العدد  18 يوليو 2004

 

مهلة الشهر لتنظيم القاعدة

قيادة الامير عبد الله على المحك

 عبد المحسن الشهري

 ظهر ولي العهد الأمير عبد الله في الثالث والعشرين من يونيو الماضي على شاشة التلفزيون ليعلن عن مبادرة جديدة ولكن ليس في مجال الاصلاح السياسي كما كان مؤمّلاً منه لا أقل قبل الخامس عشر من مايو الماضي، وهو اليوم الذي بدأت وزارة الداخلية بأخذ زمام المبادرة بصورة عملية لمواجهة التيار الاصلاحي الوطني. مبادرة الامير عبد الله هذه المرة تندرج في سياق المبادرة الامنية، حيث قدّم عرضاً للجماعة المسلّحة وهي عبارة عن مهلة شهر للاستسلام أو مواجهة القتل، وقد نقل الامير عبد الله هذه المبادرة بإسم الملك فهد.

إن المبادرة ـ النداء انطوت على ما يشبه تنازل في لغة صارمة وربما تحذيرية، بعد أن واجهت البلاد خلال الشهرين الماضيين اختلالاً أمنياً خطيراً أدى الى اضطراب في القطاع الصناعي، الى حد اضطر معه عدد من الاجانب مغادرة البلاد بسبب المخاوف الأمنية.

اختيار توقيت المبادرة كان ضرورياً للتغطية على المازق الامني الخطير الذي تعيشه البلاد، حيث جاء اعلان المبادرة عقب مقتل قائد تنظيم القاعدة في الجزيرة العربية عبد العزيز المقرن، بالرغم من أن مقتله لم يترك انطباعاً لدى المراقبين بأن الحكومة ستسدل الستار على ظاهرة العنف التي شهدتها البلاد على مدى أكثر من عام، وبالرغم من الانخفاض الملحوظ في عدد الهجمات المسلّحة خصوصاً بعد فترة شهدت حمى هجمات بوتيرة متصلة وشبه يومية خلال الشهرين الماضيين فإن مبادرة القيادة السياسية تأتي في سياق تراجع حاد في ثقة السكان من مواطنين ووافدين في قدرة الحكومة على التعامل مع ظاهرة العنف، حتى أن السفير الاميركي شكك في الكفاءة التدريبية والتجهيزية لقوى الامن التابعة لوزارة الداخلية.

فيما يبدو فإن ولي العهد اختار أن يلعب دوراً ثانوياً هذه المرّة بعد انسحابه من ميدان الاصلاح السياسي الذي طالما قدّم نفسه فيه على أنه فارسه الوحيد. ففي الوقت الذي كان يأمل كثير من الاصلاحيين وفي مقدمتهم عوائل الرموز الاصلاحية الثلاثة المعتقلين بأن يحمل الامير عبد الله مفاجئة سارّة بالافراج عن الرموز واعادة الصورة المأمولة عنه كقائد اصلاحي، فإذا هو ينبري للمشاركة في المشروع الامني عن طريق اعلان مبادرة عفو لأفراد جماعات العنف.

إن هذه المبادرة العلنية تضع نهاية حاسمة لفترة المفاوضات السريّة التي كانت تقوم بها أطراف من العائلة المالكة والمشاركة مع قيادات التنظيم، حيث كانت المحاولات جارية من أجل اقناع افراد التنظيم على نقل عملياتهم الى الساحة العراقية لكثافة وجود المشركين فيها. ومن المعلوم فإن رموزاً دينية سلفية شاركت في الوساطة بين التنظيم الجهادي ووزارة الداخلية وبين هؤلاء الشيخ سفر الحوالي الذي كان له دور مباشر في استسلام وتسليم بعض افراد التنظيم بمن فيهم عثمان العمري الذي كان الحوالي شاهداً على شهادته امام الأمير محمد بن نايف، إضافة الى الشيخ محسن العواجي الذي أفصح أكثر من مرة عن مبادرات قام بها بين التنظيم الجهادي المسلّح والحكومة.

