيه وسبل تطويره ضمن مشروع إصلاحي. ثم خصص الجزء الأخير من حديثه عن المعتقلين وأهمية الإفراج عنهم وسيادة القانون في البلد.

وكرّس د. خالد الدخيل كلمته للتأكيد على العلاقة الوطيدة والحوار بين مختلف الأطراف وخاصة القيادة والنخب السياسية في البلاد، مشدداً على أن الخلاف يجب ان لا يتحول الى نزاع سياسي، فقد يكون هنالك إختلاف في وجهات النظر حول عمل أو مشروع أو موقف سياسي، ولكن ذلك كله يجب أن لا يقودنا الى حالة صدامية يفقد الحوار موقعه ومكانه، ويتحول الى صدام ومعركة مفتوحة. وأكد على ان ما جاء في هذه البيانات، التي أشار الى أنه شارك في كتابة بعضها والتوقيع عليها، تقع ضمن الأطر والثوابت الأساسية: وهي الدين والوحدة الوطنية والولاء للقيادة.

وربط جعفر الشايب، بين أحداث الحادي عشر من سبتمبر والتحوّل الداخلي، وقال بأنه بعد تلك الأحداث شعر المواطنون بأنهم أصبحوا شركاء في مشروع الإصلاح مع القيادة، حيث انهم كانوا يتدارسون المشاكل والمصاعب التي تمرّ بها البلاد ويقدمونها للمسؤولين، وكانت هنالك شراكة حقيقية في تعميق التلاحم الوطني بين جميع النخب الوطنية ضمن أطر وطنية شاملة. ولكن الإعتقالات الأخيرة سببت شرخاً في هذا المشروع، وقدّمت هديّة مجانية لمن يريد السوء بالبلاد من الخارج وأعطت رسالة تأييد لمشروع التشدّد المنادي بعدم جدوائية الإصلاح.

وشدّد د. مرزوق بن تنباك على ضرورة الإنفتاح على مختلف الشرائح الاجتماعية في الوطن وتجاوز احتكار السلطة وتركيزها في مجموعة محدودة من نجد والحجاز، بينما تعج المملكة بالعديد من الكفاءات الجيدة، ممثلا باستبعاد قبائل البدو عن السلطة وإبقائها بيد حوالي 400 شخص فقط هم المحور الاساسي الفاعل في تعيين كبار موظفي الدولة.  

 

رد الدولة

 

بالرغم من أن الأمير نايف بدا وكأنه رابط الجأش، شديد الحرص على الإستماع لكلمات الضيوف ووجهات نظرهم في قرار الإعتقال التعسفي الذي أصدره في حق ثلة من مصلحي الوطن، الا أنه جاء مسلّحاً برسالة ملتهبة تشتمل على جوانب عدة. ولعل أول إشارة في الرسالة كانت إبلاغه الحضور بأن ما ينقله لهم هو موقف القيادة (ويقصد بالتحديد الأمير عبد الله والامير سلطان) وأن كلامه يمثل وجهات نظرهما أيضا، وبالتالي فهو ينقل ما أجمعت عليه العائلة المالكة.

بدأ نايف حديثه في تأكيد الحق التاريخي للعائلة المالكة، حيث أمضى وقتاً طويلاً في تقديم محاضرة حول تأسيس الدولة السعودية (الاولى والثانية والثالثة) بكل التفاصيل الدقيقة ولمدة لا تقل عن نصف ساعة، وأسهب في الحديث عن قيام الدولة على يد الملك عبد العزيز الذي عمل لحوالي ثلاثين سنة لتكريس هذا الكيان وتأسيسه بتأييد من الله، ولم يكن معه حينها لا مساعدة خارجية ولا دعم شعبي، فلا منّة لأحد في قيام هذه الدولة، كما قال نايف، بل المنّة لله وحده الذي أيّدها، وستظل قائمة ومنصورة الى ان يشاء الله، على الرغم من تأثير القوى المعادية في الداخل والخارج، وقد ذكر الأمير نايف بصورة تفصيلية جميع المعلومات المتصلة بهذه الاحداث بالارقام واسماء الاشخاص.. وأراد بهذه المحاضرة تذكير الحضور بأن الدولة التي يريدون إصلاحها ليس لهم نصيب في قيامها، وبالتالي ليس لهم نصيب في مقدّراتها وقراراتها.

