العدد  18 يوليو 2004

 

الإنتصارات الجانبية.. هل تسوّي الأزمة المزمنة؟

إن ما يجري على الساحة الداخلية هو شكل من اشكال المواجهة بين المجتمع والسلطة، هذه المواجهة تعبّرعن نفسها تارة بصورة راديكالية من خلال مسلسل العنف، وتعبّر عن نفسها  تارة أخرى بصورة سلمية من خلال النشاط المطلبي الاصلاحي الذي انطلق منذ يناير من العام الماضي.

وحتى الآن لايبدو أن الدولة أحسنت الأداء من أجل التوصل الى حل غير تقليدي لمشكلة هي في الأصل غير تقليدية. بمعنى أن الحل الأمني وان حقق ظاهراً انجازاً استثنائياً بقتل العناصر الفاعلة في جماعات العنف الا أنه لم يثبت كفاءة تامة لجهة تسوية المشكلة الممتدة في مختلف الأرجاء. أضف الى ذلك، أن الحل الأمني ينطوي على رفض مناعي للخيار الاصلاحي في بعده الشامل والجوهري، مع التذكير هنا بأن الحكومة هي طرف ضالع بصورة مباشرة في دوامة العنف التي تشهدها البلاد، تارة بصورة مباشرة من خلال الرعاية المادية والفكرية التي حظي بها التيار المتشدد طيلة العقدين الماضيين والذي تمثل ظاهرة العنف إحدى منتجاته، وأخرى من خلال المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يرفض النظام وضع علاجات حاسمة لها، والتي تمد بمحرّضات نشطة على العنف.

والسؤال الجوهري الضاغط: هل هناك مخرج من دوامة العنف أو أفق حل؟

في تقديرنا أنه ما لم يتم التفريق بين رد الفعل والحل فإن وتيرة العنف ستستمر وتتصاعد وقد تأخذ أشكالاً خطيرة لن يقتصر تأثيرها على العلاقة بين المجتمع والدولة بل قد تتسع لتشمل فئات المجتمع وربما المناطق المجاورة أيضاً. ويلزم التشديد مجدداً على أن السلاح الأمني ليس حلاً بل هو رد فعل وهو يعالج العرض وليس المرض، ودوره يقع في مجال المهدئات التي تصلح لتأجيل الحتف وليس إلغاؤه. فقد تحقق قوى الامن انتصارات جانبية وجزئية بمقتل او اعتقال أحد أو بعض المطلوبين ولكن هذه الانتصارات تبقى خارج حدود المشكلة الجوهرية وبعيدة عن جذور الأزمة الحقيقية التي تدفع بمثل هذه الظواهر الراديكالية للتفجر بين حين وآخر. بكلمات أخرى، إن ما تنتظره البلاد هو برنامج إصلاحي شامل وجوهري يستهدف تشخيص مشكلات الدولة الكبرى ويرسم خطوط عريضة لحلول استراتيجية، وهذا البرنامج وحده الكفيل بإزالة أسباب التوترات الاجتماعية والسياسية، للاعتقاد الجازم لدى كافة القوى الوطنية والدينية الواعية بأن ثمة استراتيجية وطنية بعيدة المدى باتت مطلوبة من أجل تسوية مشكلات الوطن والتي يعجز الخيار الامني وأي خيار آخر القيام بالمهمة منفرداً مالم تتظافر الجهود من أجل وضع صيغة حل شامل وجذري.

وهذا يدفع بنا لطرح السؤال التشكيكي المشروع حول الغرض من ضرب التيار الاصلاحي بنفس اليد التي ضربت جماعات العنف؟

للاجابة عن السؤال نقول بأن الحكومة نجحت الى حد كبير في كسر التيار الاصلاحي بعد إطمئنانها الواهم بأنها أخمدت بؤر العنف ومزّقت شبكة الارهاب، بحسب تصريح سابق للأمير سلطان بأن 80 بالمئة من العنف قد تم القضاء عليه، فيما ذكر الأمير تركي الفيصل سفير المملكة في لندن بأن الحكومة تتعامل الآن مع الخلية الأخيرة للارهابيين بعد أن قضت على الخلايا الأخرى، ولكن تبين ان هذه الخلايات قد تكاثرت بصورة مفزعة للدولة وأثبتت هذه الخلايات بأنها قادرة على ادارة المعارك وتقرير أوقاتها ومواقعها ووسائلها.

