تقسيم المملكة
ميكانزم التحول الداخلي والدفع الخارجي
هاشم فدا
لم يعلن الأميركيون عن نياتهم بتقسيم المملكة الى عدّة دول، سواء
كانت أهدافهم منها تكتيكية أو استراتيجية، بدون إدراك لحقيقة (هشاشة
الوحدة الداخلية) وبدون إدراك مسبق بحقيقة المشاعر الإنفصالية في
الداخل، وبدون استنتاج واضح بأن ورقة تفكيك المملكة الى كياناتها
التاريخية السابقة أمراً قابلا للتحقّق فيما لو أرادوا.
في المقابل، هناك من يريد أن يختزل الخطر في بعده الخارجي، ويروّج
لأمور ليست صحيحة بغية التركيز على الدور الخارجي (الأميركي وتوابعه)
لأسباب تختزن هي بذاتها مشكلة المملكة الداخلية. وباختصار يمكن
القول:
* إن الدعوات الإنفصالية داخل المملكة حقيقة وإن لم يجر التعبير عنها
بشكل صريح إلا في حالات قليلة. مع أن حركة السياسة الداخلية بأبعادها
المختلفة كانت ومنذ نشأة المملكة تدور حول هذا الموضوع بشكل من
الأشكال. وهنا يجب لكي يستطيع صانع القرار وضع حلول للمشكل ولكي لا
يفاجأ المواطن العادي بحقائق السياسة (المسكوت عنها) ونتائجها من
الضروري تشخيص المشكلة بشكل صحيح. ليس الموضوع مجرد تلويح أميركي
بتقسيم المملكة سواء كان ذلك للإبتزاز الآني أو لتحقيقه فعلاً على
الأرض، وليس الموضوع مجرد (تآمر خارجي) على وحدة المملكة، قد تجد لها
من يناصرها بين المواطنين السعوديين أنفسهم فحسب. إن الدعوات
الإنفصالية لها جذورها المحلية الضاربة في القدم، وهي ما تعزّزت إلا
بسلطان الحكومة ونتيجة لسياساتها المباشرة.
لنكن أكثر صراحةً في هذا الموضوع شديد الحسّاسيّة. ليس كل المواطنين
لديهم الرغبة في استمرار الوحدة السياسية القائمة، ولا يجب أن يصاب
أحدٌ بالوهم أنهم جميعاً سيدافعون عنها. هناك متضررون من أصل قيام
الوحدة، ممن خسروا (استقلالاً حقيقياً)، وهناك منتفعون أساسيون من
وجودها كونها وضعتهم على قمة السلطة وهمّشت القوى الأخرى، وبالتالي
فإن النظرة تجاه (الوحدة) من أساسه مختلف بشأنه بين شرائح المجتمع
السعودي.
ولا يعني التشبّث بالوحدة من قبل قوى مناطقية وطائفيّة تسيطر على
الحكم وأدواته، أنّها أكثر وطنيّة من غيرها. وليس فخراً أن يدافع
المنتفع من الوحدة عنها، خاصة إذا ما جعلته (السيّد) فوق الجميع،
ومنحته احتكاراً مطلقاً في حقل السياسة والإقتصاد والعسكر والتعليم
والثقافة والإرشاد الديني والقضاء وغيرها. إن الدفاع عن الوحدة هنا
يحمل بعداً غير وطنيّاً في الأساس. إنه دفاع عن المصالح الخاصة
الضيّقة قبل أي شيء آخر، وهو دفاع عن أهداف غير وطنيّة بغطاء وطني.
أكثر من هذا يمكن قوله، إن هذا النوع من المدافعين عن الوحدة
السياسية للمملكة هم المنتهكون بصدق لها، وهم بممارساتهم وتغليبهم
لمصالحهم الضيقة واحتكارهم لمنافع الوحدة وبتعاطيهم التقسيمي للمجتمع
السعودي على أسس المنطقة والطائفة والقبيلة، هم بهذا النهج يجعلون من
ديمومة الوحدة والرغبة فيها والدفاع عنها أمراً مستبعداً.
