مقامرات 2005

  

عام 2004م، كان الأسوأ بالنسبة لنظام الحكم في المملكة، من جهة الإستقرار السياسي، منذ قيام المملكة رسمياً عام 1932م. فهو أكثر الأعوام عنفاً ودموية، وأكثرها نضوجاً سياسياً شعبياً مطالباً بالإصلاح، كما كان أكثر الأعوام من جهة هبوط سمعة العائلة المالكة ومكانتها وشرعيتها الوطنية والدينية بين الشعب، إضافة الى كونه  أسوأ عام شهد توتراً في العلاقات بين المملكة وحلفائها الغربيات (أميركا وبريطانيا) منذ أن قامت الدولة، بل وقبل أن تقوم!

لكن عام 2004م، شهد أفضل إيرادات مالية نجمت عن ارتفاع أسعار النفط منذ منتصف الثمانينيات الميلادية. ولعلّ هذه كانت الإيجابية الوحيدة من العام الفائت الذي ودّعته البلاد وهي لا تعلم ما يخبؤه المستقبل، أو العام الجديد 2005م.. ولكن المؤشرات كلها غير مشجّعة والنفوس في داخل الوطن وجلة وغير متفائلة، حتى على المستوى الإقتصادي، و (نصف الطفرة النفطية) التي شهدتها البلاد العام الماضي. فالأقرب الى التوقعات أن أموال النفط ستضيع كما ضاعت سابقاتها، ولن تحلّ الأزمات العاصفة والمزمنة التي تشهدها المملكة؛ فضلاً عن أن أسعار النفط في طريقها الى الهبوط مجدداً، أو بدأت بالهبوط، بسبب عدم الإستقرار في السوق النفطية وعدم وضوح الرؤية السياسية في منطقة الشرق الأوسط.

أما العنف المحلّي فبلا نهاية واضحة حتى الآن. وبالرغم من أن الحكومة ومسؤوليها مازالوا يتحدثون بلغة متفائلة عن قرب إنتهاء العنف، وأن خلايا الإرهاب قد تمّ استئصال معظمها، إلا أن الحقيقة تبقى بأن هذا الكلام مضى عليه مدّة طويلة ولم يتحقق. ومع كل ضربة حكومية، يخرج المارد من قمقمه فيردّ الصاع صاعين؛ ومع تقلّص أعداد المطلوبين في قوائم الحكومة، والذين قضوا حتفهم قتلاً وانتحاراً، فإن أجيالاً جديدة يجري توظيفها للقيام بمهمّات مستقبليّة، الأمر الذي يجعل المواطن يشكّ كثيراً في أن عام 2005م سيكون (عام الحسم) بالقضاء على خلايا العنف.

الحقيقة قد تكون أبعد من هذا، هناك من يتوقع أن يتوسع العنف ويتجذّر أكثر فأكثر، فمن جهة يتوقع أن يطال العنف المؤسسات الرسمية والحكومية والمنشآت الإقتصادية التي لم تكن تهاجم في الماضي؛ ومن جهة ثانية، فإن العنف لن يطال ـ في هذا العام ـ الأميركيين والغربيين المشمولين (بالمشركين في جزيرة العرب) المراد إخراجهم منها.. بل سيطال ـ وربما لأول مرّة ـ رموز العائلة المالكة وأعضاءها، ومسؤولي الحكومة والوزراء.

إن قائمة المستهدفات تتوسع أكثر فأكثر، سواء من الحكومة أو من تنظيم القاعدة، الذي يستعدّ لمعارك فاصلة مع نظام الحكم، قد تخلّف وراءها المآت من الضحايا الأبرياء، وخراباً أوسع مما شهدناه في العام الماضي، ولربما نشهد ـ فيما لو حدث ما يتوقّع هنا ـ المزيد من التدخّل الأجنبي (الأميركي خصوصاً) لتأمين الإمدادات النفطية بأسعار رخيصة ـ إن لم تكن زهيدة.

عام 2005م، قد يشهد قمّة المواجهة بين عنف السلطة وعنف القاعدة. وهو عام لن يشهد (إصلاحات) سياسية تعطّلت في الأساس لممانعة من العائلة المالكة، ولوجود ذرائع غير منطقية غيّرت الأولويات ـ أو هكذا كانت ولاتزال الحجّة الرسمية ـ وأول تلك الذرائع: تصاعد العنف، وبالتالي فإن الهدف الأول للحكومة إعادة الأمن والإستقرار بمزيد من العنف المضاد؛ أما الإصلاحات فمؤجّلة سواء نجحت الحكومة في مهمتها أم لم تنجح.

لربما يؤدي المزيد من العنف الى ضغط شعبي وخارجي على العائلة المالكة للإسراع في الإصلاح السياسي (أو البدء به) وقد يغيّر العنف الأجواء تماماً، حيث لا يبقى سوى صوت (الإستئصال) من كلا الطرفين.

الأقرب الى التوقع، أن المملكة مقبلة على عنف بشع لم تشهده في تاريخها، والأقرب الى الحدوث هو الحلول الإستئصالية التي لا تبحث في لباب المشكلة وجذورها، بل تحاكم الأمور في ظواهرها. فلحدّ الآن، لاتزال قراءة العنف وأسبابه ومولّداته ومفاعيله تناقش بسذاجة متناهية، وهذا ما يمكن قراءته من خلال ردود الأفعال الحكومية، وسياساتها المحليّة. حيث يتراءى للباحث بأن المسؤولين يعيشون عالماً آخر من الأوهام والأحلام، ولم يدركوا بعد حجم المشكلة وتعقيداتها، كما لم يدركوا الثمن الواجب عليهم دفعه للتخلص من غائلة العنف، وهو ثمن لا يبدو أنهم مستعدون لدفعه الآن، الأمر الذي يدفعهم الى المقامرة بمصير الوطن وأهله.