بين (أيوب) و (نوح) و (السيد الراحل المالكي)

 

يتمنّى بعض متطرفي الوهابية أن يحلّ الموت أزمتهم مع من يعتبرونهم (صوفية!) الحجاز، ممن يعتنقون مذاهب غير أثيرة لديهم (الشافعيين والمالكيين والأحناف).

وبرحيل فقيه الحجاز وزعيم مكة، السيد محمد علوي المالكي، اكتشف (السياسي) بأنه لا بدّ أن يتخذ خطوة وهو يرى الجماهير الهادرة تشيّع فقيدها، بما ينضوي عليه ذلك التشييع من احتجاج ديني أو سياسي، فسارع ولي العهد السعودي الى بيت الفقيد الراحل يعزي عائلته وإخوانه، وليقول بأن الراحل حافظ على ولائه لدينه ووطنه!

ولمن لا يعلم ببواطن الأمور، فإن ولي العهد نفسه، ربما بسبب المحيطين به، كان الأكثر تعصباً وكرهاً للسيد محمد علوي المالكي، ولكن السياسة اقتضت أن يذهب لبيت الفقيد ويعزي أهله، إذ لا فائدة بمصادمة المشاعر العامّة، وإن كان هناك من أرباح سياسية، فقد تحققت بموت من (لا يحبونه) وبقي (التمسيج) على مشاعر العامة ضرورة لازمة لما يستقبل من سياسات.

أما أصحاب الديانة!، زعماء المؤسسة الدينية، فيرون أن موت السيد المالكي فرصة جديدة تتاح لهم، بعد أن أُزيحت العقبة، لكي يقوموا بما عجزوا عنه سابقاً بالتبشير لمذهبهم. ولكي لا يشوب (دينهم) شائبة شرك أو بدعة، لم يتقدموا بالعزاء، ولم يشاركوا فيه، فكيف يعزّوا شخصية ليست (دينية) بنظرهم، كيف سيجيبوا أتباعهم عن فتاواهم السابقة، إذا ما حضروا مأتم العزاء، وقد قالوا ما قالوا في (بدعية) الراحل رحمه الله، وشنعوا بـ (خرافاته) و (شركياته) و (أباطيله)؟

الموت بالنسبة لهؤلاء نعمة؛ فما عجز عنه (المذهب) بأفكاره ومعتقداته، أي ما عجز عنه بقواه الذاتية، وبقوى الدولة التي تسنده، يمكن أن يتحقق بالإتكاء على الأحلام وعلى قضاء الله وقدره في الحياة والممات، كي يفتح لهم الثغرات المسدودة، فيرفع الراية (التوحيدية النجدية) الخالصة في سماء مكة (المشرك أهلها) كما أفتى مشايخهم، ومن بينهم الشيخ حمد العتيق!

حين تعجز الفكرة أو الحركة عن الإقناع تتوسّل بالميتافيزيقيا، وتنسج أحلامها على تلك الأسس.

وحتى في السياسة، حين يعجز المواطنون عن إصلاح الوضع، ويفقدون الأمل، يتجهون الى العنف والى قوى الخارج أو انتظار القدر الرباني ليهلك الطاغية (الفرد) ويستبدلهم خيراً منه!

انتظار الأقدار، يصبح المخرج المناسب للعاجزين والفاشلين.

هناك من انتظر وفاة الملك فهد منذ إصابته بالجلطة عام 1986 وحتى الآن!

المنتظرون أولئك، ليسوا شرائح من المواطنين فقط، بل من أمراء العائلة المالكة الذين عجزوا عن الوصول الى اتفاق يتم بموجبة إحالة الملك (المقعد واللاواعي) الى التقاعد وإزاحته عن العرش، سواء بحجة دينية أو واقعية. ولذا قالت النكتة المحلية أن ولي العهد غير إسمه الى (أيوب)! والملك الى (نوح)!

وكما ينتظر (الأيوبيون) ملكاً جديداً، قد ينتظر (الأيوبيون الوهابيون) مالكياً آخر، وحين يفشلون يكررون الإنتظار، دون الإمعان في قوى الذات، في الفكرة والمعتقد ونقدهما.

المسألة ليست مغالبة بالعضلات، ولا شخصنة المعتقدات والأفراد، فإذا مضى الوجه البارز انهار (السيستم)!

كلا..

هناك سنن وضعها الخالق في هذا الكون، والموت أحدها، ولكنها لا تختزل فيه وحده.

هناك طرق للإصلاح، من يعجز في التفتيش عنها، ليس أمامه إلا البحث عن مخدّة أحلام ينام عليها.

وهناك طرق لفحص الفكرة والمعتقد ووسائل انتشارهما ومعرفة مدى قبول الناس بهما، ومن لا يجد العيب إلا في الآخر، ينتقصه ويبحث عن مثالبه وعيوبه، فإنه ليس يبقى أسير ما لديه من معتقدات بما تتضمنه من أخطاء، بل يصبح عاجزاً عن إصلاح نفسه فضلاً عن إصلاح غيره وإصلاح وسائل الدعوة إلى الله.