في الموقف الأميركي من الإعتقالات

 عبد الله المسلم

 الموقف الأميركي الملتبس تجاه الإعتقالات في السعودية يطرح عدّة أسئلة: هل الولايات المتحدة مستعدة للضغط على الأمراء السعوديين لإطلاق سراح المعتقلين والمضي بالعملية الإصلاحية الى نهايتها؟ هل كانت إدانة الخارجية للإعتقالات باهتة ضعيفة؟ وهل العائلة المالكة لا تعير فعلاً أي أهمية للضغط الأميركي بهذا الشأن؟

اعتقد كثيرون أن الولايات المتحدة ستكون غاضبة من الإعتقالات التي تعرّض لها الإصلاحيون في المملكة. فأميركا وعلى لسان مسؤوليها كافة وفي مقدمتهم الرئيس الأميركي بوش قال أنه سيقف خلف الإصلاحيين في منطقة الشرق الأوسط، والسبب الآخر هو الإعتقاد بأن الولايات المتحدة جادّة في تطبيق الإصلاحات خاصة في السعودية بسبب أن الأخيرة تحوّلت الى مفرخة للعنف وتصديره للخارج الأميركي والغربي، وبالتالي لا يوجد حلّ للعنف الذي يساهم فيه السعوديون إلا عبر إحداث إصلاحات في المصدر أي في السعودية نفسها.

غير ان رد الفعل الأميركي كان باهتاً بنظر البعض. ولكن هذا لا يعني أن موضوع الإصلاح وما جرى لن يستخدم ضد الأمراء السعوديين في الوقت المناسب. ولعل وزارة الخارجية الأميركية تدرك بأنه ليس في صالح الإدارة والرئيس بوش فتح معركة مع السعوديين قبيل بضعة أشهر عن الإنتخابات، لأن ذلك يكشف فشلاً في السياسة الأميركية تجاه الحلفاء القدامى للإدارة، ويفتح الطريق للمرشح الديمقراطي لاستغلال الموقف في صالحه ضمن الحملة الإنتخابية.

الأمر المؤكد، هو أن الولايات المتحدة لم تكن تنظر الى الإصلاحيين المعتقلين بعين ملؤها الرضا، فهم يتبنون إيديولوجيات ومواقف تتعارض في الصميم مع الأميركيين، وبالتالي فهم ليسوا خيار أميركا الرابح، ولا رجالها المنتظرون! والأمر المؤكد الآخر، أن الأميركيين لم يجدوا حتى الآن بديلاً أفضل من العائلة المالكة يمكن أن تخدم مصالحها في السعودية وفي المنطقة. وهذا الإدعاء يكرره الأمراء السعوديون ورجال علاقاتهم العامة في كل العواصم الغربية، خاصة واشنطن. والأمر المؤكد الثالث، أن مصداقية الولايات المتحدة بين المواطنين السعوديين هي في الأساس ضئيلة للغاية، وسيكون موقفها الأخير تأكيداً جديداً على أن الأميركيين لا يهمهم الإصلاح في السعودية، أو أنه على أقل التقادير، ليس في قائمة أجندتهم السياسية، وأنهم سيبتزون العائلة المالكة ـ برفع راية التغيير وحقوق الإنسان ـ على الصعد الإقتصادية والسياسية كلما احتاجوا اليها. وإذا كان هناك من متفائل، فإن الولايات المتحدة ستمارس المزيد من الضغط على الأمراء بعيد الإنتخابات القادمة.

الموقف الأميركي من الإعتقالات جاء بعد يوم من وقوعها، أي في السابع عشر من مارس الماضي، حيث أعلن آدم إيرلي، مساعد المتحدث بإسم الخارجية الأميركي، عن أسف حكومته لقيام السلطات السعودية باعتقال ناشطين إصلاحيين، وأضاف بـ (ان هذه الاعتقالات مخيبة كثيرا للآمال وتشكل خطوة الى الوراء) بعد المبادرات الاخيرة التي اعلنت عنها الرياض لتوسيع مشاركة مواطنيها وتسهيل تشكيل منظمات دفاع عن حقوق الانسان او الاعلان عن انتخابات بلدية. في حين قال متحدث حكومي رسمي كبير أن الإدارة الأميركية تشعر بالقلق جدا لرؤية عدد من الاشخاص يدعمون بشكل سلمي اصلاحات في العربية السعودية يعتقلون ويسجنون.

في ذات اليوم كانت وكالة الأنباء السعودية الرسمية تنقل تصريحاً أدلى به مصدر مسؤول في وزارة الداخلية، اعترف فيه (بتوقيف عدد محدود من الاشخاص للتحقيق معهم فيما نسب اليهم من اصدار بيانات لا تخدم وحدة الوطن وتماسك المجتمع القائم على الشريعة الإسلامية).

لم يكن أمام الحكومة السعودية التي توقّعت رد الفعل الأميركي، إلا أن تعترض عليه، حفاظاً على ماء الوجه أمام مواطنيها، فصرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية في 18 مارس بالقول: (أصبنا بخيبة أمل إزاء ما جاء في البيان الصادر من وزارة الخارجية الأمريكية حول اعتقال المملكة لعدد من المواطنين بسبب تورطهم في أعمال تحريض واستخدام أسماء لأشخاص معروفين وذوي سمعة دون أخذ موافقتهم وذلك لإثارة البلبلة في وقت أحوج ما تكون فيه البلاد فيه للرؤية الواضحة والوحدة الوطنية وتتعرض فيه لهجمات من الإرهابيين). وأضاف المصدر أنه (كان من الأجدى أن تلجأ وزارة الخارجية الأمريكية للتشاور معنا لمعرفة الحقائق المحيطة بالموضوع قبل الإدلاء بتصريح الناطق الرسمي بإسمها، هذا علاوة على أن حكومة المملكة تعتبر الموضوع شأنا أمنيا داخليا وإجراء يتعلق بحفظ الأمن ومصلحة المواطن ويخص المملكة وحدها).

