التقرير السنوي لمنظمة مراقبة حقوق الإنسان (2005)

السعودية: نظام ملكي مطلق لا يحمي الحقوق الإساسية للمواطنين

 

تتفشى انتهاكات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية التي تطبق نظام الملكية المطلقة. وبالرغم من الضغوط الدولية والداخلية من أجل تطبيق إصلاحات، فقد اتسمت خطوات الإصلاح بالتردد والقصور. ولا تحظى كثير من الحقوق الأساسية بالحماية في القانون السعودي، حيث لا يُسمح بتكوين أحزاب سياسية ولا تزال حرية التعبير محدودة للغاية. وخلال السنوات الأخيرة، قامت الحكومة بحملة من المضايقة والترهيب للسعوديين الذين يدافعون عن حقوق الإنسان وخنقت كل الجهود الرامية لإنشاء جماعات مستقلة لمراقبة الانتهاكات والإبلاغ عنها.

وما زال الاحتجاز التعسفي، وتعرض المحتجزين لسوء المعاملة والتعذيب، والقيود المفروضة على حرية الانتقال، وغياب المحاسبة على المستوى الرسمي، من الأمور التي تبعث على القلق الشديد. ونفذت المملكة قرابة 50 حكماً بالإعدام في عام 2003، بينما نفذت قرابة 15 حكماً بالإعدام بحلول منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2004. وما زالت عقبات شديدة تعترض دور المرأة السعودية في الاقتصاد والسياسة ووسائل الإعلام والمجتمع. ويعمل كثير من العمال الأجانب في ظروف تتسم بالاستغلال، وكثيراً ما تتعرض النساء المهاجرات اللاتي يعملن خدماً في المنازل للحبس طيلة الليل والنهار على أيدي مستخدميهن، مما يجعلهن عرضةً للانتهاكات الجنسية وغيرها من أشكال المعاملة السيئة.

ولم يؤد اهتمام وسائل الإعلام بالإصلاح السياسي وتصريحات الحكومة المتعلقة بحقوق الإنسان إلى تغيير في الممارسات، ولم يوسع سبل الاطلاع على المعلومات المتعلقة بانتهاكات الحقوق. وأنشأت الحكومة السعودية لجنة وطنية لحقوق الإنسان في عام 2004، إلا إنها تفتقر إلى الاستقلال.

 

الإرهاب والأمن الداخلي

 

تدهور الوضع الأمني الداخلي في السعودية خلال عام 2004. ففي 12 مايو/أيار 2003، نفذ تسعة أشخاص تفجيرات انتحارية، مما أسفر عن مقتلهم مع 26 شخصاً آخرين، حيث استخدموا سيارات ملغومة في مهاجمة ثلاثة مجمعات سكنية تؤوي عمالاً أجانب أغلبهم من دول عربية أخرى. ومنذ ذلك الحين تعاني البلاد من تفجيرات انتحارية وهجمات باستخدام الأسلحة الآلية وعمليات احتجاز للرهائن كان أغلبها موجهاً ضد العاملين الوافدين من دول غربية. وتزعم السلطات أنها قتلت أو اعتقلت 13 على الأقل من الأشخاص الستة والعشرين الذين حددتهم على أنهم أبرز المشتبه بهم في الهجمات.

وفي مارس/آذار 2004، قال الأمير أحمد بن عبد العزيز، نائب وزير الداخلية، إن بعض الأشخاص المحتجزين لأسباب أمنية أُدينوا وحُكم عليهم بالسجن، في حين لا يزال آخرون رهن التحقيق. وامتنع الأمير عن التعليق بخصوص المحاكمات وأسباب إجرائها بعيداً عن العلن. وحتى كتابة هذا التقرير لم تكن السلطات قد أعلنت أية معلومات إضافية بخصوص أي محاكمات للمحتجزين في قضايا أمنية أو من يُزعم أنهم إرهابيون.

 

حركة الإصلاح والقبض على النشطاء

 

شهد عاما 2003 و2004 عدداً من الالتماسات العلنية التي تدعو إلى تطبيق إصلاحات وتعزيز حماية الحقوق. ففي أواخر يناير/كانون الثاني 2003، أرسل 104 من المواطنين السعوديين ميثاقاً عنوانه "رؤية لحاضر الوطن ومستقبله" إلى ولي العهد الأمير عبد الله، الحاكم الفعلي للبلاد، وبعض كبار المسؤولين. ودعا الميثاق إلى إجراء إصلاحات شاملة، من بينها تطبيق ضمانات لحرية التعبير والاجتماع وتكوين الجمعيات والانضمام إليها، كما طالب بالإفراج عن السجناء السياسيين أو تقديمهم إلى محاكمة عادلة.

