نـكـسـة سـعـوديـة

 مي يماني

 انهارت حملة العلاقات العامة المكثفة التي أطلقتها السعودية اخيراً بهدف إقناع غرب مشكّك برؤيتها عن الاصلاح السياسي، وذلك بعد موجة التوقيفات التي شملت مفكرين بارزين.

اربعة اعضاء ينتمون الى مجلس الشورى السعودي المروَّج له، هو بمثابة برلمان جنيني، أرسلوا اذاً الى لندن للتحدث بحماسة عن مآثر بلادهم الاصلاحية. استقبلهم السياسيون بحفاوة وأعارهم الصحافيون المحليون آذاناً صاغية. لكن لم يمضِ وقت طويل على عودتهم الى ديارهم حتى أجهضت السلطات المساعي الخادعة التي أطلقتها بنفسها. وفي حملة تمشيط شملت خمس مدن يوم الثلثاء الماضي (16 مارس) وهي جدة والرياض والظهران والقطيف والدمام، اعتقلت الشرطة السعودية 13 ليبرالياً وأكاديمياً بارزاً، وقد أوقف أحدهم بطريقة مذلّة اثناء القائه محاضرة في الجامعة وكُبّلت يداه امام طلابه. كان كل المعتقلين قد طالبوا الحكومة بتحقيق اصلاحات، لكنهم أعلنوا بأمانة ولاءهم للدولة. وعقد العديدون منهم لقاءات وجهاً لوجه مع ولي العهد الامير عبدالله. والأهم من ذلك أنهم كانوا يمثّلون الجهة المعتدلة في المجتمع السعودي التي كان من شأنها ان تساعد العائلة المالكة على إدخال الاصلاحات التي تدّعي أنها تريد تطبيقها، الامر الذي كان ليضع حداً للعنف الارهابي المتصاعد.

لاحقاً، أطلق سراح سبعة من المعتقلين بعد أن تعهدوا بعدم المطالبة بالاصلاح او التحدّث مع الصحافيين. ورفض الآخرون التعاون بدون وجود محامين لتمثيلهم.

بتوقيف اشخاص معتدلين ومحترمين جداً، فضحت الحكومة زيَف مزاعمها حول دفع العملية السياسية قدماً، ووعودها بإرساء مجتمع أكثر انفتاحاً، ورغبتها في تأدية دور فاعل في الهيئات العالمية مثل منظمة التجارة الدولية.

جاءت التوقيفات بعد اسبوع واحد فقط من اعلان الحكومة السعودية تشكيل اللجنة الوطنية لحقوق الانسان، ومن المرتقب ان يسافر اعضاؤها الى جنيف ليشرحوا دورهم الجديد امام لجنة الأمم المتحدة لحقوق الانسان. لكن سيكون لديهم الآن شروحات كثيرة ليقوموا بها.

وكان بين المعتقلين متروك الفالح، وهو محاضر سابق في جامعة الملك سعود في الرياض، وقد صُرف من العمل بعد كتابة مقال شدّد فيه على ضرورة اجراء اصلاحات فورية بعد هجمات الحادي عشر من ايلول التي شارك فيها 15 سعودياً من اصل 19 منفذاً لهذه العمليات. ومن المعتقلين ايضاً محمد سعيد طيّب، وهو محامٍ وناشر، وكان قد سُجن قبل سنتين لأنه تجرّأ وكتب رسالة انتقد فيها مجلس الشورى الذي لقي اعضاؤه ترحيباً حاراً قبل اسبوعين في لندن. بعد ان ندّد ناطق باسم وزارة الخارجية الاميركية بالتوقيفات الاسبوع الماضي معتبراً أنها (لا تتلاءم مع التقدم الذي يتطلّع اليه الاشخاص الراغبون في الاصلاح)، أصرّت السلطات السعودية على أنها مسألة داخلية. وفي عطلة الاسبوع، قال وزير الخارجية السعودي، سعود الفيصل، لنظيره الاميركي، كولن باول، إن السعودية ستتدبّر شؤونها بدون تدخّل خارجي.

حتى الآن، لم تلمّح السلطات الى اتهامات معينة. وتشير التكهنات الى أن الموقوفين أغضبوا العائلة المالكة عندما طالبوا بلجنة منفصلة لحقوق الانسان تكون مستقلّة عن الحكومة. والاسوأ من ذلك أنهم طالبوا كتابة بملكية دستورية في السعودية، مما وضعهم في حالة تصادم مع وزير الداخلية المتشدّد، الامير نايف. لكن التوقيفات تحمل ناحية اخرى تدعو الى القلق. فهي تشير الى انقسام جدي داخل العائلة المالكة، التي كان اصلاحيوها، بقيادة الامير عبدالله، مستعدين لتقبّل الانتقاد ونجحوا لبعض الوقت في حماية النقاد. لكن الوضع تغيّر الآن (...) والرسالة الجديدة واضحة: لا مكان في الحوار الوطني السعودي للاسلاميين المعتدلين والليبراليين.

لكن مجموعة واحدة على الاقل سترحّب بالتوقيفات. فالمؤسسة الدينية الوهابية، التي تصدر فتاوى بالجملة عبر الانترنت وتروّج لعقائد متشدّدة ضد الغرب، ستعتبر الخطوة تحرّكاً ضرورياً لتنظيف الداخل والتخلّص من أي مفهوم معد للديموقراطية. هذا وحده كافٍ ليحمل الغرب على القيام بوقفة تفكير. فالكلام الغربي عن نشر الديموقراطية في العالم العربي هو الذي شجّع اولئك المعتقلين في السعودية على التحرك. أرادوا ان يدفعوا العملية قدماً. ربما ظنّوا ايضاً ان الخطة الاميركية لنشر الديموقراطية في الشرق الاوسط الاكبر قد تمنحهم بعض الحماية داخل بلادهم.

بينما يستعدّ وزراء وقادة مجموعة الدول الصناعية الثماني للنظر في المسودة الاميركية في القمة التي سيعقدونها في حزيران المقبل، يجب أن يفكّروا ملياً في التوقيفات التي شهدتها السعودية، وفي درجة الثقة التي يجب أن يمحضوها لوعود الاصلاح التي اطلقتها الحكومة السعودية.

 

عن: انترناشونال هيرالد تريبيون ـ 23/3/2004