وبعد كسر التيار الاصلاحي تبين ان الدولة خسرت جزءا جوهرياً من مجتمع كان يمكنها التعويل عليه في مواجهة ظاهرة العنف. واستطراداً يمكن القول بأن الدولة خسرت أيضاً جانباً كبيراً من مصداقيتها وهيبتها ومشروعيتها بضرب التيار الاصلاحي، لأنها ضربت خطاب القيادة السياسية العليا في الدولة منذ سنتين. وفي حقيقة الامر، إن الصمت الذي تلوذ به القيادة السياسية ممثلة في الامير عبد الله الذي قدّم نفسه بوصفه رائد الاصلاح في هذا البلد قد أفضى الى احداث اهتزاز عنيف في صورته ومكانته في الشارع وفي وسط قطاع عريض من السكان الذين عوّلوا جزئياً على تطميناته ووعوده.

 انتصار الحكومة أو تحوّل تكتيكي

 تحدثت بعض التقارير بأن القائد الجديد لتنظيم القاعدة في السعودية قد لا يكون بنفس القدر من الحماسة والاندفاع كسابقه عبد العزيز المقرن صاحب التجارب النضالية الثرية والمتنوعة. يضاف الى ذلك خسارة التنظيم لأربعة من قادته الميدانيين، الامر الذي قد يجبر التنظيم على اعتماد خيار التهدئة في الوقت الراهن من أجل لملمة صفوفه واعادة بناء التنظيم من جديد. فالتحول في تكتيكات العنف لا يغير في استراتيجية الجماعة الجهادية كونها تسعى الى تقويض الدولة السعودية من خلال ضرب البنية التحتية.

يزعم الشيخ محسن العواجي الذي طالما لعب دور الوسيط التطوعي بين الجماعات المتشددة والحكومة بأنه يتوقع رؤية ارتخاء في التوترات الأخيرة بين الطرفين. وفي تصريح له مع جريدة دايلي ستار في الثلاثين من يونيو أرجع العواجي ذلك الى الشخصية الهادئة للقائد العسكري الجديد للتنظيم صالح العوفي. ويقول بأنه يعرف العوفي شخصياً وقد التقى به قبيل مقتل عبد العزيز المقرن في الثامن عشر من يونيو الماضي. مصادر أخرى في الرياض تقول بأن العوفي يمتاز عن المقرن كون الأول يرجّح إدخال عنصر الاغتيالات لأفراد العائلة المالكة من أجل كسر إرادة الاخيرة وإجبارها على تقديم تنازلات جوهرية في موضوع طرد الكفار من الجزيرة العربية، والامتثال لأحكام الشريعة الاسلامية. ولكن لا يعني ذلك أن التنظيم قد يقدم على ذلك عاجلاً، فالضربات التي تلقاها الشهر الماضي تجعله يلجأ الى الانسحاب التكتيكي والدخول في فترة إعداد جديدة بالرغم من المناوشات الصغيرة، ولربما تدفع به الاستفزازات الصادرة من الحكومة لتبني خيارات فورية وانتقامية وغير مدروسة ولكنها بالتأكيد تنطوي على مخاطر كبيرة.

وعلى أية حال، فإن دوامة العنف والتشدد لا تتوقف على ضربات جانبية طالما بقيت مغذّيات العنف نشطة بفعل عوامل اقتصادية وسياسية واجتماعية عديدة، واذا كان تنظيم القاعدة يعبّر عن سخطه ضد سياسات الحكومة بطريقة راديكالية وبخاصة عسكرية فإن ثمة تعبيرات متنوعة لهذا السخط في أرجاء مختلفة من المملكة وقد تتقارب هذه التعبيرات عند نقطة الثورة الشعبية العارمة.