العدد  18 يوليو 2004

 

 الخاسر الأول الاسلامويون والنظام القاطف الفعال للثمار

أزمة العنف في السعودية

عبد العزيز الخميس

يوما بعد آخر، يخسر الاسلامويون المتعصبون معارك متعددة، وبعد ان كانوا يتقاسمون الفراش مع النظام، رمي بهم خارج غرفة النوم، واصبحوا نتيجة لذلك في عداء حاد لصديق الامس، ولم يرتفعوا لمستوى التحدي ويحسنوا من ادواتهم وطروحاتهم ويتحدون النظام في اعز ما يملك وهو شرعيته الدينية، بل قدموا له مع كل انفجار هدية لا تقدر بثمن، وهي اثبات انه محارب للارهاب، بحيث مكنه ذلك من اسكات الاصوات الحرة المطالبة بمجتمع مدني عادل.

يقوم بعض الاسلامويين في المملكة بأعمال عنف كوسيلة للنضال والجهاد ضد من يطلقون عليهم اعداء الله. لكنهم وفي ذروة نشاطهم العنيف ـ والذي جللته عملية الخبر، استعملت اساليب اعادت التفكير بدموية الجهاد والقتال في عقلية المواطن السعودي، مذكرة اياه بمجزرتي تربه والطائف ـ قدموا خدمات مهمة للنظام السعودي داخليا وخارجيا، حيث منحوه شرعية وطنية تمثلت في انضمام قوى سياسية فاعلة كثيرة الى ما يسمى جبهة (صوت المعركة) والتي تؤكد على ان المطالبة بالاصلاحات يجب ان تجمد الى ان ينهي الأمير نايف معركته ضد الارهابيين.

وفي الوقت نفسه اعتبرت العائلة المالكة اية تحركات من ناشطين ليبراليين مساعدة للعدو الاسلاموي، مما جعل القوى المتحالفة مع النظام ترفع من وتيرة صوتها بأن من شذ عن الصف الليبرالي التوفيقي واصبح مستقلا مثل الدكتورين عبد الله الحامد ومتروك الفالح والاستاذ محمد سعيد طيب وغيرهم ليسوا سوى قليلي الخبرة السياسية، او على عجلة من أمرهم، بحيث لم يدركو ان من يشتت انتباه الحكومة وهي في ساحة الوغى ضد الارهابيين، لا يعدو عن كونه إرهابي ليبرالي.

لقد قدم ويقدم الارهابيون أكثر من خدمة للنظام الذي كان يعيش وقتا محرجا مع الداخل والخارج بعد 11 سبتمبر والحرب على العراق، فمكنوا النظام من اثبات ان الاتهامات له بأنه متواطئ مع فسطاط ابن لادن غير صحيحة، وأنه ضحية مثله مثل غيره، بل انه يخوض نيابة عن العالم الحر معركة شرسة ضد الارهاب لم يسلم منها رجاله ـ كما حدث مع تفجير أحد مباني الأمن العام ـ كما ان النظام بدأ يحول المعركة الاعلامية الى وجهة اخرى بإتهام بعض ابواقه للولايات المتحدة بأنها سبب الارهاب الحاصل، حيث تستفز المشاعر الاسلامية بما تقوم به أميركا في العراق. وقد دافع النظام السعودي عن نفسه من جهة أنه شريك في صنع الارهابيين بسبب طبيعة حكمه او سياساته، ورأى أن العمليات الارهابية وتصريحات ابن لادن الصغير عبد العزيز المقرن تتحدث عن الانتقام من الامريكان قتلة اطفال الفلوجة، ولا علاقة لها بالوضع السعودي.

