ثوابت الوطنية أم ثوابت وزارة الداخلية؟

الإنتهازيون وصيادو فرص الإعتقالات

 محمد الجامد

 كتب محسن العواجي مقالاً في جريدة المدينة في الخامس من صفر 1425هـ، بدا فيه منافحاً عن الحكومة، مدافعاً عن مبرراتها في إعتقال من يدّعي أنهم زملاءه الإصلاحيين. وفي وقت الإعتقالات كتب مبشّراً بفتح إصلاحي عظيم!

افتتح العواجي مقاله عن (ثوابت الإصلاح) بقوله: (لقد تجاوزنا بحمد الله مرحلة الحديث المجرد والتنظير عن الإصلاح... واقتربنا من الخطوات العملية المأمولة التي تنتظر العزيمة الصادقة من الجميع والقرار الشجاع ممن يملكونه بحكمة وبصيرة). ثم راح يبرر التباطؤ في الإصلاحات بقوله: (ومهما قيل عن تباطؤ الإصلاح الداخلي فالفأل خير لنا من اليأس... فالخلاف حول الأفكار أقل ضررا من خلافنا العملي فيما بعد لا سمح الله). وتحدث عن ضرورة الإلتزام بمسلمات الفكر الوهابي كأساس للإجماع الوطني، وتحدث والإعتقالات لم تمض عليها سوى أيام عن (ضرورة تمحيص الصف وتنقيته من الدخلاء المندسين فليس كل مدع للإصلاح مصلحا) في إشارة منه الى أن من اعتقلوا ليسوا إصلاحيين وإن ادّعوا ذلك. وهو بهذا القول يؤيد اعتقالهم والتنكيل بهم.

ثم تحدث الوسطي! الفذّ عن إصلاح على قياس فهمه وفكره الذي ينتمي إليه. فحدد الهوية الإسلامية للإصلاح، وهو يقصد الهوية السلفية، وحدد المرجعية التفسيرية له، وكأن الإصلاحيين ليسوا مسلمين في الأساس! وحين يحدد إسلامية الإصلاح، فإنه يحدد نفسه كأهم رمز له! ثم هاجم ما أسماه (كل تسلل علماني دخيل) وهو اتهام ما فتئ أمثاله من المتطرفين رمي الآخر به، ممن سبق العواجي في العمل الوطني الإصلاحي بعقود. مع أن العواجي وهو ممن وقع الوثيقة الدستورية لم يعتقل مثل البقية! ولا نفهم سبباً لذلك، إلا لأنه قريب من الداخلية وأحد المحرضين على الإصلاحيين المختلفين معه في الفكر والرؤية، في حين يصر على احتكار الحقيقة والدعوة الى الإصلاح، وهو لم ينبت ريشه بعد!

ومن ثوابت الإصلاح ـ حسب قوله ـ (رفض العمالة الأجنبية والاتصال بالقوى الخارجية خاصة الصليبية منها وترويج شعاراتها المرفوضة داخليا تحت أي مبرر). وكأن العمالة إصلاح، ولكنه يرمي اتهاماً واضحاً لمن اعتقلوا ولمن يخالفونه في الرأي بأنهم عملاء، وهو اتهام الحكومة ووزارة الداخلية نفسها، ونحن نعلم كذب العواجي وكذب وزير الداخلية. ولا يستطيع العواجي أن يزايد على وطنية الآخرين وإخلاصهم.

ومضى العواجي ينسج على منوال اتهامات وزارة الداخلية بأن من اعتقلوا هددوا الوحدة الوطنية! فراح يزايد على المعتقلين وفيهم من الإسلاميين المعتدلين (ولكنهم من المنافسين له) فقال: (الحذر من أية دعوى تهدد وحدة المجتمع تحت مسمى الإصلاح). وهو كلام حق يراد به باطل، خاصة حين يدعو الى البعد عن مواطن الحساسية الإقليمية والمذهبية والعرقية، ونحن نعلم أنه غائص فيها، ومن أراد فليراجع كتابات العواجي في منتداه الوسطية وكيف أنه يغوص فيها غوصاً بدون ترفق ولا عقلانية.

ومن ثوابت العواجي دفاعه عن العائلة المالكة فأكد على (خطورة القفز على المكتسبات الجماعية وغمط الناس حقهم والتقليل من دورهم وسلب المنجزات العامة لصالح جهة ما كتوظيف شعار الإصلاح لنيل مكاسب ذاتية) وهو في هذا يرمي باتهامات جديدة لم تتلفت لها وزارة الداخلية ضد الإصلاحيين، مبعداً عن نفسه ذات الإتهامات التي توجه إليه من المحيط الذي يعيش فيه. وكأنه يردد المثل العربي: رمتني بدائها وانسلّت!

وهناك توصيات وعظية أخرى قال انها ثوابته في الإصلاح لا نحتاج الى مناقشتها. فالكتاب يفهم من عنوانه.

لا يوجد اصلاح حتى توجد ثوابت له. لقد خرقت الإعتقالات كل الثوابت، ولم يبق إلا الإنتهازيون الذين خليت لهم الساحة يصفقون فرحين بما جرى. حتى ثابت العائلة المالكة والعمل السلمي لا يبدو ان قسماً من المواطنين سيقتنعون بهما بعد الإعتقالات. العنف والتدخل الأجنبي فتحت بوابتاهما وشرعنتا.

ما يقوله العواجي انتهازية واصطفاف مع وزير الداخلية.

هكذا الوسطية وإلا فلا!

بدل ان يقول كلمة حق تدافع عن زملائه المعتقلين! جاء الباطل يركض على رجليه.

من يدري.. ربما كان هناك تنسيقاً بين الداخلية وأمثال العواجي. هذا ليس مستبعداً بعد أن قرأنا الإنتهازية بأبشع صورها! ولا غرو ان يفسح الطريق لنشر هذا الكلام في الصحافة المحلية لأنه يخدم السلطة.

بالأمس كان العواجي يطير مع الحوالي للقاء الطيب في جدة. وتحمل الطيب، النقد من الآخرين، ولكن يبدو ان المشروع السلفي بنسخته العواجية الإنتهازية لا بد ان يعود الى احضان السلطة. ربما وعدتهما الداخلية وهما فهما ان ضرب الإصلاحيين يترك الساحة لأمثالهما.

ما أقبح الإنتهازية، وما أقبح الدين حين يستخدم في غير أغراضه!