تحدث أيضاً وبصورة تفصيلية عن إستمرار الحكم بيد الأسرة والتفافها حول القيادة على رغم المصاعب التي مرت بالبلاد، وكان أفراد الأسرة المالكة جميعا جنودا مطيعين لولي الأمر، متعرّضاً الى من جاء بعد الملك عبد العزيز كسعود (الذي كان فيصل يقدّم له حذاءه) وتدخل العلماء لتصحيح ما وجدوه من مشاكل لدى سعود، وبعده جاء فيصل وخالد وفهد الذي سلّم المسئولية الى عبد الله حاليا، وأضاف نايف بأن الجميع يدينون بالولاء له وهم له جنود وخدم. فولاية الأمر ـ كما يقول ـ ليست لمجموعة او لأسرة وإنما هي لشخص واحد يتفق عليه المسلمون، وله بذلك حق الطاعة وتعيين القضاة وإدارة البلاد. وقول الأمير نايف هنا يختلط فيه الحق التاريخي بالمشروعية الدينية حيث تتموضع الدولة السعودية وتستمد مقوّم استمرارها وديمومتها.

ومن غريب القول في كلمة الأمير نايف أن يحسب ما قام به دعاة الإصلاح من مبادرات وعرائض تستهدف الصراع على السلطة، حيث أطلق تهديداً ضمنياً بأن من يسعى لمنافسة ولي الامر ـ مهما كانت هذه الجهة ـ فلن يتم التساهل معه، بل ستتم مواجهته لأن هذا الموضوع تكليف إلهي، ودفاع عن العقيدة والشرع، ولا يمكن الحوار والنقاش مع مثل هؤلاء، في إشارة الى دعاة الاصلاح في البلاد بمن فيهم المعتقلين في عليشة. ثم تحدث عن المصاعب والتحديات التي مرّت بها المملكة داخلياً وخارجياً وكيف استطاعت أن تواجهها بالاتكال على الله وبالاستناد على الشرعية الدينية. فقد تحدث عن أزمة احتلال الحرم عام 1979 وكذلك أحداث القصيم ـ حيث أنه كان مسؤولا مباشرة عنهما ـ ولم يمكن التعامل معها الا بالسيف والمواجهة، كما قال نايف.

أعقب نايف حديثه ذاك بالتعريض بالمجموعة الإصلاحية التي تم اعتقالها، فقلّل من شأنهم أولاً، فهم، حسب رأيه، لا يمثلون نخبة مميزة ـ كما ادّعى الحضور ـ وان هنالك مثلهم بالآلاف في المملكة من أساتذة الجامعات والمثقفين، وأن مشروعهم جاء مرتبطاً بالدعوة الأمريكية للإصلاح، متسائلا: أين كانوا طوال الفترة الماضية ولماذا بدأوا في تحركهم الآن؟ وليس من قبل أو بعد المبادرة الاميركية؟ فهم قد عرفوا الظروف التي تمرّ بها البلاد من هجمات ارهابية ومواجهة مع العناصر الارهابية، فاستغلوا الفرصة للإعلان عن مشاريع لا تخدم المملكة.

بالطبع فإن في كلام الامير نايف الكثير من المغالطات الفاضحة.. فالتحرك الاصلاحي بدأ قبل الدعوة الاميركية بشهور عديدة، وإذا كان النشاط الاصلاحي يؤرخ له من خلال العرائض فإن أول وثيقة صدرت كانت في يناير عام 2003 بعنوان (رؤية لحاضر الوطن ومستقبله) وقد حظيت بدعم شعبي واسع النطاق ومثّلت اتفاق الطيف السياسي والاجتماعي في البلاد، قبل أن تشرع الادارة الاميركية في طرح مبادراتها. أضف الى ذلك أن النشاط الاصلاحي بدأ بعد أن صدرت مبادرة ولي العهد التي طرحت في قمة بيروت قبل سنتين بإصلاح البيت العربي والتي تضمّنت موضوع الاصلاح السياسي، الى جانب الوعود الاصلاحية التي أطلقها الأمير عبد الله في مناسبات عديدة وفي لقاءاته مع من يقبعون خلف قضبان عليشة. وكون الأمير نايف قد أعاد تفسير مبادرة الأمير عبد الله نافياً أن تكون تضمنت بُعد الاصلاح السياسي، فذاك كان إسقاطاً متأخراً. علاوة على ذلك، فإن البلاد من شرقها لغربها كانت تشهد مناخاً إصلاحياً عكس نفسه في تصريحات المسؤولين، والصحافة المحلية، وبيانات الدولة، وآخرها توصيات مؤتمر الحوار الوطني الثاني، فهل هؤلاء جميعاً كانوا واقعين تحت تأثير الدعوة الأميركية؟!

