نقد تقرير الخارجية الاميركية حول حقوق الانسان في السعودية

 صمت مشين حيال قضية إعتقال الإصلاحيين

 

أصيب الاصلاحيون في السعودية بخيبة أمل كبيرة عقب صدور تقرير الخارجية الاميركية حول حقوق الانسان في السعودية في فبراير الماضي، والذي تضمن إشادات ضمنية باوضاع حقوق الانسان في هذا البلد، والذي كان بالامس القريب مدرجاً على قائمة الدول المنتهكة لحقوق الانسان الاساسية وللحريات الفردية.  

في أحسن الاحوال، لاذ معدو التقرير بالصمت عن انتهاكات حقوقية عديدة في السعودية.. فقد صمت التقرير عن خروقات أهل الحكم في مجال الحريات الفردية، وحرية التعبير، والاعتقاد، والاجتماع، وصمت أيضاً عن الانتهاك السافر لحقوق المرأة السياسية والفكرية والاجتماعية.. في وقت كانت المرأة في هذا البلد قد بدأت في تأهيل إطارات عمل نسوية من اجل النشاط المطلبي السلمي، ولكن أكبر قصور وتقصير في تقرير وزارة الخارجية الاميركية هو تجاهله لقضية الاصلاحيين الثلاثة ومن لحق بهم فيما بعد من الناشطين الحقوقيين والمناصرين للاصلاح السياسي في السعودية.. إن صمتاً بحجم صمت وزارة الخارجية عن قضية بحجم قضية اعتقال الاصلاحيين لا ريب أنه مشين وموضع تساؤل إستنكاري كبير. فقد كان وزير الخارجية الاميركي السابق كولن باول شخصياً شاهداً على حدث الاعتقال، وقد صرّح بأنه ناقش نظيره السعودي الامير سعود الفيصل في موضوع اعتقال الرموز الاصلاحيين في السعودية، الذي جاء قبيل زيارة كولن باول الى الرياض، وكان متوقعاً منه بل ومن الادارة الاميركية أن تبدي موقفاً حازماً إزاء قضية تقع في حقل مبادئها وقيمها الديمقراطية.

إن تجاهل التقرير لقضية الاصلاحيين الثلاثة ينمّ عن موقف أميركي غير مبرر من قضية الاصلاح السياسي في السعودية، وإن صمت الخارجية الاميركية إزاء اعتقال الاصلاحيين يفهمه التيار الاصلاحي الوطني في المملكة على أنه تجاهل مقصود لموضوع الاصلاح السياسي برمته. وعليه، فإن الاصلاحيين في المملكة ينظرون الى تصريحات الرئيس الاميركي حول الاصلاح السياسي في السعودية بأنها غير ذات قيمة ما لم تتحول الأقوال الى أفعال، وأن الطريقة المزدوجة والمواربة التي تتبعها الادارة الاميركية حيال قضية الاصلاح السياسي والرموز الاصلاحية في السعودية هي مورد استنكار وشجب من كافة القوى السياسية الديمقراطية في هذا البلد، بل ويشاطرها في ذلك القوى الديمقراطية في كل أرجاء العالم. ولذلك، فإننا ندعو الخارجية الاميركية لإعادة النظر في تقريرها السنوي عن أوضاع حقوق الانسان في السعودية وعدم الخلط بين الاغراض السياسية للعلاقات الثنائية بين البلدين والمبادىء الديمقراطية  التي تضمنها الدستور الاميركي وعكستها التجربة السياسية والادارية في الولايات المتحدة وأشاعتها المؤسسات الثقافة والفكرية وأعلنها الخطاب السياسي الرسمي الاميركي. إن المصالح بين الولايات المتحدة والمملكة لا يجب أن تحول دون تشجيع الاخيرة على تبني الاصلاح السياسي الشامل والفوري خياراً شعبياً وطنياً، وإن من مصلحة الادارة الاميركية التعامل بصدق وجديّة مع إرادة الاغلبية الساحقة في المجتمع السعودي، هذه الارادة التي تجسّدت في انبثاق تيار وطني إصلاحي يمثّل الطيف السياسي والاجتماعي العام في المملكة، فقد جاءت عرائضه المرفوعة الى القيادة السياسية السعودية منذ يناير عام 2003 كاشفة عن مستوى متقدم في الرشد السياسي والنضج الفكري ووعياً راقياً بوسائل العمل السياسي السلمي، وكان يؤمّل من القوى الديمقراطية في العالم أن تقف الى جانب ارادة الأغلبية الشعبية في هذا البلد ودعم خياره الاصلاحي السلمي الديمقراطي. الا أن التيار الاصلاحي الوطني الذي واجه تدابير قمعية مشينة من قبل أجهزة الأمن السعودية منذ منتصف مارس من العام الفائت، كان يتطلع الى موقف أشد حزماً من الدول الحليفة والصديقة للسعودية من أجل الضغط على الاخيرة للتفريق بين العمل المطلبي السلمي والعمل الارهابي الذي نشأ برعاية منها وانشق من تحت عبائتها وحظي بدعم واسناد مالي ولوجستي من مؤسساتها. كان يأمل الاصلاحيون وقوف الدول الديمقراطية الى صف التيار الاصلاحي الوطني لكبح تغوّل النزوع الامني الذي أسقط مصداقية العائلة المالكة وأسقط معها الصامتين على تدابيرها القمعية.