واستقبل ولي العهد مجموعة من الموقعين على الميثاق، وفي يونيو/حزيران 2003، عُقد "مؤتمر الحوار الوطني" الذي دُعي إليه علماء الدين من ممثلي المذاهب الإسلامية في البلاد، بما في ذلك المذهب الشيعي والمذاهب السنية الأخرى غير المذهب الوهابي . وانتقد التماس تالٍ في سبتمبر/أيلول 2003، تباطؤ خطى الإصلاح وغياب المشاركة الشعبية في صنع القرار. ووقع الالتماس 306 من الأساتذة الجامعيين والكتاب ورجال الأعمال وكان من بينهم 50 امرأة. ودعا الالتماس إلى اختيار أعضاء مجلس الشورى، المؤلف من 120 عضواً، من خلال انتخابات عامة (ويُذكر أن الحكومة تعيِّن الأعضاء حالياً)، كما أشار إلى أن الافتقار إلى حرية التعبير يزيد من تفشي التعصب والتطرف.

غير أن آخرين من أعضاء الأسرة الحاكمة لم يشاركوا ولي العهد الأمير عبد الله ميله المواتي الإصلاحيين. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2003، هوَّن وزير الداخلية الأمير نايف من شأن دعوات الإصلاح قائلاً إنها "نباح لا جدوى منه". وعندما تظاهر بعض المواطنين السعوديين في الشوارع، في 14 أكتوبر/تشرين الأول 2003 في مبادرة لم يسبق لها مثيل خلال افتتاح مؤتمر بخصوص حقوق الإنسان يحظى برعاية رسمية، ألقت قوات الأمن القبض على مئات من المتظاهرين وفرقت الباقين باستخدام القوة. وظل زهاء 80 شخصاً رهن الاحتجاز لعدة أشهر بعد ذلك دون تهمة أو محاكمة، بينما حُكم على آخرين بالجلد وبالسجن لفترات متباينة. وبحلول نوفمبر/تشرين الثاني 2004 كان قد أُطلق سراح أغلبهم، حسبما ورد.

وفي 9 مارس/آذار 2004، أعلنت الحكومة إنشاء "اللجنة الوطنية لحقوق الإنسان" التي تتألف في أغلبها من مسؤولين حكوميين. وفي نوفمبر/تشرين الثاني، أعلن أعضاء اللجنة أنهم زاروا بعض منشآت الاحتجاز ويعدون تقريراً لوزارة الداخلية. ونقلت عنهم وسائل الإعلام السعودية قولهم إن الظروف جيدة على وجه العموم إلا إن السجون تعاني من الاكتظاظ الشديد وإن ما يقرب من 80 في المائة من نزلائها من غير السعوديين.

كما شهد شهر مارس/آذار إلقاء القبض على 13 من أنصار الإصلاح الذين حاولوا توزيع التماس يدعو إلى اتباع النظام الملكي الدستوري ذي البرلمان المنتخب في البلاد. وأشاروا أيضاً إلى اعتزامهم إنشاء هيئة معنية بحقوق الإنسان مستقلة عن الحكومة. وأُفرج عنهم جميع باستثناء ثلاثة خلال عدة أسابيع بعد أن وافقوا على ما يبدو على وقف جهودهم الخاصة بتقديم التماس علني. وبدأت محاكمة الثلاثة الباقين الذين رفضوا الموافقة على ذلك الشرط بجلسة أولى علنية في 9 أغسطس/آب 2004. وكانت وكالة الأنباء السعودية الرسمية قد نقلت في وقت سابق عن مسؤول بوزارة الداخلية لم تذكر اسمه قوله إن الثلاثة أصدروا بيانات لا تخدم الوحدة الوطنية وتلاحم المجتمع على أساس من الشريعة. ولم تعلق اللجنة الوطنية الرسمية لحقوق الإنسان علناً على القضية.

وأجلت الحكومة مرتين الانتخابات المزمع إجراؤها لاختيار نصف الأعضاء في 178 مجلساً بلدياً في شتى أنحاء البلاد، وكان من المقرر حتى كتابة هذا التقرير أن تُجرى في فبراير/شباط 2005؛ أما بقية أعضاء المجالس فستعينهم الحكومة. وينص قانون الانتخابات على أن جميع المواطنين الذين لا تقل أعمارهم عن 21 سنة لهم الحق في التصويت، وقد أعلنت عدة نساء اعتزامهن ترشيح أنفسهن في الانتخابات، غير أن وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز استبعد ذلك، حيث صرح قائلاً، في 10 أكتوبر/تشرين الأول 2004، إنه لا يعتقد أن مشاركة النساء ممكنة.

وفي 13 سبتمبر/أيلول 2004، أعلن مجلس الوزراء أن الحكومة تعتزم إنفاذ القوانين القائمة التي تحظر على جميع الموظفين العموميين المشاركة بصورة مباشرة أو غير مباشرة في إعداد أية وثيقة أو خطاب أو عريضة، أو إجراء حوار مع وسائل الإعلام المحلية أو الأجنبية، أو المشاركة في أية اجتماعات تهدف إلى معارضة سياسات الدولة. وكان موظفون عموميون من بينهم أساتذة جامعيون من بين الموقعين على التماسات الإصلاح الأخيرة.