حتى لو لم تكن هناك قوىً خارجية تدعم النزعات الإنفصالية الداخلية،
أو تشير اليها بين الفينة والأخرى، أو تلوّح بها للضغط على النظام
السياسي القائم في المملكة، فإن وجود مثل هذه المشاعر في حدّ ذاته
آخذ بالتصاعد لوجود أسباب محليّة تغذّيه. ومع أنه من الممكن
والمتوقّع ـ لأهداف سياسية ودعائيّة ـ أن توجّه التّهمة لكلّ خارج عن
الدولة بأنه انفصالي يتآمر مع الخارج، سواء جاءت هذه التهمة من
الحكومة أو من الفئة المنتفعة من الوحدة أو من الوطنيين الحقيقيين
المخلصين، لكن من غير الممكن أن تحلّ المشكلة بمثل هذا النوع من
المواجهات، خاصة وأننا سمعنا وقرأنا عن اتهامات بالتآمر توجّه
للحجازيين ولسكان المنطقة الشرقية والشمالية بالإنفصال أو المطالبة
بالحكم الذاتي، وبالتآمر مع الأميركيين واليهود، مما يشير الى حقيقة
كبرى هي أن الإنفصال في التاريخ المعاصر ظاهرة محلية الجذور.
حين تقرر جماعة أثنية (مناطقية أو مذهبية أو قومية) الإنفصال، فإن
ذلك تحدّده على الأرجح العوامل الداخلية والسياسات المحليّة وعلاقات
الجماعات التي تتشكل منها الدولة مع بعضها البعض. ولكن هل تحقق تلك
الجماعة هدفها بالإنسلاخ عن الدولة وتأسيس دولة مستقلة خاصة بها؟
الجواب: إن ذلك تحدده على الأرجح السياسات الإقليمية والدولية، التي
تستطيع بقدر ما توفير الحماية السياسية والدعم المادي لها. لكن لا
يمكن فهم الدعوات الإنفصالية بدون فهم للسياسات المحلية وعلاقات
الجماعات الأثنية التي تتشكل منها الدولة. فإذا ما اجتمعت الرغبة
الداخلية، والظرف الدولي الإقليمي المناسب لها، فإن أرجحية الإنفصال
ونجاح دعاته يتحقق بشكل كبير. لا يكفي في الغالب لتحقق الإنفصال أن
تكون منطقة أو جماعة ما مهيّأة له إن لم تخدمها الظروف الاقليمية
والدولية، ولا يمكن لدولة ما مهما بلغت من القوة أن تفرض من وراء
الحدود واقعاً إنفصالياً خلاف رغبة السكان، أي بدون وجود أرض خصبة
لذلك.
والمملكة التي كان توحّدها في جزء كبير منه اقتناصاً لظرف وغطاء
دوليين، رجّح عائلة مالكة وألغى أخريات، وسمح لمنطقة بأن تسوّد نفسها
على باقي المناطق في كل المجالات.. هذا الظرف الدولي بدأ ـ وهنا مكمن
الخطر بالنسبة للنخبة السياسية القائمة ـ يميل اليوم بتوفير غطاء
مماثل للقيام بفعل معاكس. فالظرف الدولي بمجمله منذ سقوط الإتحاد
السوفياتي ألغى حواجز نفسية وعملية مستعصية أمام الجماعات الطامحة
للإنفصال. وبانفجارات نيويورك (سبتمبر 2001) بدأ الغطاء السياسي
الأميركي الحامي لوحدة المملكة بالإنقشاع ليقوم مكانه وبشكل تدريجي
غطاء مبرر وداعم لتقسيم المملكة.
تكمن أهمية العامل الدولي والإقليمي في مسألتين أساسيتين:
الأولى، هي أن الحركة الداعية للإنفصال هي في الغالب حركة عنفية، أو
تتوسّل العنف لمواجهة قوى الدولة وأجهزتها المنظمة.. ربما لهذا السبب
بالتحديد، هناك ما يشبه الإطمئنان الداخلي بالنسبة للنخبة الحاكمة في
المملكة وقاعدتها المناطقية ـ الطائفية من جهة كونها قادرة على
مواجهة الدعوات العنفية للإنفصال فيما لو حدثت بعنف مضادّ، خاصة وأن
الجهاز العسكري بمجمله ليس جهازاً وطنياً وتسيطر عليه المناطقية
والفئوية التي تستبعد المواطنين الآخرين من الخدمة فيه.
