خطاب الرئيس الاميركي في الامم المتحدة

 ضوء على فكرة دمقرطة الشرق الاوسط

 

 تضمن خطاب الرئيس الاميركي في الامم المتحدة في الحادي والعشرين من سبتمبر الماضي تقييماً نقدياً للسياسة الاميركية في العهود السابقة مع أنظمة الحكم الاستبدادية في الشرق الاوسط، كما حمل مؤشرات على توجه سياسي جديد للادارة الاميركية حيال هذه المنطقة التي تشهد تحولات دراماتيكية ليس بفعل الاحتلال الاميركي لكل من أفغانستان والعراق فحسب، وإنما أيضاً بفعل تنامي الحركات الشعبية المطالبة بالاصلاح السياسي الشامل في أنظمة حكم ظلت لعقود طويلة مدعومة بصورة سافرة من قبل الولايات المتحدة.

لقد تنبّهت الادارة الاميركية الحالية الى قيمة الحرية التي دفع كثيرون من أبناء الشرق الاوسط ثمنها دماً وتكبّدوا الخسائر الفادحة المعنوية والمادية بفعل الاسناد الشامل للديكتاتوريات المقيته في بلدان الشرق الاوسط. وفيما كانت قارات العالم تشهد تحوّلاً جوهرياً باتجاه الحرية والكرامة والديمقراطية كان الشرق الاوسط الوحيد استثناءً في عملية التحوّل الديمقراطي كونه الخزّان الاستراتيجي للولايات المتحدة، فقد كانت الاخيرة تضع العراقيل من أجل إفساد بذور الحرية التي كان يزرعها دعاة الاصلاح وقوى التغيير. إن مايقوله الرئيس عن اتساع دائرة الحرية والامن في اوروبا واميركيا اللاتينية وآسيا وافريقيا يستثني منطقة الشرق الاوسط التي كانت تقع خارج الدائرة تلك، لأن ضمان المصالح الاستراتيجية الاميركية اقتضت سيادة الاستبداد والقمع، والمؤسسات الامنية الباطشة. يقول الرئيس الاميركي (لعقود خلت، كانت دائرة الحرية والامن والتنمية تتسع في العالم، وهذا التطور قد جلب الوحدة لأوروبا، والحكومة الذاتية لأميركا اللاتينية وآسيا، وأملاً جديداً لأفريقيا. وأن ثمة فرصة تاريخية لتوسعة الدائرة بصورة أكبر من أجل محاربة التطرف والارهاب بالعدل والكرامة وتحقيق سلام حقيقي مؤسسة على الحرية البشرية).

تضمّن خطاب الرئيس الاميركي إتهاماً للنظام الاستبدادي في الشرق الاوسط كونه وفّّر مظلّة أمنية ومادية وسياسية وفكرية للارهاب، وقال بأن الحكومات الظالمة تدعم الارهاب بينما الحكومات الحرة تحارب الارهابيين، وهو كلام صحيح من الناحية النظرية، ولكن هذا الكلام يغفل دور الانظمة الاستبدادية في داخل البلدان التي حكمتها على مستوى التأخر الاجتماعي والثقافي والتخلف الاقتصادي والظلم السياسي، فهذه الانظمة بتورّم مؤسساتها الامنية وبترسانة القمع المعقدة التي توسلت بها لحماية مصالح فئوية في الداخل واستعمارية في الخارج أريد عن عمد وسابق إصرار إغفال مهمتها التدميرية لكرامة الانسان وحريته.

لقد استعاد الرئيس الاميركي ما يمكن وصفه بالاستدارك المتأخر بأن الرغبة من أجل الحرية (ثاوية في قلب كل انسان، وأن هذه الرغبة لا يمكن اخمادها  للأبد عن طريق جدران السجون، أو قوانين الطوارىء، أو الشرطة السرية، وأن بمرور الوقت ستجد الحرية طريقها الى كل العالم). وكان الجميع يأمل بأن تكون لحرية الانسان قيمة تسمو فوق او حتى توازي المصالح المادية (النفطية بدرجة أساسية) التي بسببها دفعت شعوب المنطقة ثمناً باهضاً.

وفي اعترافه بخطأ السياسة الاميركية في الشرق الاوسط يقول الرئيس الأميركي بأن الملايين في الشرق الاوسط حرمت من حقوق الانسان الاساسية والعدالة، وذكر ما نصه (لفترة طويلة، تسامحت وبررت العديد من الدول، بما فيها الولايات المتحدة، الظلم في الشرق الاوسط بإسم الاستقرار. لقد أصبح الظلم شائعاً، ولكن الاستقرار لم يتحقق، ويجب أن نسلك طريقاً آخر. يجب أن نساعد الاصلاحيين في الشرق الاوسط في عملهم من أجل الحرية، والعمل على بناء مجتمعاً مؤلفاً من الامم الديمقراطية المسالمة).

ويضيف الرئيس الاميركي (لأنني أؤمن بأن تنامي الحرية هو الطريق الى عالم أفضل وأكثر سلماً، فإنني اقترح اليوم تأسيس صندوق لتمويل الديمقراطية داخل الامم المتحدة. إن هذه دعوة عظيمة لهذه المؤسسة العظيمة. إن الصندوق سوف يساعد الدول على وضع أسس الديمقراطية من خلال إرساء حكم القانون والمحاكم المستقلة، والصحافة الحرة، والاحزاب السياسية، والاتحادات التجارية. إن المال الذي يمنحه الصندوق سوف يساعد أيضاً على تأسيس دوائر انتخابية وأماكن للتصويت ومراكز لقياس اتجاهات الرأي العام، ودعم عمل مراقبي الانتخابات. ويضيف الرئيس الاميركي (لابداء التزامنا إزاء صندوق الديمقراطية الجديد، فإن الولايات المتحدة ستقدّم مساهمية مالية  أولية، وإنني أدعو الدول الاخرى للمساهمة ايضاً).

وبالرغم من أن هذه الدعوة جاءت متأخرة، وبالرغم مما يحيط بمثل هذه الدعوة من شكوك خصوصاً حين توضع في سياق الاستراتيجية الاميركية الجديدة في الشرق الاوسط وفي ظل الاحتلال الاميركي لكل من أفغانستان والعراق والانحياز الفاضح لاسرائيل، الا أن الاصلاح السياسي يمثل مطلباً شعبياً بالدرجة الاولى وليس تلبية لدعوة أميركية. إن محاولة اختطاف الجهد الشعبي المتنامي وإدراجه ضمن أجندة دولية على أساس أن الديمقراطية بات ينظر اليها كحل لمشكلة دولية وبالذات أميركية وهي الارهاب، تدفع بكل التيارات الاصلاحية في أرجاء الشرق الاوسط للتوجس خيفة من مشاريع الدمقرطة ما لم تضع في حسابها مطالب شعوب المنطقة وخياراتها الحقيقية. إن البداية الحقيقية للاصلاح تنطلق من نبذ أشكال الوصاية سواء كانت من قبل الانظمة الاستبدادية او من التحالف الاستعماري الذي يخرج المنطقة من بوابة ليدخلها من أخرى عن طريق استغلال التطلعات الشعبية نحو الحرية والديمقراطية. وإذا كانت هناك نية صادقة لدى الادارة الاميركية وحتى هيئة الامم المتحدة لارساء أسس الديمقراطية في الشرق الاوسط، فيلزم خلق المناخ المناسب لمشاركة القوى السياسية الفاعلة في ادارة عملية التحول الديمقراطي.