لابد من تذكير الادارة الاميركية بحقيقة أن وقوفها في الماضي الى جانب النظام الشمولي في المملكة ودعمها الاستراتيجي لمؤسسات النظام، قد تسبب في تعطيل عملية الانتقال الى الديمقراطية وإنها تتحمل بصورة مباشرة او غير مباشرة جزءا من مسؤولية انفراط السلم الاهلي الداخلي بتفجّر ظاهرة العنف وكسر ارادة الإغلبية السكانية.

إن القوى الاصلاحية الوطنية في المملكة تدرك تماماً أن عامل النفط يلعب دوراً مركزياً في توجيه المواقف وصنع السياسات للدول الكبرى بما يتعدى في أحيان كثيرة على المبادىء الديمقراطية التي تتبناها، ولكن يلزم الفات انتباه هذه الدول بأن هذا النهج لا يؤسس لعلاقة مستقبلية صحيحة مع أغلبية ستنظر الى حلفاء الاستبداد اليوم على أنهم قوى مضادة ومعارضة لارادة الشعب وللديمقراطية كمبدأ، وبالتالي فإن التغيير الديمقراطي قد يشمل الموقف من الحلفاء الاستراتيجيين للنظام الشمولي في المملكة.

يتطلع التيار الاصلاحي الوطني في السعودية الى أن تقوم الادارة الاميركية بمراجعة دقيقة لموقفها من أوضاع حقوق الانسان في السعودية، وبالتحديد من قضية الاصلاحيين الذين لا يزالون رهن الاعتقال في السجون السعودية، بل وان تعلن عن موقف صريح إزاء عملية الاصلاح السياسي في السعودية.. خاصة وأن التصريحات الصادرة عن الادارة الاميركية الحالية بدءا من الرئيس بوش وانتهاءً بوزير خارجيته كونداليزا رايس والتي تخلق انطباعاً باهتمام الادارة بدمقرطة السعودية وبلدان أخرى في الشرق الاوسط لم تتجاوز حد الضغط السياسي لتحقيق مكاسب اقتصادية او سياسية محددة. إن تبديد مثل هذه الانطباعات يتطلب إستمراراً وإصراراً في الضغط على السلطات السعودية من أجل الافراج الفوري عن الاصلاحيين والبدء الفعلي بتغييرات جوهرية في النظام السياسي السعودي.

 

 

التحالف الوطني من أجل الديمقراطية في السعودية