في حالات قليلة ينجح الإنفصال بدون عنف، كأن ينهار النظام المركزي
وتتفكك الدولة تلقائياً دون أن تستطيع قوى العسكر والأمن حفظ وحدتها
فيجري الإتفاق على الإنفصال دونما عنف مثلما حدث للإتحاد السوفياتي.
وكذلك في حال تشيكوسلوفاكيا، فإن ذلك البلد ثنائي الأثنية، قرّر
الإنفصال سلماً. وفي كيوبك فشلت محاولات الإنفصال عبر استخدام صناديق
الإقتراع، لكن الحركة لم تنته بعد. الطابع العنفي هو الغالب،
والأمثلة أكثر من أن تحصى: تقسيم الهند أولاً، تقسيم الباكستان
وانسلاخ بنغلاديش، قبرص، سيريلانكا، تيمور الشرقية وإقليم آتشيه في
اندونيسيا، الشيشان، الأكراد في العراق وتركيا وإيران، حركة غارانغ
في جنوب السودان، وأمثلة عديدة أخرى يمكن طرحها.
الوجه الآخر لعنفية الحركات الداعية للإنفصال تعني الحاجة الى دعم
مباشر من دول الجوار أو من المحيط الأبعد (دعم الهند بالنسبة
لبنغلاديش، الفلبين لولاية صباح الماليزية، ماليزيا بالنسبة لمسلمين
جنوب الفلبين، تركيا بالنسبة لقبرص الشمالية..الخ). وإذا لم يتوفر
الدعم العسكري والسياسي المباشرين، فإن القوى الإقليمية تستطيع
بمساعدة الدولة المهددة تقليص خطر الإنفصال الى أدنى حد ممكن.
والثانية، يضاف الى حاجة الحركة الإنفصالية الى الفضاء الدولي
والإقليمي للتنفس عسكرياً، فإنها بحاجة أيضاً الى غطاء سياسي يمنح
الشرعية للمطالب السياسية ويبرر استخدام العنف لتحقيقها، ويعترف
بالجماعة الأثنية النازعة للإستقلال ككينونة سياسية مستقلة يحق
لأتباعها تقرير مصيرها، أي أنها تندرج مطالبها ضمن مبدأ (حق تقرير
المصير). وحتى إذا ما فشلت الدعوة الإنفصالية عسكرياً، فإن الضغط
السياسي الخارجي قادر (خاصة إذا ما جاء من دول كبرى قوية) على تعويض
الخسائر العسكرية والدفع باتجاه الإستقلال (البوسنة وتيمور الشرقية
مثالاً). ونظراً لأن حالات التدخل الخارجي تكررت في السنوات الأخيرة،
فإن عدداً من الدول التي تعاني من انشقاقات حادّة والتي أصابها القلق
من هذا النوع من التدخلات، شعرت بأنها ليست مطلقة اليد في استخدام
العنف ضد الإنفصاليين وقهرهم بالقوة، وانتهجت على اختلافها سياسات
محاطة بقفازات حريرية تمنع (تدويل) مشكلات الإنشقاق المحلية والتي
تستدعي عادة إثارات ومحاولات تدخل خارجية.
وما يقلق المسؤولين في المملكة بالتحديد ليس المشاعر الإنفصالية
المحلية رغم حدّتها والتي تتستّر تحت ألف ثوب وثوب، ويجري التعبير
عنها بالممارسة بأشكال صارخة أحياناً، فهذا الخطر يمكن مواجهته بقوى
الدولة الأمنية والعسكرية، ولكن ما لا يمكن مواجهته هو أن القوى
الإقليمية والدولية بدأت بالتشابك مع العنصر المحلّي، الأمر الذي قد
يجعل مؤسسة الدولة العسكرية غير ذات معنى، أي لا تكفي لدفع الخطر
الناجم حتى مع وجود دعوة عنف انفصالية في المملكة.