التصريح السعودي هذا رغم مظهره الخشن، لا يعني ان الحكومة السعودية تريد التصعيد، ولا يعني أنها لن تلقي بالاً للموقف الأميركي، كما لا يعني الموقف الأميركي الباهت ـ بنظر البعض ـ أنه لن يؤثر على الأمراء السعوديين ويدعوهم لإعادة النظر في الموضوع، نظراً لما له من انعكاسات سلبية على سمعة الحكومة السعودية في الإدارة الأميركية ولدى الرأي العام المحلي.

في الحقيقة إن الحكومة السعودية أرادت ان تستفيد من الموقف الأميركي للإساءة الى دعاة الإصلاح، ولإشعار المواطن بأن أميركا تقف معهم ضد وطنهم!!، ولتقول لهم وللرأي العام العربي، أن العائلة المالكة ليست كما يروج البعض (عميلة) أو (متواطئة) مع الأميركيين في سياساتهم. تريد الحكومة السعودية اصطفافاً داخلياً وخارجياً باعتبارها تنافح عن سيادتها واستقلالها، بالظهور بمظهر الجاد غير المساوم، والإستفادة بحد أقصى من الموقف الأميركي لجذب التعاطف الشعبي، كما قال الأمير سلطان ذات مرّة، بأن العائلة المالكة تكسب شعبياً بقدر ما تشن أميركا من حملات عليها. إن المراهنة على المزاج الشعبي في هذا الأمر صحيح، ولكن ضمن حدود. فالحكومة السعودية غير مستعدة للمجازفة بعلاقاتها مع الغرب وسمعتها فيه. وهي غير مستعدة للظهور بمظهر المعادي للغرب وأميركا على وجه الخصوص لما في ذلك من آثار سياسية تنعكس على الوضع الداخلي، الذي قد يميل الى مطالبة السلطات بالمزيد من المواقف الحازمة!

وحين زار وزير الخارجية الأميركي كولن باول الرياض، في 19/3/3004، ناقش موضوع الإعتقالات مع ولي العهد، مع أن وزير الداخلية زعم بأن ذلك لم يحدث، في حين أكد باول ذلك بقوله علناً: (لقد أجرينا مباحثات مع  ولي العهد ووزير الخارجية حول هذا الموضوع وأعربت عن قلقنا تجاه الامر، وليس لدي علم بعددهم ولكن عدداً قليلا منهم قد أطلق سراحه). وحاول باول أن لا يبدو ـ في مؤتمره الصحافي ـ ناقداً للموقف السعودي، ولكنه كشف عن أن الحكومة السعودية وعدت بإطلاق سراح المعتقلين. نص ما قاله باول: (بالنسبة للبيان الذي أصدرناه في واشنطن والمحادثات التي أجريتها مع وزير الخارجية فان لدينا قلقاً بشأن أناس حاولوا التعبير عن وجهات نظرهم على نحو صريح وديمقراطي، وقد بحثنا هذا الامر وكان لنا مناقشات صريحه وواضحه في هذا الموضوع، وان عدداً من الموقوفين سوف يتم إطلاق سراحهم، وما تبقى منهم سوف نرى ما سيتم بشأنهم في الأيام القادمة). من جهته حاول وزير الخارجية السعودي أن لا يبدو ناقداً شديداً للولايات المتحدة، واعترف ضمنياً بحقها في مناقشة الموضوع، وهو يعني ضمناً التدخل الخارجي في شأن سعودي داخلي. قال: (الاعتقالات التي حدثت مؤخراً هي شأن داخلي محض يخص السعودية وحدها. وفي الوقت الذي يعمل فيه الجميع نحو الوحدة ورؤية واضحة بالذات في الوقت الذي نواجه فيه تهديداً إرهابياً، فإنه ليس هذا الوقت الذي يتم فيه مثل هذا الامر وفعلوا ذلك باستخدام أسماء اشخاص مرموقين ومحترمين من الذين رفضوا بشدة هذا الامر وقرروا إثارة الموضوع على نحو قانوني إعتراضا على تضمين اسمائهم في بيان، اذ ليس لديهم الحق في ذلك وطلب من هؤلاء الناس المثول للاستجواب واستجوبنا الذين وعدوا بعدم استخدام أسماء اخرين وهؤلاء اطلق سراحهم فوراً، أما الذين رفضوا فسيتم تحويلهم الى المحكمة الشرعية لنرى ما سيتم بشأنهم ويعتبر هذا امرا داخليا وهذا ما ابلغنا به صديقنا).

ملخص القول هنا، أن موقف الولايات المتحدة، وإن بدا هادئاً، فإنه لم يكن في جوهره ضعيفاً، وكان له أثر في إطلاق سراح بعض المعتقلين، ولكن نايف صرح بأن ذلك لم يكن يمثل استجابة للضغوط الخارجية. وبديهي ان بقاء المعتقلين في السجن لمدة أطول لن يكون في صالح العلاقات السعودية الأميركية، ومن الأجدى للحكومة أن تبحث لها عن وسيلة ما للتخلص من المشكلة، حتى لا تظهر بمظهر الذي لا يريد الإصلاحات سواء جاءت بضغط داخلي أو خارجي، وحتى لا تستخدم الإعتقالات ضدّها في حال أضعفت رؤية وزارة الخارجية الأميركية مقابل الجناح المشتدد في البيت الأبيض والذي يريد استخدام العصا الغليظة ضد الأمراء.