كالتي نقضت غزلها

 كشف استمرار اعتقال عدد من دعاة الاصلاح منذ السادس عشر من مارس الماضي أن صانع القرار لم يكن ينوي القيام بإصلاحات سياسية ولم يكن خلافه مع الإصلاحيين حول المنهج بقدر ما هو خلاف حول أصل المشروع، حيث لم تتبلور الإرادة السياسية حتى الآن لتدشينه. ما حدث لم يكن انقلاباً على الإصلاحات الموعودة، وإنما هو استمرار في النهج الاستبدادي القديم، وإن المقولة الرائجة بأن الاصلاح واجب مشترك ومسؤولية متبادلة بين المواطنين والعائلة المالكة لم تكن سوى إحدى المقولات الاستهلاكية.

إن ما نال دعاة الاصلاح من ظلم وعنت على يد وزير كان أمراً متوقعاً، وقد حذّرنا كثيراً منهم بالإتصال المباشر مراراً، ونبّهناهم الى أن التطمينات والوعود التي يعود بها الاصلاحيون عقب تسليم كل عريضة بأنها للاستهلاك الاعلامي ولا تعدو أكثر من اللعب على عامل الوقت.

منذ العريضة الأولى (رؤيا لحاضر الوطن ومستقبله) نبّهنا الى أن ما سرّوا به من كلام ولي العهد من أن (توجهاتكم هي توجهاتنا.. وأن مطالبكم هي مطالبنا!) ليست سوى ترديداً لعبارات معلّّبة طالما تكررت في مناسبات سابقة بل وقبل عقود من السنين، وقلنا أن الوعود لا تكفي لحسن النيّة ما لم تظهر آثارها واضحة في برامج عمل. وحين أعلن العزم على القيام بانتخابات بلدية (ينتخب نصف اعضاؤها) قلنا إن ذلك مؤشر سوء نيّة. ثم عدنا وكررنا تنبيهنا لدعاة الإصلاح بعد تقديم عريضة (الملكية الدستورية) بأن المضامين الحقيقية للعريضة ستغيب في ثنايا التفسيرات الحكومية المشوّهة المشفوعة بالشك في مقاصد الموقّعين عليها، مع أن هذه الصيغة (أي الملكية الدستورية) تمثل الضمان الأمثل لبقاء سلطة العائلة المالكة وتكفل قيام دولة المؤسسات، وبالتالي توفير عناصر الاستقرار والأمن في الدولة.

لقد وقع المحذور باعتقال الإصلاحيين خاصة الأستاذ محمد سعيد الطيب وزملائه الذين لايزال ثلاثة منهم يقبعون في سجن المباحث بالرياض (الدكتور عبدالله الحامد، والدكتور متروك الفالح، والأستاذ علي الدميني) وطبقت العائلة المالكة قرارها بنبذ الاصوات الراشدة في هذا الوطن من أجل إنقاذ السلطة من محنتها المزمنة، واتهمت الإصلاحيين الذين وقفوا الى جانبها في مكافحة غائلة العنف والتدخل الأميركي في الشأن المحلي، فكافأتهم بأن اتهمتهم بأنهم متطرفون وعملاء وأعداء للوحدة الوطنية!

إننا نعلن عن أسفنا لما أصاب دعاة الإصلاح من ظلم وما طبق بحقهم من ممارسات تخالف أبسط مزاعم السلطة باحترام حقوق الإنسان، كالمنع من السفر، والفصل من الوظيفة، وحظر الاجتماعات أو الحديث لوسائل الاعلام، وتقييد حرية التعبير التي نشهدها في الصحافة المحلية الآن، إضافة الى الإهانات التي جرت بها طريقة الإعتقالات. لم يجنح المعتقلون الى غير الشفافية والمجاهرة بالنصيحة خياراً وحيداًَ ونهائياً، ولم يطلبوا غير العدل والنصفة للمجتمع الذي يقف عند مفترق طرق، ولم يخرجوا شاهرين غير أصواتهم المخلصة التي لم يخالطها رياء، أو سمعة أو مصلحة شخصية، بل كان الوطن بكل فئاته ومناطقه وتياراته هو شاهدهم ومقصدهم.

بيد أن دعاة الإصلاح يتحملون سوء تقدير لنوايا العائلة المالكة ومخططاتها، وقراءتهم السياسية الطافحة بالنوايا الطيبة، في وقت لم يكن الطرف الآخر يبيّت غير الشرّ، ويستند الى الحيلة والختل، مع أن مؤشرات ذلك كانت واضحة في الممارسة كما في التصريح، ومن ذلك تأكيد كبار الأمراء على استحواذهم على السلطة بالسيف وأنهم لن يتخلوا عنها بدونه (نحن أخذناها بالسيف). ومن ذلك تصريحات وزير الداخلية المتكررة بأنه ضد الإصلاح بل لا يقبل لفظة (الإصلاح) ويقترح مكانها (التطوير)! هذا اضافة الى ما يرشح من تهديدات مباشرة وجهت من أمراء عدة الى دعاة الإصلاح في اللقاءات الخاصة.

لقد أثبتت التدابير التعسفية التي طالت دعاة الاصلاح وعكست نفسها على حرية التعبير والصحافة بأن دعاوى التوجه الاصلاحي لدى العائلة المالكة لا يستند الى أرضية صلبة، ولا بد من التفكير في تحريك الشارع وحشده باتجاه الأهداف الإصلاحية، وتوجيه الرسائل إليه، والعمل على تهيئة الرأي العام الإقليمي والدولي، سيما المنظمات الإنسانية والحقوقية لتحقيق أكبر ضغط على دعاة التسلّط من أجل التخفيف من قبضتهم. فبدون حراك سياسي شعبي داخلي لا يمكن للعائلة المالكة أن تتنازل حتى عن القليل من سلطانها، ولا يؤمل بعد الإعتقالات إقناعها بمجرد عرائض، أو باقتراحات عبر الفضائيات ووسائل الإعلام المحلية.

وأخيراً فإننا نؤكد بأن الأمراء لا يفرقون بين دعاة الاصلاح ودعاة العنف، ولا يخالجنا الشك بأنهم يرون في الإصلاحيين خطورة تفوق غيرهم. وبسبب انسداد الأبواب السياسية للإصلاح الداخلي، فإن العنف مرشح للتصاعد، ولن تكون الحلول الأمنية التي يعرضها صانع القرار إلا حلولاً مؤقتة، ومن هنا فإننا ندعو دعاة الإصلاح الى وضع مشروع تحرك سياسي يوفر الحدود الدنيا من المشاركة الشعبية للخروج من متاهات العنف وبوائق الإستبداد السياسي والديني.

  العدد السادس عشر - مايو 2004