ويبدو أن المسؤولين في المملكة أكثر إدراكاً لأهمية العامل الخارجي
وأكثر شعوراً بالحساسية تجاهه كما أنهم أكثر استعداداً للتعاطي معه
والتنازل إن تطلب الأمر لدرئه، في حين أنهم، إطمئناناً منهم لديمومة
الغطاء الواقي الغربي ربما، أو بسبب غرور القوة الطاغي، والشعور
بالإستعلاء تجاه المجاميع السكانية في المملكة، لا يهتمون بالموضوع
المحلّي وعلاقته بالعامل الخارجي، وكذلك بعلاقات الفئات الإجتماعية
المناطقية والمذهبية مع بعضها البعض، ولا يدركون ربما أهمية ترسيخ
القيم الوطنية الجامعة، وبناء الهوية الوطنية، والدفع قدماً
بالمساواة الإجتماعية والسياسية والإقتصادية بين المواطنين.
يتسمّر الرأي العام في المملكة حول موقف واشنطن الجديد وما يصدر منها
وما ينشره الإعلام الأميركي من دعوات غير مسبوقة تبشّر بإعادة
(المُلك النجدي) الى حجمه الطبيعي ومحاصرة التطرّف الوهابي في
الصحراء عبر إقامة دولة للمواطنين الشيعة في الشرق وأخرى للحجازيين
في الغرب. بيد ان الحديث عن الظرف الإقليمي يشمل دولاً عديدة ليست
ممانعة من تفكيك المملكة، إن لم تكن صاحبة مصلحة فيها، أو هي تسعى
للإنتقام والمعاملة بالمثل.
لا يجب أن ننساق وراء الأوهام هنا أيضاً بأن هذه الدول يمكن أن تقف
أو تمنع، أو ترغب بالنسبة لبعضها على الأقل في ديمومة وحدة المملكة
السياسية والترابية.
فوحدة المملكة مستهدفة من الهاشميين/ الأشراف في الأردن. العائلة
الهاشمية لا تزال ترى نفسها طريدة منفية من موطنها الأصلي (الحجاز)
وهي العائلة المالكة الوحيدة في المشرق العربي التي كانت على الدوام
المنافس العنيد للعائلة المالكة السعودية حتى بعد سقوط الملكية في
العراق، وكلتا العائلتين تتسابقان في إرضاء الغرب لتحقيق أغراض معينة
أو لدفع شرور أخرى. حتى وإن كانت العائلة الهاشمية، أو ما تبقى من
أفرادها، بعيدة عهد بالحجاز، ولو افترضنا أن المشاعر الحجازية
النخبوية لا تميل بالضرورة للأشراف، وهو أمرٌ يحتاج الى تأكيد، فإن
الحجاز قد أنتج لنفسه نخباً قياديّة خاصّة به في العقود الماضية، وهو
إن وضع بين خيارين، فعلى الأرجح أنه لن يختار الوضع القائم.
إن طموح الهاشميين للعودة نحو الحجاز لم يهدأ مطلقاً حتى في أحسن
ظروف العلاقات بين البلدين، ولكن يهمنا التوجه الحاضر الذي يثير
مقالة حجاز مستقل أو ملحق بالأردن تحت السيادة الهاشمية. وهذا التوجه
يثير قلقاً بالغاً لدى المسؤولين في المملكة، أكثر إرعاباً، من نفس
الدعوة حين أُثيرت بعد الغزو العراقي للكويت. وإشارات التمدد الأردني
تجاه العراق والسعودية باتت من المواضيع المطروحة اليوم بشكل صريح،
لدرجة أن الملك الأردني عبد الله في زيارته الأخيرة لواشنطن تحدّث
لصحافيين وسياسيين أميركيين بأن ما زرعه الغربيون يجنونه اليوم، فلو
لم يقفوا مع آل سعود في احتلال الحجاز وإنهاء ملك الأشراف ـ حسب ما
نقل عن الملك عبد الله ـ ما حدثت انفجارات نيويورك ولا واجه الغرب
التحدّي الإرهابي الوهابي! وقد نقل بعض هؤلاء ما قيل الى الأمير عبد
الله الذي كان لا يزال يمضي زيارته لواشنطن.
