العدد 17 يونيو 2004

 السيناريو الأسوأ

 كل المؤشرات تفيد بأن العنف مستمر الى أن يشاء الله، وأن الأجهزة الأمنية السعودية فقدت قدرتها كما أثبتت عملياً عجزها في مواجهته وانهائه.

وكل المؤشرات تفيد بأن لا إصلاح سياسي قادم في القريب العاجل ولربما في المدى المنظور، حتى يثبت للأمراء السعوديين بأن معالجتهم الحالية للملف الأمني فاشلة، وهم لم يقتنعوا بعد بذلك، ويبررون الأمر بأن ما يجري مجرد تراجع مؤقت، وأنه لم تبق سوى خليّة عنفية واحدة يمكن تدبّر أمرها، ومن ثمّ لا حاجة الى إصلاحات ولا إلى تنازلات سياسية.

السيناريو الأسوأ هو أن يتوجه دعاة العنف بجهدهم الى المنشآت الإقتصادية، وبالتحديد النفطية، ونحن هنا لا نناقش الإمكانية فقد أثبتوا أنهم قادرون على ذلك، مهما ادّعت الحكومة بأن تلك المنشآت محروسة جيداً. وإنما الحديث عن نية العنفيين في ذلك. فحتى الآن لا تنبئ هجمات ينبع والخبر، رغم انها وقعت قرب منشآت ومؤسسات اقتصادية ونفطية، أن العنفيين يتقصدون مهاجمة مصالح البلاد والعباد الإقتصادية، اللهم إلا من زاوية إخراج الأجانب، وبالتالي فإن الخبراء الغربيين وغيرهم قد يجبروا على الرحيل من المملكة، وهذا لو حدث بشكل سريع وشامل فإن سيسبب مشكلة ولكن في المحصلة النهائية يمكن معالجته بصورة من الصور، مع قليل من الألم.

لكن حادثتي الخبر وينبع، والتركيز الإعلامي الشديد على موضوع النفط، قد يغري خلايا القاعدة في المملكة على مهاجمة المنشآت النفطية بشكل مباشر. وهي منشآت منتشرة في أماكن عديدة وعلى مساحة عشرات الألوف من الكيلومترات، مثل الأنابيب والمئات من آبار النفط غير المحروسة أو التي لا يمكن حراستها وسط الصحارى والقفار.

تستطيع الحكومة توفير حماية كبيرة لمنشآت النفط التكريرية، وحماية مصباته وموانئه، ولكنها لا تستطيع أن تحمي كل أنبوب نفط، ولا كل بئر نفط، ولنا أن نتخيل فقط أن خط البترولاين الذي ينقل النفط من شرق المملكة الى غربها عند ميناء ينبع، يبلغ طوله أقل من ألفي كيلو متر، ولا يمكن والحالة هذه ان تتوفر الحماية له بشكل كبير، وإذا ما حدث وتعرض للتخريب فإن جزء من صناعة البتروكيماويات في ينبع ستتضرر بل ستتوقف، كما أن تحميل النفط من هناك سيتوقف، وسيزداد الضغط على الموانئ في الشرقية وبالخصوص من ميناءي الجعيمة ورأس تنورة، اللذان قد لا يستطيعا تحمّل الشحن الزائد، خاصة مع زيادة إنتاج المملكة والذي قد يصل في وقت قريب الى ما يقرب من العشرة ملايين أو قد يتجاوزها الى 12 مليون كما يقول بعض الخبراء.

المهم في كل هذا ليس الضرر الناجم على المملكة واقتصادها، فهي على الأرجح ستواصل تصدير نفطها قدر استطاعتها ومهما بلغ الأمر، وحتى لو انخفضت الطاقة التصديرية الى النصف بفعل التخريب، فإنها تستطيع تعويض النقص في مدخولها النفطي من ارتفاع أسعار النفط المتوقعة آنئذ والتي قد تصل بسعر برميل النفط الى ستين دولاراً.

إنما المهم هو الضرر الذي ستعانيه الدول المستهلكة، وهي كل دول العالم، وخاصة الغربي منه. فارتفاع أسعار النفط في حال تعرض منشآت المملكة النفطية للضرر، قد يدفع بالأسعار عالياً، وحينها سيتغير نمط الحياة في الغرب، وسترتفع أسعار كل المنتجات كما الأجور، وقد يتخلى الكثيرون عن سياراتهم ـ كما يتحدثون الآن في لندن ـ واستخدام المواصلات العامة.

والسؤال الى أي قدر يتحمل الغرب هذه المصيبة، وما هي خياراته؟ هل يتدخل عسكرياً ويحتلّ آبار النفط؟ هل يضغط على النظام من أجل الإصلاحات؟ هل يطرح مشاريع التقسيم ويفصل مناطق العنف أو المولدة له (نجد) عن مناطق النفط (الشرقية) وعن مناطق الدين (الحجاز)؟ وإذا ما تدخل، فهل الغرب قادر فعلاً على توفير حماية أفضل؟ وهل تستطيع العائلة المالكة مواجهة الضغوط حين تفشل في حماية إمدادات النفط وتوفيره بشكل رخيص والذي يشكل القاعدة السياسية التي تحمي النظام السياسي عند حلفائه الغربيين؟

أسئلة لن تكتمل الإجابة عليها إلا إذا وقعت المصيبة لا قدر الله.