حين يدافع الضحية عن جلاده

 تقرير الخارجية الأميركية حول حقوق الإنسان في المملكة لعام 2003 والذي صدر في الآونة الأخيرة جاء شاملاً لكافة التطورات في هذا المجال، كموضوع الإعتقالات والإصلاحات والسجناء السياسيين وحقوق المرأة والعمال الأجانب والحريات الدينية للمواطنين والأجانب على حد سواء.

وبالرغم من أن الخارجية الأميركية هي من بين أهم المؤسسات الأميركية المشهود لها بقربها من الموقف الرسمي السعودي، وبالرغم من أن وزير الخارجية الأميركي حاول التخفيف من وطأة وقع التقرير على حلفائه السعوديين، إلا أن الأخيرين اعتادوا إما الصمت على ما تنشره الخارجية الأميركية من تقارير سنوية، أو شن حملة مضادة ـ في الصحافة المحلية على الأقل ـ تندد بالتقرير دون أن تبدي ملاحظات على ما فيه أو حتى الإشارة إلى ذلك، فهناك شيءٌ ما في التقرير يجب أن يدان أو حتى كل التقرير وكفى، ولا يحتاج المواطن الى التعرف على ما قاله التقرير.

في العام الماضي تركزت الحملة السعودية المضادة على مقولة أنه لا توجد انتهاكات لحقوق العمال الأجانب، وهو دفاع متهافت، وفي هذا العام كان الوضع استثنائياً، فقد صرح الشيخ حسن الصفار، أحد أبرز القيادات الشيعية في المملكة ضد التقرير الأميركي، وندد بما تفعله الولايات المتحدة الأميركية في مناطق أخرى من العالم العربي والإسلامي كالعراق وفلسطين، وشكك في نوايا الأميركيين في تبنّي موضوع حقوق الإنسان والديمقراطية والدفاع عنهما، وألمح الى أن قضية الشيعة في المملكة كمشكلة تحلّ داخلياً بين المواطنين الشيعة وحكومتهم.

بيد أن هذه التصريحات التي لاقت صدىً طيّباً لدى السلطات السعودية خلقت موجة من النقاش والنقد بين ضحايا النظام من المواطنين الشيعة؛ فرغم الحسّ الحالي بالعداء للسياسة الأميركية لدى كل المواطنين، إلا أن البعض رأى في تصريحات الشيخ الصفار (تبرعاً بلا ثمن) للدفاع عن النظام وسياساته تجاه مواطنيه. وذكّر المنتقدون بمسلمات تتعلق بالتقرير الأميركي: أولها، حقيقة ما جاء في التقرير من معلومات، إذ لا يستطيع أحد لا من المسؤولين ولا من غيرهم أن ينفي حقائق الإنتهاكات المتعددة وخاصة تلك التي تتعلق بالتمييز الطائفي ضد المواطنين الشيعة. ومن هنا، قال المعترضون على تلك التصريحات أنه كان من الأوجب بدل نفي تلك التصريحات أن تقوم الحكومة بمعالجة أخطائها الكثيرة. أما المسلمة الثانية، فتتعلق بهدفية الدفاع عن نظام الحكم، فالقول بأنه لا يراد من الأميركان التدخل في الشأن الداخلي إنما تنطبق على أنظمة وطنيّة ذات الحساسية الشديدة تجاه استقلالها، والسعودية ليست من هذه البلدان، والحقيقة التي يجب أن لا تغيب عن الذهن هي أن الأميركيين كانوا ولازالوا يتدخلون في كل شؤون الحياة السياسية والإقتصادية وحتى الفكرية والثقافية في المملكة، فإذا كان التدخل غير المحمود هو ذاك الذي يعزز الديكتاتورية والفساد ونهب ثروات الوطن، فإن التدخل الأميركي لضبط تصرفات حلفائهم الأمراء المخالفة لقوانين الأرض والسماء أمرٌ لا يفترض أن يكون مستنكراً، في ظرف مثل السعودية، خاصة إذا ما جاء الإستنكار من (الضحية) وخصوصاً أيضاً إذا ما كان التقرير قد استند الى معلومات جمعها دبلوماسيون ورجال الكونغرس زاروا السعودية ومدنها، إضافة الى تقارير المنظمات الدولية وغيرها، أي تحت سمع وبصر وبموافقة الحكومة السعودية نفسها.

أما المسلّمة الثالثة، فتتعلق بالإتهامات التي عادة ما تدرج بخلفية طائفية ضد الشيعة وأنهم مجرد (طابور خامس) وما أشبه. ولكن للتذكير فحسب، فإن القمع المركز في الثمانينيات وحتى منتصف التسعينيات الذي سلطته العائلة المالكة وحليفها الديني ضد الشيعة لم يكن ليتم إلا بغطاء ودفاع أميركيين، بل أن مجمل سياسات الحكومة بشأن الموضوع الشيعي الحساس في المملكة كانت تأخذ بعين الإعتبار المقترحات الأميركية. لقد كانت الحكومة السعودية وحليفها الديني أثيرين لدى الأميركيين الى ما قبل الحادي عشر من سبتمبر 2001، ومنذ ذلك التاريخ بدا وكأن شيئاً قد تغيّر، وهذا ليس مؤكداً أيضاً. والمشكلة الحقيقية هي أن الضغط السياسي والفكري والمادي على المواطنين الشيعة، جعلهم يتبرعون بالدفاع عن أنفسهم تجاه تهم لا يليق إلصاقها إلا بجلاديهم ومضطهديهم الذين قام حكمهم وانتشر فكرهم بترحيب ودعم من الأميركيين.

فهل التدخل الأميركي والتصريحات الاميركية الداعمة للنظام ورموزه بل وأيديولوجيته التي استثمرت أميركياً طيلة العقود الماضية حلال، في حين يكون نقده على أخطاء بل جرائم لا يستطيع الدفاع عنها من المحرمات، وهل إذا ما واجه النظام النقد يتحمل الضحية الدفاع عن جلاده بلا ثمن ولا نيّة في تغيير سياساته، بل لمجرد إثبات براءة الذات من تهمة صنعها الجلاد الذي يمارس العمالة أو قريب منها؟