 

حقوق المرأة

 

تعاني المرأة في المملكة من التمييز الشديد ومن قيود تعوق حريتها. وتفرض "هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر"، وهي بمثابة "شرطة دينية"، الفصل الصارم بين الجنسين وتلزم النساء والفتيات بارتداء عباءات طويلة سوداء وغطاء للرأس في العلن. وبرغم أن بعض النساء يتولين مناصب مهنية في المستشفيات والمدارس والبنوك والمكاتب وغيرها، فما زلن بحاجة إلى إذن كتابي من ولي من الذكور حتى يمكنهن السفر.

وعند تعرض النساء لسوء المعاملة أو للعنف على أيدي أقارب من الذكور لا يجدن في كثير من الأحيان وسيلة للانتصاف. وقد أثارت رانيا الباز، وهي مذيعة في القناة الأولى للتلفزيون الذي تديره الدولة، قضية العنف في محيط الأسرة بطريقة علنية لم يسبق لها مثيل في أبريل/نيسان 2004، عندما أجرت مقابلات صحفية وهي في فراشها بالمستشفى وسمحت بنشر صورها التي تظهر فيها كدمات شديدة بوجهها بعد أن اعتدى عليها زوجها بالضرب المبرح. وحركت قضيتها الرأي العام وأثارت قدراً كبيراً من النقاش بخصوص مشكلة تعرض النساء للإساءة على أيدي أزواجهن.

 

العمال المهاجرون

 

أفاد وزير العمل غازي القصيبي بأن عدد العمال المهاجرين في السعودية يقدر بنحو 8.8 مليون نسمة، أي ثلث سكان البلاد. وأغلب هؤلاء العمال قادمون من بلدان جنوب وجنوب شرق آسيا مثل الهند وباكستان وبنغلاديش وسري لانكا وإندونيسيا والفلبين، غير أن عدداً كبيراً من العمال المهاجرين يقدمون أيضاً من بلدان مثل السودان ومصر. وكثيراً ما يتعرضون للعمل في ظروف تتسم بالاستغلال، بما في ذلك العمل عدداً من الساعات يتراوح بين 12 و16 ساعة يومياً تخلو في كثير من الأحيان من فترات للراحة أو فرصة لتناول الطعام والشراب، فضلاً عن عدم حصولهم على أجورهم لفترات تمتد لأشهر، وكذلك الحبس في سكن مغلق خلال ساعات راحتهم خارج العمل.

وتعمل الكثير من المهاجرات كخدماً في المنازل، وهن عرضة على وجه الخصوص لانتهاكات حقوق الإنسان بسبب عزلتهن في منازل خاصة واستبعادهن من كثير من ضمانات الحماية في العمل. وقد وثقت منظمات غير حكومية معنية بالعمال المهاجرين في كثير من البلدان الآسيوية مئات الحالات التي تعرضت فيها مثل هؤلاء العاملات للإيذاء الجسدي والنفسي والجنسي، بما في ذلك الاغتصاب، ولم ينلن قدراً يُذكر من الإنصاف أو لم ينلن أي إنصاف على الإطلاق.

ويتعرض العمال الأجانب الذين تعتقلهم الشرطة للتعذيب والاحتجاز لفترات مطولة بمعزل عن العالم الخارجي والإدلاء باعترافات منتزعة قسراً. وكان قرابة ثلثي الأشخاص الذين نُفذ فيهم حكم الإعدام في السعودية في عام 2003، ويقرب عددهم من 50 شخصاً، من الأجانب.

 

الأطراف الدولية الرئيسية

 

تُعد الولايات المتحدة حليفاً أساسياً للسعودية وشريكاً تجارياً رئيسياً لها على الرغم من أن العلاقات شابها شيء من التوتر في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001 على نيويورك وواشنطن. وكان وجود آلاف من العسكريين الأمريكيين المرابطين في المملكة سبباً رئيسياً للمعارضة الداخلية للحكومة، وخُفض عددهم من زهاء خمسة آلاف في أوائل عام 2003 إلى قرابة 500 بحلول أواخر عام 2004 رغم بقاء الآلاف من الأمريكيين الذين يخدمون عقود المبيعات العسكرية في المملكة. وفي سبتمبر/أيلول 2004، وصف، وللمرة الأولى، التقرير الدولي السنوي لوزارة الخارجية الأمريكية بخصوص الحريات الدينية السعودية بأنها "دولة تمثل مبعث قلق على وجه الخصوص". وبلغت قيمة الصادرات الأمريكية غير العسكرية للسعودية 4.6 مليار دولار في عام 2003 وهو آخر عام تتوفر عنه إحصاءات. وبلغت قيمة الصادرات من الخدمات العسكرية وغيرها من الخدمات ملياري دولار في المتوسط كل عام في الفترة الأخيرة. ويُذكر أن السعودية من مصدري النفط الرئيسيين للولايات المتحدة وحلفائها. وقُدرت قيمة الاستثمارات السعودية في الولايات المتحدة بما يقرب من 250 مليار دولار في أوائل عام 2003.

وللسعودية أيضاً علاقات عسكرية مع بريطانيا وفرنسا.