أما البلدان الأخرى المجاورة والمحيطة فسياساتها في أفضل الظروف أنها
غير مهتمة، وفي أسوئها هي مؤيدة أو غير ممانعة. لا يمكن توقّع أن
تدافع اليمن عن وحدة المملكة، والذاكرة اليمنية لمّا تنسى موقف
المملكة من وحدتها، حين وقفت ضد الوحدة منذ بدايتها، ثم شجعت على
تفكيكها ودعمت أعداءها (شيوعيي الأمس) بالدبابات والمال كما هو
معلوم. في تلك الحقبة طلبت المملكة بشكل ملحّ من واشنطن منع قيام
الوحدة وبعد قيامها طلبت فسخها، ولكن كان لواشنطن أهدافها الخاصّة.
فهل تستطيع النخبة الحاكمة في المملكة أن تضمن أن لا يردّ لها جارها
المعاملة بالمثل؟ هذا إذا افترضنا أن لا أضرار ولا منافع أو طموحات
له من تقسيم المملكة.
ويصدق القول ذاته أيضاً على عراق ما بعد صدام حسين، فخلافاً لما كان
يعتقده المسؤولون السعوديون ويروجون له بأن صدام حسين يريد اقتطاع
الجزء الشرقي من المملكة، فإن غيابه وقيام نظام بديل تعترض المملكة
على وجوده اليوم، يضعف اهتمام النظام القادم بما تتعرض له المملكة من
مخاطر تقسيمية. وحتى الكويت، فإنها معنية اليوم بتغيير نظام الحكم في
العراق، أكثر مما هي مهتمة بتأثير ذلك على وحدة المملكة.. مع افتراض
أن الكويت أو بعض رموز الحكم فيها، قد أزاحوا من مخيلتهم منذ الغزو
العراقي إرثاً تاريخياً يميل الى الإعتقاد بأن مملكة بهذا الحجم الذي
هي عليه لا تتيح فرصة لدول الخليج وبينها الكويت أن تتنفس سياسياً
وتأخذ موقعها في السياسة الإقليمية.
قد ترى قطر والبحرين وربما عمان والإمارات منفعة ما سياسية أو
اقتصادية (البحرين بالخصوص) في حال جرى تقسيم المملكة.. وقد وصلت
إشارات الى المسؤولين في المملكة بهذا المعنى أو قريب منه من لسان
مسؤولين كبار في معظم دول الخليج المتبرّمة ـ بحق أو بدون ـ من نمط
العلاقة القائم مع الرياض.
والنقطة الجديرة بالإلفات هي أن دول الخليج لا تخشى التقسيم لذاتها،
بل الضمّ من قبل الكبار، فالكويت تخشى العراق والأخريات الباقيات
تخشى السعودية، وللأخيرة تجارب تاريخية سيطرت فيها على كل مناطق
الخليج بمنطق القوة وعلى أرضية طائفية. والنخب الحاكمة في المملكة ما
تفتأ تتحدث عن أحقية المملكة التاريخية في القضاء على ما تسميه بـ
(الكيانات الهزيلة في الخليج) مما ولّد شعوراً بالغضب المترافق مع
الخوف والرغبة في الإنتقام، والتخلّص من العبء السعودي في أقرب فرصة
تتاح لها. ولذا لم يكن مستغرباً خلال العقد الماضي أن تشذّ معظم دول
الخليج عن السياسة السعودية كقطر وسلطنة عمان والإمارات، وحتى الكويت
التي تريد أن تحفظ بعض الجميل للسعوديين نظير الدعم الذي تلقّوه من
أجل تحرير بلدهم. بل أن بؤرة منافسة خليجية بدأت بالتشكّل، محورها
الإمارات التي هي أقدر على استقطاب دول الخليج الأخرى مقابل
السعودية.
والخلاصة.. إن الدعوات الإنفصالية في المملكة لها جذورها المحلية
وتصبح خطراً في حال وجدت البيئة الإقليمية والدولية المناسبة. وكما
أن المملكة بدأت تنظر الى الولايات المتحدة كمهدد لوحدتها، فإنها لا
يجب أيضاً أن تطمئن الى محيطها الإقليمي نفسه الذي ربما يكون مهيئاً
هو الآخر لحدوث شرخ في وحدتها. وعليه فإن المطلوب في الأساس النظر
الى العوامل الداخلية المعززة للتقسيم بروح ناقدة وإيلائها اهتماماً
يتوازى مع العامل الخارجي إن لم يولَ فعلاً أهمية أكبر منه.
|