أنهى النظام السعودي معركته مع الاصوات الامريكية التي ناصبته العداء بسبب الدعم المقدم من منظمات وشخصيات سعودية للحركات الاسلامية، وجلل الانتصار في مؤتمر صحفي اعترف فيه المسؤولون الأمريكيون المختصون بجهود السعودية في هذا المجال. وبقيت للمملكة معركة اخرى يتوقع ان ينتصر فيها وهي مسح الفكرة الملتصقة به على انه داعم للارهاب، فكل خبر تطيره وكالات الانباء الى ارجاء الارض عن تعرضه لعملية ارهابية اثبات لبراءته من دعمه للارهاب، بل وتصوره بمظهر الضحية، وبهذا يثبت النظام انه يدير لعبته السياسية بحنكة، فهو يطبق ما يفترض بالسياسي المحنك القيام به وهو استغلال كل الظروف ما ساء منها وما طاب لصالحه.

وبهذا يقدم الارهابيون ما يحتاجه النظام من اوراق لكسب معركة استمالة الرأي العام الغربي الى صفه، وكأن الارهابيين يعملون ضمن طاقمه، فمن منا يتوقع ان ينجحوا في سعيهم وزملائهم السابقين جربوا لظى الارهاب في مصر والجزائر وقبلها سورية والعراق ولم يجنوا سوى نفور شعبي كبير؟. القوى الشعبية المختلفة وحتى من التزم بالرؤية الاسلامية لا يرى في العنف وسيلة للنضال السياسي في داخل البلاد وضد ابنائه وضيوفه. لقد حرمت القوى الاسلامية الوطنية العنف تحريما مطلقا بعد ان شهدوا مضاره، ولعل اقربهم قوافل الاسلامويين التي تنحدر من جبال الجزائر معلنة توبتها ورغبتها الصادقة في الانخراط في المجتمع. لم يجد هؤلاء سوى الخسران بل تيقنوا من انهم بعمليات الذبح من الوريد للوريد لم يكونوا سوى داعمين اشداء لقوة النظام وتبريرا له في خرقه لحقوق الانسان وارجائه الاصلاحات المطالب بها.

تجربة الاسلامويين المغاربة لم يصل صداها الى عبد العزيز المقرن والعوفي رفاقهما، ولا الى شيوخهم في كهوف تورا بورا، ولا الى المتعاطفين معهم. أمن الاسلامويين المغاربة ان العمل السري وضرورة اللجوء الى النضال المسلح واستعمال العنف لم تمنح هؤلاء القدرة على تحقيق اهدافهم، بل ان المجتمع بمختلف قواه نفر منهم وابعدهم الى اصقاعه النائية، إذ ليس هناك مجتمع يرضى بسهولة بأن يحكمه قاتل احادي التوجه لا يجيد من العمل السياسي في القرن الحادي والعشرين سوى استعمال سكاكين حادة او سيارات محملة بالمتفجرات وروائح الموت.

اعتبر الاسلامويون المغاربة ان العنف يزج بالجميع في مسلسل العنف والعنف المضاد وهو أمر لا تحمد عقباه. وهذا الاسلاموي الكبير محمد يتيم والذي نصبته الجماعة الاسلامية المغربية يؤكد ان اللجوء الى العنف يعني أولا واخيرا فشل الوسائل التي تمكن جماعة ذات حق من البرهنة على قوتها وحضورها، وهذه الوسائل هي المجاهدة والإيمان والعلم. وهاهم الاسلامويون المغاربة ممن كانوا الى وقت بسيط رهناء للعمل السري يقتربون عبر العدالة والتنمية من أخذ حصتهم وحجمهم الحقيقي في اللعبة السياسية المغربية دون اراقة قطرة دم.

ان المتتبع لنشاط الاسلاميين السعوديين يجدهم متأخرين كثيرا عن قطف تجارب الحركات الاسلاموية الاخرى في تركيا او المغرب او مصر، فبينما تنجح تلك الحركات في اثبات انها شريك محترم ولاعب رئيس على الساحة السياسية، نجد اسلامويينا بدلا من ان يكونوا وسط الساحة بحكم طبيعة المجتمع السعودي، يدفعون انفسهم من حرب الى حرب منذ حرب السبلة مرورا بخالد بن مساعد ثم جهيمان العتيبي الى ابن لادن ورفاقه.

