العدد  18 يوليو 2004

 

المرأة ومؤتمر الحوار الوطني

 

مضى مؤتمر الحوار الوطني الذي عقد الشهر الماضي دون صخب كبير، رغم حالة الإفتعال التي حاول الإعلام الرسمي ضخّها، وكأنه يريد بعث الحياة في موضوع عولج بشكل ميت.

الحوار الوطني الصحيح يفترض أن يقوم على قاعدة الإصلاحات السياسية، وطرفاه الأساسيان، هما العائلة المالكة ممثلة للحكومة من جهة، والنخبة الوطنية الإصلاحية ممثلة للمجتمع من جهة اخرى، والغرض منه ـ كما يفترض ـ أن يؤسس لعقد إجتماعي جديد بين السلطة والمجتمع.

لكن الأمراء اختطفوا موضوعة (الحوار الوطني) فحولوه لحوار بين النخب الإجتماعية المختلفة ولتبدو الحكومة فيها مجرد منظم للقاء لا طرفاً فيه، وهي لا تستهدف حل مشاكل المجتمع التي هي سياسية في العمق، بل الهدف هو الزعم بأن هناك مسيرة إصلاحية، وكأن مؤتمراً يقام هنا وهناك حدثٌ إصلاحي في مملكة العجائب.

مؤتمرا الحوار السابقين في الرياض ومكة، كان لهما بعض الأهمية رغم الإعتراض على إبعاد السلطة كطرف فيه، وعلى تحجيم الموضوع السياسي، وعلى عدم إلزامية المقررات. في الرياض كانت القيمة ان التقت كل الأطياف الدينية في المملكة. وفي مكة، قدّمت أوراق حول الإصلاح السياسي والثقافي والإقتصادي رغم أن الموضوع يدور حول الغلو والتطرف. وفي كلا المؤتمرين لم تلتزم الحكومة بمقررات المؤتمرين، وبينها المطالبة بالإصلاح السياسي والبدء بالإنتخابات.

المؤتمر الأخير المتعلق بالمرأة، جاء في ظل ظرف عصيب تعيشه الدولة حيث العنف المتفجر في معظم مدنها الرئيسية. كما أنه جاء في ظرف إحباط عام نتج عن قمع الحركة الإصلاحية وإيداع رجالها في السجون، وفي ظل تراجع مشهود له عن كل ما يمت الى الإصلاح بصلة، بل وحتى الى (لفظة الإصلاح) حيث الإصرار من الأمير الذكي نايف على استخدام لفظة (التطوير) بدلا من الإصلاح!

وفي مؤتمر المرأة، لم تعالج القضايا الرئيسية، فعدا ورقة أو ورقتين قدمتا، فإن المساهمات الثقافية جدّ ضحلة ومحدودة، ولم تخرج عن النسق الفكري والمواقف السابقة.

ومن البديهي أن المملكة تعترضها على الدوام قضيتان لا تستطيع الدفاع عنهما: الأولى وتتعلق بانتهاكاتها الصارخة لحقوق المرأة، والثانية انتهاكاتها لحقوق مواطنيها المختلفين مع المذهب الرسمي، وهم أكثرية أهل البلاد، وإن كان التركيز عادة ما يأتي على الشيعة في المنطقة الشرقية. ولأن الحكومة لا تستطيع معالجة الموضوع الإجتماعي عموماً بدون إقتحام البوابة السياسية، فإن مؤتمر حقوق المرأة السعودية مضى دونما فائدة كبيرة، ولا ينتظر أن يغير شيئاً في واقع المرأة في المستقبل القريب.

كل ما أرادته الحكومة من المؤتمرات هو الزعم لحلفائها في الغرب بأنها تمثل بوابة العمل الإصلاحي، وأنها تسير في اتجاهه، فتقوم بتضخيم النتائج التي لا تكاد تذكر.

نظن أن مؤتمرات الحوار الوطني الحكومية قد آن لها أن تتوقف، فقد فقدت ألقها ومصداقيتها وقيمتها.