تساءل الأمير نايف: ما هو الإصلاح الذي يريدون؟ هل نحن فاسدون حتى نحتاج الى إصلاح؟ لم يكن الغرض من الاسئلة هذه العثور على إجابات بل أراد بها إبلاغ الحضور بأن: مصيرهم سيكون الى القضاء اذا لم يوقعوا على التعهدات المطلوبة منهم، وقد تم الافراج عمن وقع على التعهد.

ومما يثير الغرابة أن يتوسّل الامير نايف بتهمة رجال الاصلاح بالعمالة لأميركا لإلهاء الحضور عن حقيقة معاهدات الدفاع الاستراتيجي بين حكومته والولايات المتحدة، ليقول بأنهم ـ أي دعاة الاصلاح المعتقلين ـ اذا كانوا يراهنون على الامريكان، فقد أثبت الامريكان بأنهم لايستطيعون قول أي شيء، وحتى عندما جاء وزير خارجيتهم ـ يقول نايف ـ لم يجرؤ على إثارة الموضوع مع الأمير عبد الله، بل تحدث مع وزير الخارجية الذي رد عليه رداً مفحماً، كما يقول نايف.

وهنا بدت وتيرة الانفعال تأخذ مسارها في لغة الأمير نايف الذي لم يعد قادراً على إخفاء مشاعر الغضب ضد التيار الاصلاحي الوطني. فقد حاول ان يسلب عن دعاة الاصلاح ما هو ثابت فيهم من مشاعر وطنية صادقة، ونزاهة سياسية، وعلنيّة مخلصة، لاجئاً بيأس الى تلطيخ سمعة المعتقلين بعد أن أعيته الحيلة في رد مطالبهم العادلة والوطنية بإمتياز.

ففي سياق انفعاليته المكشوفة حينذاك وحديثه المتشنج والمليء بالتهديد والوعيد، قال للحضور: لقد تمّ ذكر أحداث 11 سبتمبر عدة مرات خلال الكلام، وأضاف: نحن مالنا وهذا الموضوع، فهو لا يهمنا لا من بعيد ولا من قريب، فهذه الأحداث كلها من صنيعة الصهيونية والأمريكان، ولا يمكن أن نصدّق بأن 15 سعودياً يقومون بمثل ذلك العمل. إنهم لايستطيعون ان يقودوا دراجة فكيف بهم يقودون أربع طائرات في وقت واحد وبهذه المهارة والدقة؟ ونحن نعرف أن بن لادن والظواهري هم عملاء للمخابرات الامريكية، وتاريخهم لدينا معروف، ولما أرادوا أن يتخلصوا منهما جعلوا منهما أشخاصا كبارا.

ثم أردف عائداً للحديث عن العرائض الاصلاحية التي تم تقديمها لولي العهد، فتوقف عند عريضة (الملكية الدستورية) قائلا بأنها تريد أن تجعل من ولي الامر عاجزاً ومقيداً، فالامير عبد الله سيكون صفراً على الشمال، ليس عنده قرار، مثله مثل ملكة بريطانيا أو بلجيكا. وهذا أمر مرفوض من أصله لأنه مرتبط بديننا وبالشرع الإسلامي.

حينئذ تدخل أحدهم للرد على هذه النقطة بالتحديد، فقال بأن ما ورد في هذه الوثائق نعرفه تماما حيث شاركنا في كتابتها والتوقيع عليها ولا تستهدف الإنقاص من دور القيادة، وهنا رد الأمير نايف بانفعال واضح المعالم، وخاطب من رد عليه بأنكم لم تفهموا ما فيها، وطالبهم قائلاً: عودوا اليها واقرأوها، وستجدون انها تريد ان تسحب البساط من القيادة. وتساءل: ثم من هم هؤلاء الذين ينادون بالاصلاح؟

وهنا وجد مناسبة للتذكير بما دار في لقائه مع روّاد عريضة (الملكية الدستورية) وقال: لقد تحدثت معهم من قبل في إجتماع في وزارة الداخلية، وحذّرتهم من هذه الأعمال، وقلت لهم بأن هذه أوامر الأمير عبد الله، ولكن بعضهم صار يشكك ويسأل عن سبب سجنه عندما أسس لجنة لحقوق الإنسان قبل 10 سنوات، فيما نحن نؤسس لجنة الآن، فقلت له نعم نسجن من لم يعمل بأنظمة الدولة، فاللجنة تلك لم تكن مرخّصة. ومضى نايف قائلاً: أو الآخر عندما ضرب مثلا من أيام الصحابة فقلت له أنك لست مثلهم، فيرد علي بأنني لست مثل الرسول، هل يعقل ان يقال مثل هذا الكلام؟ وذلك الطيب الناصري الذي يدّعي الوطنية ويستقبل القنصل الامريكي في منزله للتباحث في شؤون داخلية. اذا كان وطنيا فلماذا يساند عبد الناصر أيام حربه ضد المملكة؟ وأضاف نايف: لقد عاتبت الأمير عبد العزيز بن فهد عندما زاره ـ أي زار الطيب ـ في بيته، كيف يزوه وهو إبن الملك فهد، ورئيس ديوان مجلس الوزراء؟ فهذا يرفع من قدر الطيب.