وعلى أية حال، فإن الحوار بين التنظيم ووزارة الداخلية قد شهدت مرحلتين:

الاولى:  في بداية نوفمبر 2001 حين بدأ السعوديون المهاجرون بالعودة الى ديارهم من أفغانستان بعد أن بدأت القوات الاميركية بغزوها عقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وقد استمرت هذه المرحلة حتى نهاية أبريل 2003، حيث كان أفراد من العائلة المالكة وبالخصوص الامير نايف وابنه الامير محمد على اتصال مباشر مع العائدين من تنظيم القاعدة وبمشاركة فاعلة من شخصيات قبلية ودينية معتدلة من أجل إعادة تأهيل العائدين ودمجهم في المجتمع اضافة الى تقديم وظائف لهم في الجهاز الحكومي وهكذا في المؤسسات الدينية.

المرحلة الثانية: بدأت في أبريل 2003 واستمرت نحو أربعة عشر شهراً، حيث دخل وزير الداخلية وابنه الامير محمد بن نايف وأفراد آخرون في العائلة المالكة مثل الامير عبد العزيز بن فهد في حوار مباشر مع قادة القاعدة في الجزيرة العربية من أجل إقناعهم بإستثناء السعودية من قائمة الدول المستهدفة بعمليات القاعدة، وقد انتهت هذه المرحلة بصورة عملية بمقتل عبد العزيز المقرن في الثامن عشر من يونيو الماضي. وبحسب بعض المصادر، فقد كان المقرن أحد الشركاء الرئيسيين في المفاوضات التي كانت تجري بين تنظيم القاعدة والامراء، ولذلك كانت عملية الخبر في التاسع والعشرين من مايو الماضي التي أمر المقرن بتنفيذها هي إحدى العمليات الاستعراضية التي أراد التنظيم إثبات كفاءته القتالية أمام العائلة المالكة وقدرته على نقل المعركة الى العصب الحيوي في البلاد، أي الصناعة النفطية.

إن موت المقرن يعتبر نهاية عملية للحوار السري الذي كان يدور بين القاعدة والعائلة المالكة، وقد حاولت الأخيرة استغلال الاتصال بالمقرن من أجل وقف حملة الاغتيالات ضد الوافدين الاميركيين في الرياض والتي انتهت بذبح مهندس طائرات أباتشي بول جونسون. تبقى الاشارة هنا الى أن قصة خطف ونحر جونسون مازالت غامضة، حيث تؤكد بعض المصادر عدم ضلوع المقرن شخصياً في خطف جونسون او نحره، وأن الشخصية التي ظهرت في الشريط المصوّر الذي عرض على شاشات التلفزة لم تكن للمقرن رغم العبارة التي حواها الشريط خلال القاء الشخص الملثّم للبيان، وهو شريط أعدّته المجموعة الخاطفة. وبحسب هذه المصادر فإن استعمال إسم المقرن كان لأغراض سياسية حيث سعى للتوسط بين وزارة الداخلية والمجموعة وقد منح وعداً بالسماح له بحرية الحركة طيلة فترة المفاوضات في موضوع جونسون. ولكن بعد أن علم بمقتل الرهينة، قرر المقرن مع إثنين من مساعديه الخروج من البيت ـ الملجأ الى وسط العاصمة لمقابلة الاشخاص الذين يتواصل معهم من أجل معرفة ما جرى في مسعى لتحديد مكان جثة جونسون وتسليمها للسلطات.

وعلى أية حال، فقد أثار خطف جونسون لعدة أيام ثم مقتله بعد عملية مفاوضات عسيرة وأخيراً فاشلة أثار خلافاً داخل العائلة المالكة، وأيضاً في وزارة الداخلية، وفي الاخير حصل أحد الامراء على ضوء أخضر من ولي العهد لوضع حد للدوران في حلقة مفرغة وتنفيذ عملية قتل للمقرن الذي تمت مراقبة تحرّكاته طيلة فترة المفاوضات، مما سهل التعرّف على إحدى المخابىء التي كان يلجأ اليها.

