زعلت السعودية فخسرت البحرين

خراب السعودية يزيد في النمو الإقتصادي لدول الخليج

 أعادت الحكومة السعودية النظر بشأن تنازلها عن حقوقها في حقل ابو سعفة النفطي الذي تمتلكه الحكومتان السعودية والبحرينية مناصفة. وكانت الحكومة السعودية ـ وبمبادرة منها لمساعدة البحرين في حل أزمتها الإقتصادية التي كانت أحد عوامل عدم الإستقرار في السنوات الماضية ـ قد تنازلت عن حصتها النفطية لفترة غير محددة من منتجات الحقل النفطي والتي تقدر بنحو 300 ألف برميل يومياً.

 ساعدت الهبة السعودية البحرين كثيراً، وهي التي تعدّ أقل دول الخليج من جهة الموارد الإقتصادية، خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط في العامين الماضيين، وبعد الإستقرار السياسي الكبير الذي حدث وأدّى الى استجلاب رساميل أجنبية وخليجية، جعلت البحرين ـ حسب منظمة الشفافية العالمية ـ من بين الدول المتقدمة من حيث مستوى دخل الفرد، حيث وصل عام 2003 الى ما يقارب من 17 ألف دولار سنوياً، في حين كان دخل الفرد السعودي لنفس العام لا يصل الى ثمانية آلاف دولار فحسب.

هذا النمو الإقتصادي البحريني، شجّع السلطات هناك على الإستثمار في حقل ابو سعفة، حيث صرفت الحكومة البحرينية نحو 800 مليون دولار لذلك الغرض، على أمل زيادة انتاج النفط من الحقل الى نحو نصف مليون برميل يومياً. لكن الحكومة السعودية بغضبها على الحليف الوحيد المتبقّي لها في الخليج ـ بسبب عقده اتفاقاً مع الولايات المتحدة للتجارة الحرّة ـ أدّى الى استعادة الحكومة السعودية لحصّتها من الحقل، وإيقاف المنحة السعودية، الأمر الذي عنى للبحرين أنها لن تجني شيئاً ذا بال من تطوير الحقل الذي تحمّلت كامل مصاريفه لوحدها.

لقد حاول أمير البحرين أن يثني السعوديين عن قرارهم، وسافر الى الرياض شارحاً الأمر، ولكن الأمراء رفضوا تفهّم المصالح البحرينية، التي اعتقد السعوديون أن اتفاق التجارة الحرة إنما جاء بغرض عزل السعودية.

لكن القرار السعودي بنظر المسؤولين البحرينيين لن يؤثر كثيراً على الإقتصاد البحريني، الذي بدأ بالنمو ودخل طوراً جديداً توسعياً. وحسب هؤلاء، فإن القرار السعودي وإن جاء مفاجئاً، إلا أن توقيته كان مناسباً لتحرير كل من الإقتصاد والسياسة الخارجية البحرينية من الضغوط السعودية.

إن تدهور الأوضاع الأمنية وعدم الإستقرار السياسي في السعودية، وفشل السياسات الإقتصادية، أدّى الى نزوح بشري مكثف الى دول الخليج، كما ادى الى نزوح الرأسمال السعودي الى الخارج على شكل استثمارات في شتى الميادين، خاصة في دبي، تليها البحرين وقطر والكويت وعمان. وكأن فشل السعودية المحلي يؤسس لنشاط اقتصادي طارد للرجال والأموال الى خارج الحدود. إن البحرين ـ على سبيل المثال ـ تعيش على الأخطاء السعودية، فمطارها صار مطاراً للسعوديين في المنطقة الشرقية بدل مطار الدمام (الفاشل)؛ وبسبب اختناق الجو الإجتماعي، رحل سعوديون كثير ليقيموا في البحرين بشكل دائم؛ وحين يفشل التعليم السعودي، ينتقل أبناء السعودية الى البحرين ليتعلموا في المدارس الخاصة هناك (ومن بينهم أبناء أمير المنطقة الشرقية نفسه). وحين تضيق القوانين المحلية على رجال الأعمال، يهاجر باعة الذهب الى دبي وغيرها، وتذهب الشركات السعودية لتستثمر في دبي عقارياً وغيره.

المملكة بشكل عام تعيش حالة صعبة في كل الإتجاهات. ربما يكون ذلك من حسن حظ البحرين ـ على الأقل!

أما على المستوى السياسي، فإن انشغال السعودية بنفسها أمنيّاً، حرّر دول الخليج الأخرى للبحث عن حماة جدد (كبار) ، كما حررها من الإعتماد على السعودية سياسياً وصارت تصنع من ذواتها زعامات مرجعية، كما تحاول أن تلعب أدواراً تبدو في بعض الأحيان أكبر من حجمها.

وبمقدار تباعد السعودية عن جيرانها، لأسباب سعودية بدرجة أولى، وجدنا في السنوات الأخيرة أن دول الخليج الأخرى بدأت بتعزيز علاقاتها مع بعضها البعض، بعيداً عن القرار السعودي، فقد استخدمت فيما بينها البطاقة في العبور، وتوثقت عرى العلاقات الإقتصادية بين البحرين والكويت، والبحرين وقطر، وبين الأخيرة والإمارات، وبين الأخيرة وعمان وهكذا، الى حد التوافق على بناء جسور بحرية بدل المرور في الأراضي السعودية! وحتى الكويت، فإنها مشغولة بالوضع العراقي وبتوثيق علاقاتها السياسية والإقتصادية به، أكثر من اهتمامها بما يجري في السعودية أو موقفها.

وهناك ظاهرة جديدة بدأت بالتبلور بين دول الخليج، وهي محاولة إبعاد نار الإرهاب القادمة من السعودية؛ إذ بدأت ملامح التمييز بين الخليجيين والسعوديين في بعض منافذ دول الخليج، التي صارت تشدد على القادم السعودي الذي قد لا يعدو من وجهة نظرهم ان يكون (مشروع إرهابي) محتمل.

هذا كله يكشف عن نظرة مجملة، وهي أن السعودية بدأت تصبح من وجهة نظر عامة (موطن خراب) او هو آيل الى الخراب والتدهور، وما شأن جيرانه إلا أن يستفيدوا من تضعضع البنيان السعودي من جهة، ودرأ المخاطر المحتملة الآتية منه من جهة أخرى.

هنيئاً لنا جميعاً موطننا الغالي الذي ننشد معزوفته الملكية: إرفع راسك انت سعودي؛ غيرك ينقص وانت تزودي!