دمقرطة السعودية

 

تتطلّب الديمقراطية شروطاً كثيرة لتحققها. وفي بلد مثل المملكة، تتأرجح المشاعر بين التوق الى الديمقراطية وبين آخر الدواء: انهيار الدولة وتشطّرها.

الديمقراطية تتطلّب تسوية وتنازل، أي تربية خاصة لم يتعوّد سكّان الشرق ـ وبينهم شعب المملكة ـ عليها، وليست من سجاياهم النفسيّة، ولا تساعدهم الثقافة الأحادية والتوتر الطائفي على النزوع باتجاهها. أمّا الإنفصال، فلا يحتاج الى سوى إدامة القطيعة بين المجاميع السكانية المختلفة، وإدامة سياسة الإستئثار بكامل الغنيمة، واعتماد ثقافة العداء ضد (الآخر) مناطقياً ومذهبياً.

وفي حين تتطلب دمقرطة المملكة، وعياً بالواقع، وبناءً للثقافة الوطنية، وترميماً للذات المنشطرة القلقة، وتعقّلاً في تبصّر الوقائع، وتغليباً للمشتركات في المصالح والمصير المشترك.. تدفع الروح السائدة عند كثيرين الى التركيز على مخاطبة العاطفة وتجييشها، والإندفاع نحو المخاطر والمغامرات بدل التأمّل في الوقائع. هذه الروح لا تميل الى الصبر، بل الى الحلول السريعة، وتستمد قوّتها من اليأس بإمكانية التعايش مع الآخر، أو الإصلاح المتدرّج.

لا توفّر الديمقراطية حلولاً سريعة للمشاكل الإقتصادية والإجتماعية، ولا توجد لها أرضية صالحة حتى الآن، خاصة في مجال الثقافة، لكي تنمو براعمها وتستمدّ قوّتها، ولم تتبلور نخب وطنيّة بمعنى الكلمة تحمل على كتفها عبء الإصلاح وتدفع الثمن الواجب دفعه في أي عملية إصلاحية: اعتقالاً، ومنعاً من السفر، وحرماناً من الوظيفة، وإيقافاً عن الكتابة وغير ذلك. إضافة الى ذلك ، لم تكن النخبة الحاكمة الحالية بمستوى مسؤولية حفظ الوطن، ولملمة شتاته الإجتماعي، بل لا تزال حريصة على منع كل البدائل الوطنية: ثقافية وسياسية ونخباً وطنيّة مساهمة في مواجهة الأزمة المشتدّة.

وفي الطرف الآخر، تأتي الروابط القبلية والمناطقية والمذهبية لتجعل خيارات التغيير أقلّ ألقاً وجاذبية بالمقارنة مع الحلول الجذرية العنيفة: التقسيم وإسقاط نظام الحكم. فهذه الروابط لا تعيق فقط عملية التغيير، بل هي بطبيعتها تقدم بديلاً قد يبدو أكثر سهولة من دمقرطة البلاد ولبرلتها، ألا وهو: لنفترق بالحسنى أو بالعنف، بدفع الداخل أو بدعم الخارج. الرسالة التي توصلها هذه المشاعر تفيد: لا نستطيع التعايش مع الوضع القائم، ولا نستطيع القبول به، ولا نأمل في إصلاحه القريب. إذن: فليكن أول الحلول آخرها!

هل أصبحت (دمقرطة) المملكة أصعب حقّاً من (تفتيتها)؟

قد تبدو لبعض الرائين كذلك.. ولكن خيار الوحدة مع الإصلاح وإن كان أكثر صعوبة فهو الأكثر أماناً، وانسجاماً مع مبادئ الدين والعروبة، والتي نأمل تغلّبها في النهاية.