لا يستطيع الجانب الاسلاموي السعودي التأثير على الساحة المحلية والانتصار لنفسه دون ان يحدد موقفه من قضايا مهمة منها الارهاب واستعمال العنف لأغراض سياسية، والتوافق بين الإسلام والديموقراطية ووضعية المرأة. وأهم من كل ذلك تعريفه لولي الأمر في هذا القرن الذي يتحرك فيه العالم لرفض ان يتولى أمره فرد مجللا بوصاية غامضة التعريف.

جرب الكثيرون العنف ولم ينجحوا، ليس لانهم غير اقوياء عسكريا، بل لانهم يفتقدون الى فهم التغيرات الاجتماعية والتحولات العصرية، والتي تخرج لنا اقواماً يختلفون عن غيرهم ديدنهم مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية، ولا يحفلون بمن يكون ولي امرهم مادامت اوضاعهم جيدة. قد لا يصح التعميم، لكن اي انسان بسيط سيفاضل بين من يمنحه مرتبه اخر الشهر، وبمن يهديه سيارة متفجرات، ويخطط كي يحرق مصدر دخله المادي كمواطن.

جبل الناس على مراعاة مصالحهم، ولا يمكن ان نصنع منهم عشاق كهوف، كما لا يمكننا ان نجبرهم على الصلاة وراء امام واحد. تغيرت الناس بعد ان رأت الدمار وسط عاصمتها وتنفست رائحة البارود، فليسوا كلهم يريدون اقامة دولة الخلافة، ولا يهمهم شكل الدولة التي يعيشون تحت ظلالها سوى تلك الدولة التي تمنحهم حقوقهم، ولا يمكن لنسائهم العودة الى البيت بعد ان تعرفن على العالم وأحسسن انهن احراراً مع المحافظة على دينهن وتقاليدهن الاسلامية، وثبت كذب من يرى في خروج المرأة وحلق اللحى مدعاة الى عدم الصلاة والتجرد من الاسلام.

يوما بعد آخر، يخسر الاسلامويون المتعصبون معارك متعددة، وبعد ان كانوا يتقاسمون الفراش مع النظام، رمي بهم خارج غرفة النوم، واصبحوا نتيجة لذلك في عداء حاد لصديق الامس، ولم يرتفعوا لمستوى التحدي ويحسنوا من ادواتهم وطروحاتهم ويتحدون النظام في اعز ما يملك وهو شرعيته الدينية، بل قدموا له مع كل انفجار هدية لا تقدر بثمن، وهي اثبات انه محارب للارهاب، بحيث مكنه ذلك من اسكات الاصوات الحرة المطالبة بمجتمع مدني عادل.

يدفع الوطن ثمنا لقصر نظر هؤلاء ويرفع أياديه داعيا ان يعودوا الى صوت العقل وان يناهضوا النظام المستبد بأدوات عصرية مستنبطين آليات حديثة لا تبتعد عن الثوابت الاسلامية المتمثلة في حتمية العدالة الاجتماعية وضرورة توافرها لجميع المواطنين. أن ما يأسف له المحب لهذا الوطن، ان هؤلاء قدموا عقولهم لمن لا يريد الخير لبلادهم، وبعد ان حاربوا في افغانستان وغيرها لمصلحة غيرهم، هاهم يقاتلون وسط البلاد لمصلحة غيرهم ايضا، اما هم فسيذهبون واحلامهم كما ذهب رفاق حسن الصباح.

بعد كل هذا هل نتشاءم؟ اعتقد لا. فالمستقبل جميل لوطننا بكل اركانه وطوائفه واعراقه، وسنعود الى الحياة جميعا تحت سقف متعدد الطيف يحترم كل من تواجد تحته حق الآخر في الحياة، وسيمر شعبنا متجاوزا كل هذه العوائق، وسيقيض الله لاسلامويينا من يعيد اليهم رشدهم ويرشدهم الى الطريق الصحيح للنضال السلمي والمطالبة بالحقوق، والايمان بأن الليبرالية الاسلامية هي الحل السياسي لا سيارات الامونيا المتفجرة.

كان الله في عون الوطن، وعون الشعب الصابر على الظلم من مستبديه وحتى من مناضليه.