الغيوم بدأت بالتجمّع من جديد

واشنطن: 2006 هو التاريخ النهائي للتغيير في السعودية

 

 

العبقرية السعودية أرادت أن تبيع ماءً آسناً في حارة السقايين؛ وكأن حكومة الأمراء قد جاءت بالذئب من ذيله، أو الديمقراطية من جذورها الى المجتمع السعودي المحافظ. الأمراء ارادوا تسويق شيء هزيل إسمه (المجالس البلدية) وكيف أن التقدم السعودي السريع باتجاه الديمقراطية سمح بأن ينتخب الشعب نصف أعضاء المجلس البلدي!

التخفي وراء (الخصوصية السعودية) و(خصوصيتنا الإسلامية) و(مجتمعنا المحافظ) و (الإصلاح التدرجي) و (التغيير النابع من الذات وليس المفروض من الخارج) قد تجد لها بعض صدى عند الجهلة، أو أصحاب المنافع من أعضاء الحلقة المخملية المنتفعة من النظام.. لكن هذه الذرائع لا يمكن أن تُقبل وتسوّق لدى حلفاء النظام في الغرب. كيف يمكن أن تقنع الغرب بجديّة التغيير في السعودية، في وقت يرفض الأمراء أن تكون هناك انتخابات لمجلس الشورى بالمطلق؛ وكيف يمكن إقناعهم بصوابية قرار إبعاد المرأة في انتخابات البلدية، وكيف سيشعر الغربي أن الحكومة التي تعين نصف المجالس البلدية هي حكومة ديمقراطية؟

لا يمكن لآل سعود أن يبيعوا لعبة الديمقراطية على صنّاعها! ولا يستطيعون استهبالهم، وإقناعهم بما لا يمكن الإقتناع به.

طلبت الحكومة من عدة وزارات ومؤسسات أن تقدّم بحوثاً بشأن احتمالية تقسيم المملكة، كان ذلك في صيف 2002م؛ وقد قدم جهاز المباحث رأيه، وكذلك الإستخبارات، ومجلس الشورى عبر فريق عمل اختير لتلك الغاية، وأخيراً وزارة الخارجية. الجميع قرأوا ما نُشر حول موضوع (التقسيم) من دراسات ومقالات، وقد اكتشفوا أن هناك رغبات خارجية وداخلية نحوه (اي التقسيم) وأن الأخير ممكن الحدوث، بدعم خارجي على الأرجح. وكل الدراسات التي قدمت أشارت الى أن الإصلاحات السياسية أمرٌ لا مفرّ منه، وضرورة لوحدة المملكة. بل أن وزارة الخارجية في تقريرها أو دراستها قالت بأن الولايات المتحدة قد أمهلت السعودية ومصر الى عام 2006م كيما تثبتان جدّيتهما في إصلاح نظاميهما السياسيين وإدخال تغييرات ديمقراطية شاملة. وكأن الحكومة الأميركية هنا، وتحت ضغط أوروبا أعطت النظامين الحليفين الفرصة ليثبتا مزاعمهما، بأنهما (مع التغيير من الداخل)! وأنهما للحفاظ على ماء وجههما لا يقبلان تدخلاً خارجياً (مراعاة للخصوصية) المزعومة.

خلال الشهر الماضي، بدا ان مصر ممثلة برئيسها مبارك قد خرجت من ولادة متعسرة الى أخرى أقلّ منها، حين طالب مبارك من برلمانه أن يعدّل الدستور كي يتيح للشعب انتخاب رئيسه بشكل مباشر. وبغض النظر عما ستؤول اليه الديمقراطية المصرية التي يديرها الأمن المصري، فإن فصلاً جديداً سيفتح في مصر، استجابة للضغوط التي أعلنها بوش حين طالب مصر بأن تقود عملية التغيير الديمقراطي في العالم العربي! فما كان من ضباط المباحث إلا أن قرروا ـ وقبل أن يعملوا شيئاً ـ أن مصر هي كذلك بالفعل!

السعوديون لا يريدون أن يقتنعوا بأن العالم كله غير معني (بخصوصياتهم) المزعومة، وأن لعبة التأجيل في الإصلاحات ما عادت شأناً سعودياً منذ أحداث 11/9؛ فالإصلاح ضروري لأمن أوروبا وأميركا؛ ولكن السعوديين مازالوا يعيشون عوالم ما قبل 11/9 بل ما قبل سقوط الإتحاد السوفياتي والكتلة الشرقية! يدلنا على ذلك هو تسويقهم ما لا يسوّق! وبيعهم ما لا يُباع! واعتمادهم سوقاً لا تتقبل منتجهم لا بين النخب ولا بين المفكرين والعامة. فسعود الفيصل الذي جاء الى لندن ليتحدث عن المشتركات العظيمة في القيم بين المملكتين! البريطانية والسعودية، في مكافحة الإرهاب والترويج للديمقراطية، والحرية وغيرها.. هذا الرجل افتقد فيما يبدو التمييز بين الأشياء. فالبريطانيون يريدون في الوقت الحاضر مجرد قطف ثمار ما جرى لـ(الفقيه) على شكل صفقات وعقود لشركاتهم، وليسوا مغرمين بنهج الحكومة السعودية الحالي، ولا تطور ديمقراطيتهم!

هناك في الأفق ترتيبات بين دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تشير الى أن الجميع يتحركون لفرض المزيد من الضغوط على السعودية وغيرها لتغير نهجها. والمفاجئ أن غيرهارد شرويدر وهو في زيارته للسعودية أواخر شهر فبراير الماضي، خرج عن المتعارف عليه فأعلن بأن ما قامت به الحكومة السعودية من إصلاحات (نصف انتخابات بلدية) غير كافٍ، وهو بهذا يتناغم مع ما قاله بوش مرتين خلال شهر بشأن وجوب قيام الحكومة السعودية بإصلاحات سياسية.

عمى الألوان الذي أصاب المسؤولين السعوديين قد يوقعهم في مأزق حقيقي، فهم يسوّفون على أمل حدوث أمرٍ يعفيهم من مسؤولية اصلاح نظامهم السياسي والتنازل ولو قليلاً لشعبهم؛ ولكن هذا التسويف سيتسخدم كدليل إدانة ضدهم مثلما استخدم ويستخدم ضد غيرهم على أساس أنهم يرفضون الإصلاح والديمقراطية، وأن الوقت الذي أعطوا إياه كان أكثر من كافٍ لو أرادوا، وبالتالي قد تنشأ آراء راديكالية تسعى لتغيير السعودية بالقوة، أو اعتبار إزاحة العائلة المالكة مقدّمة لتلك الإصلاحات.

كان لدى الحكومة السعودية أربع سنوات من الوقت للقيام بالإصلاحات، لكنها حتى الآن لم تفعل شيئاً يستحق الذكر، اللهم سوى السماح بالحديث عن الإصلاحات دون القيام بأي فعل جاد، لا على الصعيد الثقافي ولا الفكري والسياسي ولا حتى الإقتصادي؛ وحين يضيق الوقت، وتنتهي الفسحة الممنوحة للمسؤولين، سيكون عليهم لزاماً حينها إما الإسراع بصورة تستدعي حرق المراحل، أو التنحّي جانباً ومقاومة التغيير من أساسه، وحينها سيصبح قرار تغيير السعودية يمرّ عبر إنهاء الملكية السعودية.