ووفاءاً منا للحقيقة فإننا نضيف هنا ما قرره الأمير نايف في الاجتماع، فقد قال بأن الكلام الذي يقوله ـ في الاجتماع ـ لا مانع لديه من نقله للآخرين فهو كلام القيادة، والدولة لن تدخر وسعا في مواجهة أي طرف يخالفها ويخالف الأنظمة.

وعندما أشار الى البيانات التي صدرت بعد عريضة (الملكية الدستورية)، تم التوضيح له بأن هذه الجماعة لم تصدر أي بيان بعد ذلك، فأكد ـ دونما دليل ـ بأنهم أصدروا بيانات ولازالوا كذلك، ودخل الجميع معه في نقاش بيزنطي شارحين البيانات التي صدرت وخاصة (معا نحو الاصلاح) الذي وقع عليه اكثر من 800 شخص، وانه جاء بعد إشارة من بعض المقربين من الامير عبد الله بحاجته الى الدعم بعد الحوار الثاني في مكة، فردّ غاضباً: صدرت عدة بيانات قد لا تعرفونها والأمير عبد الله لا يحتاج الى دعم من آخرين.

حاول عبد المحسن هلال الرد على الإتهامات الموجهة الى الأستاذ محمد سعيد الطيب، وبخاصة فيما يتعلق منها بزيارة القنصل الأمريكي، فرد قائلاً: لم يستقبلها في منزله، ويتحدث معها حول قضايا داخلية، اننا نعرف اين يلتقي الأمريكان ومع من؟ ونعرف ما يدور من حديث معهم. ثم رد الأمير نايف بانفعال أيضاً: كل واحد عمل له ثلوثية وربوعية وغيرها وجاب له أجانب، لماذا كل هذا؟ ثم لماذا يتنافسون على الظهور على الفضائيات واستعراض العضلات فيها؟ هل هذا فيه خدمة للوطن؟ عندما يرون وطنهم مهددا من قبل الإرهابيين، نراهم يقومون بهذا العمل.

وبطبيعة الحال، فإن تفسير الأمير لمثل هذه النشاطات ينطلق من ذات العقيدة القائمة على تحويل المواطنين الى رجال أمن لحماية السلطة، وأبواق إعلامية في خدمة العائلة المالكة، واغفال حقيقة انعدام الحريات العامة التي تسمح للمواطنين بالبوح بمطالبهم الإصلاحية العادلة، أو حقيقة وجود أزمة شاملة تشهدها الدولة منذ سنوات طويلة كالتي حدّدتها العرائض الاصلاحية بوضوح شديد واعترفت بها القيادة السياسية وبخاصة الامير عبد الله.

لقد سعى الجميع الى توضيح بعض القضايا التي من الواضح أن هنالك سوء فهم فيها من طرف الامير، ولكن فيما يبدو فإن الأمير نايف كان قد حسم رأيه وجاء لإبلاغ رسالة قوية للحضور، ولم يكن لديه مانع من نقلها عبرهم للآخرين، وبالتحديد حول الحد من الأنشطة الإصلاحية والتوقف عنها.

لم يسفر الإجتماع عن نتيجة حاسمة، فقد بدا واضحاً التعارض الشديد بين نموذجي الوطن والسلطة، فبينما أراد الحضور تقديم العون والنصيحة للأمير نايف من أجل تسوية المعضلة الأمنية التي صنعها قرار تعسفي باعتقال دعاة الاصلاح، فإن الامير نايف جاء محمّلاً بدعوى الاجماع العائلي على إبلاغ رسالة السلطة الى التيار الاصلاحي الوطني والى الغالبية العظمى من الشعب التي تنتظر بدء مسيرة الاصلاح الشامل والفوري. فقد أبلغ الامير نايف الحضور رسالة واضحة مفادها أن العائلة المالكة ضد الاصلاح السياسي كونه يتنافى ويصطدم مع حقها التاريخي في احتكار السلطة بصورة مؤبّدة، وأن دعاة الاصلاح خصوم مباشرون وسيتم التعامل معهم على هذا الاساس بالسيف والقوة. وبهذه الرسالة يكون الأمير نايف قد حدد معادلة الاصلاح: بأن هذه الدولة قامت على السيف وأن من له سيف فليشهره!