وخلال الخمسة أيام التي تلت عملية اغتيال المقرن، كان بعض الاجنحة المتشددة داخل العائلة المالكة قد بدأوا عقد مناظرة واسعة حول هذا التطور الجديد، والتي انتهت الى اعلان الامير عبد الله المبادرة. ولعل من الملفت للنظر أن قبل استكمال الشهر ـ المهلة التي حددها ولي العهد لأفراد التنظيم من أجل تسليم أنفسهم كانت قوى الامن التابعة لوزارة الداخلية تشن هجمات على مواقع التنظيم وتقتل في أعضائه كما حصل في نهاية شهر يونيو وبداية شهر يوليو، وهذا يخالف فحوى العرض سيما وأن أفراد التنظيم لم يقدموا منذ اعلان الامير عبد الله عن مبادرته بأي هجوم مسلّح، مع أن ذلك لايعني وجود إجماع صلب داخل مجموعات التنظيم الجهادي، كما لا ينفي وجود مجموعات اخرى من خارج هذا التنظيم وتعمل وفق أجندة سياسية وعسكرية مختلفة، وعلى أية حال، فإن ما جرى يكشف جزئياً الخلاف الدائر بين ولي العهد ووزير الداخلية.

في الخمسة الأيام تلك كان ثمة تجاذب داخلي بين الامراء، فقد تحوّل قصر الملك فهد وقصور الأمراء الكبار الى مراكز حوار ساخن من أجل حسم خيارات التعامل مع التنظيم الجهادي. في غضون ذلك قام الامير عبد الله بتقديم طلب للملك فهد بأن يأمر أخوته السديرين بالاصطفاف خلف معركته الحاسمة مع القاعدة. وبالرغم من أن الملك لم يعد من الناحية الذهنية والعملية قادراً على ممارسة دوره كملك أو اصدار الأوامر، فإن الامير عبد الله حاول الحصول على موافقة كبار الأمراء مثل وزير الدفاع الامير سلطان والامير سلمان.

 قيادة الامير عبد الله على المحك

 ليس هناك ما ينبىء عن طبيعة الاتفاق الذي تم بين الامير عبد الله وأخوته السديريين بخصوص التعاون معه في الحملة من أجل استئصال شأفة القاعدة من البلاد. وعلى أية حال، فهناك ما يشير الى بدء مرحلة جديدة من العلاقة بين العائلة المالكة والقاعدة، وتتميز هذه المرحلة بالتالي:

الاول: نهاية الحوار السري الطويل مع تنظيم القاعدة، والذي كانت تديره وزارة الداخلية وبخاصة الاميرين نايف ومحمد بن نايف.

الثاني: مهلة الشهر التي حددها الامير عبد الله لأفراد التنظيم كيما يسلّموا أنفسهم والتعامل معهم وفق حكم الشريعة. وبالرغم من أن محتويات المهلة لم تتضمن وعداً بتخفيف العقوبة بالرغم من أن أصل البيان ينم عن تنازل من قبل الحكومة، ولكن، على أية حال، فإن ما هو واضح في عرض الامير عبد الله هو تخفيف العقوبة من الاعدام الى السجن لمدد طويلة.

الثالث: مع نهاية المهلة، واصرار التنظيم الجهادي على مواصلة نشاطه المسلّح فإن أحكام الاعدام ستطالهم حال القبض عليهم.

وفيما يبدو فإن الخط المقابل من الامراء ينظرون بعين القلق حيال نجاح مبادرة الامير عبد الله الذي سيؤدي الى إثبات قدرته القيادية بالرغم من الاجماع الصلب داخل العائلة المالكة على تصفية شبكة القاعدة وازالة التهديد التي تواجهه المملكة منذ سنتين.